آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

جرى معها من ذكر الله وتسبيحه، وتقديسه، وسائر كلام أهل الجنة من محاورة وحديث طيب فإنّها لا تسمع فيها لاغية، وصِراطِ الْحَمِيدِ هو طريقُ الله الذي دعا عبادَه إليه، ويحتمل أَنْ يريد بالحميد نفس الطريق، فأضاف إليهِ على حد إضافته في قوله: دار الآخرة، وقال البخاريُّ «١» : وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ: أي: أَلْهِمُوا إلى قراءة القرآن، وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ: أي: إلى الإسلام، انتهى.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)
وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ هذه الآية نزلت عام الحُدَيْبِيَّةِ حين صدّ النبي صلى الله عليه وسلّم وجاء يَصُدُّونَ مستقبلاً ِاذ هو فعل يُدِيمونه، وخبر إِنَّ محذوف مقدّر عند قوله: والْبادِ: تقديره: خسروا أو هلكوا. والْعاكِفُ: المقيم في البلد، و «البادي» : القادم عليه من غيره.
وقوله: بِإِلْحادٍ قال أبو عبيدة «٢» : الباء فيه زائدة.
ت قال ابن العربيِّ «٣» في «أحكامه» : وجَعْلُ الباء زائدةً لا يُحْتَاجُ إليه في سبيل العربية لأَنَّ حَمْلَ المعنى على القول أولى من حمله على الحروف، فيقال: المعنى ومن يَهُمَّ فيه بميل، لأَنَّ الإلحادَ هو الميل في اللغة، إلاَّ أَنَّهُ قد صار في عُرْفِ الشرع ميلاً مذموماً، فرفع الله الإشكال، وبَيَّنَ سبحانه أَنَّ الميلَ بالظلم هو المراد هنا، انتهى.
قال ع «٤» : والإلحاد الميلُ وهو يشمل جميع المعاصي من الكفر إلى الصغائر، ٢٣ ب فلعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه، ومَنْ نوى سيئة ولم يعملها- لم

(١) ينظر: «صحيح البخاري» (٨/ ٢٩٢) كتاب «التفسير» : باب سورة الحج.
(٢) ينظر: «مجاز القرآن» (٢/ ٤٨).
(٣) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١٢٧٦).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ١١٦).

صفحة رقم 115

يُحَاسَبْ بذلك إلاَّ في مَكَّةَ. هذا قولُ ابنِ مسعود وجماعة من الصحابة «١» وغيرهم.
قال ص: وقوله: أَنْ لاَّ تُشْرِكْ: أَنْ: مفسِّرةٌ لقولٍ مُقَدَّرٍ، أي: قائلين له، أو موحين له: لا تشرك، وفي التقدير الأول نَظَرٌ فانظره، انتهى.
وقوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ... الآية: تطهيرُ البيت عامٌّ في الكُفْرِ، والبِدَعِ، وجميعِ الأَنْجَاسِ، والدماءِ، وغير ذلك، وَالْقائِمِينَ: هم المصلون، وخَصَّ سبحانه بالذكر من أركان الصلاة أعظَمَها، وهو القيامُ والركوعُ والسجودُ، ورُوِيَ:
«أنّ إبراهيم- عليه [الصلاة] «٢» والسلام- لَمَّا أُمِرَ بالأذان بالحج- قال: يا رب، وإذا أَذَّنْتُ، فَمَنْ يَسْمَعُنِي؟ فقيل له: نادِ يا إبراهيمُ، فعليك النداءُ وعلينا البلاغ فصعد على أبي قُبَيْس «٣»، وقيل: على حجر المَقَام، ونادى: أَيُّها الناس، إنَّ الله تعالى قد أمركم بحجِّ هذا البيتِ فَحِجُّوا، فَرُوِيَ أَنَّ يومَ نادى أسمع كُلَّ مَنْ يحج إلى يوم القيامة في أصلابِ الرجال، وأجابه كُل شَيءٍ في ذلك الوقْتِ: من جمادٍ، وغيرهِ: لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبيك فجرت التلبيةُ على ذلك». قاله ابن عباس، وابن جبير «٤»، ورِجالًا: جمع رَاجِل، وَال ضامِرٍ: قالت فرقة: أراد بها الناقةَ وذلك أَنه يقال: ناقة ضامرٌ، وقالت فرقة: لفظ «ضامر» يشمل كلَّ مَنِ اتصف بذلك من جمل، أو ناقة، وغيرِ ذلك.
قال ع «٥» : وهذا هو الأظهر، وفي تقديم رِجالًا تفضيلٌ للمُشَاةِ في الحج وإليه نحا ابن عباس «٦».
قال ابن العربي في «أحكامه» «٧» : قوله تعالى: يَأْتِينَ رَدَّ الضمير إلى الإبل تكرمةً لها لقصدها الحج مع أربابها كما قال تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً [العاديات: ١]. في خيل الجهاد تكرمةً لها حين سَعَتْ في سبيل الله، انتهى. والفَجُّ: الطريق الواسعة، والعميق:

(١) ذكره ابن عطية (٤/ ١١٦) والسيوطي (٤/ ٦٣٣)، وعزاه لسعيد بن منصور، والطبراني عن ابن مسعود. [.....]
(٢) سقط في ج.
(٣) جبل مشرف على مكة ينظر: «المراصد» (٣/ ١٠٦٦).
(٤) أخرجه الطبريّ (٩/ ١٣٤) برقم (٢٥٠٣٩، ٢٥٠٤٠، ٢٥٠٤١) عن ابن عباس، وبرقم (٢٥٠٤٣) عن سعيد بن جبير، وذكره ابن عطية (٤/ ١١٨)، والسيوطي (٤/ ٦٣٨)، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس، وعزاه أيضا لابن جرير عن سعيد بن جبير.
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ١١٨).
(٦) أخرجه الطبريّ (٩/ ١٣٥، ١٣٦) برقم (٢٥٠٥٢)، وذكره ابن عطية (٤/ ١١٨)، وابن كثير (٣/ ٢١٦)، والسيوطي (٤/ ٦٣٩)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن ابن عباس.
(٧) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١٢٧٩).

صفحة رقم 116

معناه: البعيد قال الشاعر [الطويل] :

إِذَا الْخَيْلُ جَاءَتْ مِنْ فِجَاجٍ عَمِيقَة يَمُدُّ بِهَا فِي السير أشعث شاحب «١»
والمنافع في هذه الآية التجارةُ في قول أكثر المتأولين، ابنِ عباس «٢» وغيرِه، وقال أبو جعفر محمد بن علي: أراد الأَجْرَ ومنافع الآخرة «٣»، وقال مجاهد بعموم الوجهين «٤».
ت: وأظهرها عندي قول أبي جعفر يظهر ذلك من مقصد الآية، والله أعلم.
وقال ابن العربيِّ: الصحيح: القولُ بالعموم، انتهى.
وقوله سبحانه: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ذهب قوم إلى: أَنَّ المراد ذكر اسم الله على النَّحْرِ والذبح، وقالوا: إنَّ في ذكر الأيام دليلاً على أنَّ الذبح في الليل لا يجوزُ، وهو مذهب مالكٍ وأصحابِ الرأي.
وقالت فرقة فيها مالك وأصحابُه: الأيام المعلوماتُ: يومُ النحر ويومانِ بعده.
وقوله: فَكُلُوا ندبٌ، واستحب أهل العلم أن يأكلَ الإنسانُ مِنْ هَدْيِهِ وأَضْحِيَّتِهِ، وأنْ يتصدَّقَ بالأكثر، والبائس: الذي قد مَسَّهُ ضُرُّ الفاقة وبؤسها، والمراد أهل الحاجة، والتفث: ما يصنعه المُحْرِمُ عند حِلِّهِ من تقصيرِ شعر وحلقه، وإزالة شعث ونحوه، وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ: وهو ما معهم من هدي وغيره، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: يعني:
طوافَ الإفاضة الذي هو من واجبات «٥» الحج.
(١) لم أقف على قائله، والفجاج جمع فج، وهو الطريق الواسع في الجبل، والعميق البعيد سفلا، وهو محل الشاهد، والأشعث المتلبد شعره المتغير، والشاحب المتغير من هزال.
ينظر: «البحر المحيط» (٦/ ٢)، و «الدر المصون» (٥/ ١٤٤).
(٢) أخرجه الطبريّ (٩/ ١٣٦) برقم (٢٥٠٦٣)، وذكره البغوي (٣/ ٢٨٤)، وابن عطية (٤/ ١١٨)، وابن كثير (٣/ ٢١٦)، والسيوطي (٤/ ٦٤٠)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبريّ (٩/ ١٣٧) برقم (٢٥٠٧٤) بلفظ العفو، وذكره ابن عطية (٤/ ١١٨).
(٤) أخرجه الطبريّ (٩/ ١٣٧) برقم (٢٥٠٧٢)، وذكره البغوي (٣/ ٢٨٤)، وابن عطية (٤/ ١١٨)، وابن كثير (٣/ ٢١٦)، والسيوطي (٤/ ٦٤٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد.
(٥) من أركان الحج الطواف بالبيت، لقوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، والمراد به: طواف الإفاضة، لانعقاد الإجماع على ذلك، ولهذا الطواف أسماء غير ذلك منها طواف الزيارة، وطواف الفرض، وقد يسمى طواف الصدر بفتح الدال: والأشهر أن طواف الصدر هو طواف الوداع. -

صفحة رقم 117
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية