أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ تَكْرِيرًا لِـ «يَدْعُو» الْأُولَى، فَلَا يَكُونُ لَهُ مَعْمُولٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ «ذَلِكَ» بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيَدْعُو ; أَيْ يَدْعُو الَّذِي هُوَ الضَّلَالُ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ الْمَفْعُولَ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَا مَعَ غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ بِمَعْنَى الَّذِي.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو ; فَذَلِكَ: مُبْتَدَأٌ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، أَوْ بَدَلٌ، أَوْ عِمَادٌ، وَالضَّلَالُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَيَدْعُو: حَالٌ ; وَالتَّقْدِيرُ: مَدْعُوًّا. وَفِيهِ ضَعْفٌ.
وَعَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْكَلَامُ بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَ «مَنْ» : مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ: «لَبِئْسَ الْمَوْلَى».
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ «يَدْعُو» مُتَّصِلٌ بِمَا بَعْدَهُ، وَفِيهِ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّ «يَدْعُو» يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ: يُسَمِّي مَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ إِلَهًا، وَلَا يَصْدُرُ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ اعْتِقَادٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَظُنُّ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: يَزْعُمُ ; لِأَنَّ يَزْعُمُ قَوْلٌ مَعَ اعْتِقَادٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ «يَدْعُو» بِمَعْنَى: يَقُولُ، وَ «مَنْ» مُبْتَدَأٌ ; وَ «ضَرُّهُ» ; مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَ «أَقْرَبُ» خَبَرُهُ ; وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ «مَنْ» وَخَبَرُ مَنْ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: إِلَهٌ أَوْ إِلَهِي، وَمَوْضِعُ الْجُمْلَةِ نَصْبٌ بِالْقَوْلِ، وَ «لَبِئْسَ» مُسْتَأْنَفٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِي الْحِكَايَةِ ; لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَقُولُونَ عَنْ أَصْنَامِهِمْ: لَبِئْسَ الْمَوْلَى.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: يَدْعُو مَنْ لَضَرُّهُ ; ثُمَّ قَدَّمَ اللَّامَ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَهَذَا بِعِيدٌ ; لِأَنَّ «مَا» فِي صِلَةِ الَّذِي لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا.
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ) : هُوَ شَرْطٌ، وَالْجَوَابُ فَلْيَمْدُدْ.
وَ (هَلْ يُذْهِبَنَّ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «يَنْظُرْ».
وَالْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ اللَّامِ فِي «لِيَقْطَعْ». وَقُرِئَ بِإِسْكَانِهَا عَلَى تَشْبِيهِ «ثُمَّ» بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ لِكَوْنِ الْجَمِيعِ عَوَاطِفَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي) : أَيْ وَأَنْزَلْنَا أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي ; وَالتَّقْدِيرُ: ذَكِّرْ أَنَّ اللَّهَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَلِأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي بِالْآيَاتِ مَنْ يَشَاءُ أَنْزَلْنَاهَا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) خَبَرُ «إِنَّ» : إِنَّ الثَّانِيَةُ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: «إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ» وَقِيلَ: «إِنَّ» الثَّانِيَةَ تَكْرِيرٌ لِلْأُولَى. وَقِيلَ: الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: مُفْتَرِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ تَفْسِيرٌ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالدَّوَابُّ) : يُقْرَأُ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ ; وَهُوَ بَعِيدٌ ; لِأَنَّهُ مِنَ الدَّبِيبِ، وَوَجْهُهَا أَنَّهُ حَذَفَ الْبَاءَ الْأُولَى كَرَاهِيَةَ التَّضْعِيفِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ.
وَ (