آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ

تفسير سورة الحج
التقوى وسببها
إن مهمة المربي المخلص الترغيب في الاستقامة، والتحذير من الانحراف، وإلا لم يكن مربّيا صدوقا، ولا معلما ناجحا، لذا عني القرآن الكريم من أجل النجاح في التربية بالحض على تقوى الله تعالى التي تشمل الجانبين الإيجابي والسلبي، بالتزام المأمورات التي تحقق الخيرات والفلاح، واجتناب المنهيات التي تؤدي إلى الشر والخسران، وهناك سبب آخر للأمر بالتقوى: وهو النجاة في عالم الحساب يوم الآخرة، ففي الآخرة الرعب والرّهب، ولا أمان من مخاوف هذا اليوم، والنجاة من أهواله، إلا باستقامة الإنسان، وقد أمر الله تعالى صراحة بالتقوى لتنفع صاحبها في عالم القيامة، فقال سبحانه:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤)
«١» «٢» «٣» [الحج: ٢٢/ ١- ٤].
هذا مطلع سورة الحج المدنية النزول، وصدر الآية يتضمن تحذيرا لجميع العالم
(١) أهوال القيامة. [.....]
(٢) تغفل.
(٣) عات متمرد.

صفحة رقم 1623

لتفادي أهوال القيامة، فيا أيها البشر، احذروا عذاب الله، بطاعته، والبعد عن معصيته، ثم أكد الله هذا الأمر بأمر زلزلة القيامة، حين حدوثها، قبل قيام الناس من القبور، لقوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) [الزلزلة: ٩٩/ ١- ٢] وتلك الزلزلة: هي إحدى شرائط القيامة، وسميت الزلزلة حين نزول القرآن شيئا، وهي حينئذ معدومة، لأن تيقن وجودها يجعلها شيئا موجودا، أي هي إذا وقعت شيء عظيم، فيكون المعنى أنها إذا كانت، فهي شيء عظيم جدا، والزلزلة:
التحريك العظيم، وذلك مع نفخة الفزع ومع نفخة الصعق حسبما تضمن حديث أبي هريرة من ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث.
وأوصاف يوم القيامة الرهيبة هي:
١- يوم تذهل الزلزلة كل مرضعة عن وليدها الرضيع. والذهول: الغفلة عن الشيء بطارئ من هم أو وجع أو خوف.
٢- وتسقط الحامل جنينها من بطنها من شدة الخوف والفزع.
٣- وتجد الناس كالسّكارى من الخوف، وهم في الواقع غير سكارى من الشراب، ولكن شدة العذاب أفقدتهم وعيهم.
ومع هذا التحذير الشديد ووصف هذه الأهوال العظام، يجادل بعض الناس في المغيبات بغير علم، كالمجادلة في صفات الله وأفعاله، وقدرته على البعث وغيره، ويتبع في جداله بالباطل خطوات كل شيطان متمرد عات، فهو لا يجادل بالحق، وإنما يجادل بالباطل. قال ابن جريج: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث وأبي بن خلف.
وقيل: في أبي جهل بن هشام. وكان النضر كثير الجدال، يقول: الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، والله غير قادر على إحياء من بلي وصار ترابا.

صفحة رقم 1624

والآية تتناول كل من يتصف بهذه الصفة، أي الجدال بالباطل، وهي كما قال الزمخشري في الكشاف عامة في كل من تعاطى الجدال، فيما لا يجوز على الله، وما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال، ولا يرجع إلى علم، ولا يتّبع حجة ولا برهانا صحيحا، فهو يخبط خبط عشواء، غير فارق بين الحق والباطل، وتدل الآية بمفهومها على جواز المجادلة بالحق، وهي المجادلة مع العلم، ومن أجل التعلم والتعرف على الحقيقة، لقوله تعالى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٦/ ١٢٥].
وأما المجادلة بالباطل: فهي المرادة من قوله تعالى: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف:
٤٣/ ٥٨].
ثم أبان الله مصير الذي يتبع الشيطان، وهو أنه قضي على من اتبع الشيطان، وجعله وليا ناصرا له: أن يوقعه في الضلال، ويهديه إلى النار، أي يدله على طريق ذلك. والمقصود أن اتباع الشيطان يؤدي إلى الضلال في الدنيا، وإلى عذاب النار في الآخرة، وهذا وعيد واضح لمن اتبع الشيطان، وتحذير من الانسياق مع وساوسه وأباطيله.
بعض أدلة البعث
أقام الله تعالى أدلة كثيرة على إثبات البعث واليوم الآخر، منها في أوائل سورة الحج خلق الإنسان، وخلق النبات، فالله تعالى خلق الإنسان من تراب، كما في قوله تعالى:
فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ. وخلق النبات من زرع وشجر، كما في قوله سبحانه: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً. وبعد إيراد الأدلة على قدرة الله على البعث، لا يلتفت إلى إنكار منكر له، ويكون الإنكار نوعا من العبث والمكابرة والعناد الذي لا يعتمد على عقل ولا فكر صحيح. قال الله تعالى مبينا موقف هذا المنكر المكابر والرد عليه:

صفحة رقم 1625
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية