آيات من القرآن الكريم

إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هُمَا قَبِيلَتَانِ مِنْ جِنْسِ الْإِنْسِ، يُقَالُ: النَّاسُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ يَخْرُجُونَ حِينَ يُفْتَحُ السَّدُّ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قِيلَ: السَّدُّ يَفْتَحُهُ اللَّه تَعَالَى ابْتِدَاءً، وَقِيلَ: بَلْ إِذَا جَعَلَ اللَّه تَعَالَى الْأَرْضَ دَكًّا زَالَتِ الصَّلَابَةُ عَنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَنْفَتِحُ السَّدُّ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَحَشْوٌ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَالْمَعْنَى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ شَخَصَتْ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَالْحَدَبُ النَّشَزُ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ حَدَبَةُ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ حَدَبَةُ الظَّهْرِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا مِنْ كُلِّ جَدَثٍ يَنْسِلُونَ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس: ٥١] وَقُرِئَ بِضَمِّ السِّينِ وَنَسَلَ وَعَسَلَ أَسْرَعَ ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ أَيْ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ فَيُحْشَرُونَ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْجَهُ وَإِلَّا لَتَفَكَّكَ النَّظْمُ، وَأَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِذَا كَثُرُوا عَلَى مَا رُوِيَ فِي «الْخَبَرِ»، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُنْشَرُوا فَيَظْهَرَ إِقْبَالُهُمْ عَلَى النَّاسِ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَلَا شُبْهَةَ أَنَّ الْوَعْدَ الْمَذْكُورَ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَإِذا هِيَ فَاعْلَمْ أَنَّ (إِذَا) هَاهُنَا لِلْمُفَاجَأَةِ فَسَمَّى الْمَوْعِدَ وَعْدًا تَجَوُّزًا، وَهِيَ تَقَعُ فِي الْمُجَازَاةِ سَادَّةً مَسَدَّ الْفَاءِ كَقَوْلِهِ: إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ [الرُّومِ: ٣٦] فَإِذَا جَاءَتِ الْفَاءُ مَعَهَا تَعَاوَنَتَا عَلَى وَصْلِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ فَيَتَأَكَّدُ وَلَوْ قيل: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ [إلي آخر الآية] أَوْ فَهِيَ شَاخِصَةٌ كَانَ سَدِيدًا، أَمَّا لَفْظَةُ هِيَ فَقَدْ ذَكَرَ النَّحْوِيُّونَ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْأَبْصَارِ، وَالْمَعْنَى فَإِذَا أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ كَنَى عَنِ الْأَبْصَارِ ثُمَّ أَظْهَرَ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عِمَادًا وَيَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا هُوَ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ [النمل: ٩] وَمِثْلُهُ:
فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ [الْحَجِّ: ٤٦] وَجَازَ التَّأْنِيثُ لِأَنَّ الْأَبْصَارَ مُؤَنَّثَةٌ وَجَازَ التَّذْكِيرُ لِلْعِمَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ بِمَعْنَى فَإِذَا الْقِصَّةُ شَاخِصَةٌ، يَعْنِي أَنَّ الْقِصَّةَ أَنَّ أَبْصَارَ الَّذِينَ كَفَرُوا تَشْخَصُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الْقِيَامَةَ إِذَا قَامَتْ شَخَصَتْ أَبْصَارُ هَؤُلَاءِ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ، فَلَا تَكَادُ تَطْرِفُ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمِنْ تَوَقُّعِ مَا يَخَافُونَهُ، وَيَقُولُونَ: يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يَعْنِي فِي الدُّنْيَا حَيْثُ كَذَّبْنَاهُ وَقُلْنَا:
إِنَّهُ غَيْرُ كَائِنٍ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ أَنْفُسَنَا بِتِلْكَ الْغَفْلَةِ وَبِتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ قَبْلَ قَوْلِهِ يَا وَيْلَنَا من حذف والتقدير يقولون يا ويلنا.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّكُمْ خِطَابٌ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَنَادِيدُ قُرَيْشٍ فِي الْحَطِيمِ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

صفحة رقم 186

فَأَفْحَمَهُ ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الْآيَةَ فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّه بْنُ الزِّبَعْرَى فَرَآهُمْ يَتَهَامَسُونَ فَقَالَ: فِيمَ خَوْضُكُمْ؟ فَأَخْبَرَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بِقَوْلِ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال عَبْدُ اللَّه أَمَّا واللَّه لَوْ وَجَدْتُهُ لَخَصَمْتُهُ فَدَعَوْهُ، فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى أَأَنْتَ قُلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ قَدْ خَصَمْتُكَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَلَيْسَ الْيَهُودُ عَبَدُوا عُزَيْرًا وَالنَّصَارَى عَبَدُوا الْمَسِيحَ وبنوا مَلِيحٍ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ «١» ثُمَّ رُوِيَ فِي ذَلِكَ روايتان: إحداها: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ فَضَحِكَ الْقَوْمُ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزُّخْرُفِ: ٥٧، ٥٨] وَنَزَلَ فِي عِيسَى وَالْمَلَائِكَةِ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠١] الْآيَةَ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجَابَ وَقَالَ بَلْ هُمْ عَبَدُوا الشَّيَاطِينَ الَّتِي أَمَرَتْهُمْ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّه سُبْحَانَهُ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠١] الْآيَةَ
يَعْنِي عُزَيْرًا وَالْمَسِيحَ وَالْمَلَائِكَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَ ابْنِ الزِّبَعْرَى سَاقِطٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّكُمْ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ مَعَ مُشْرِكِي مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَقَطْ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَمَنْ تَعْبُدُونَ بَلْ قَالَ مَا تَعْبُدُونَ وَكَلِمَةُ مَا لَا تَتَنَاوَلُ الْعُقَلَاءَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّماءِ وَما بَناها [الشَّمْسِ: ٥] وَقَوْلُهُ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الْكَافِرُونَ: ٢] فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّيْءِ وَنَظِيرُهُ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّكُمْ وَالشَّيْءَ الَّذِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّه لَكِنْ لَفْظُ الشَّيْءِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فَلَا يَتَوَجَّهُ سُؤَالُ ابْنِ الزِّبَعْرَى. وَثَالِثُهَا: أَنَّ مَنْ عَبَدَ الْمَلَائِكَةَ لَا يَدَّعِي أَنَّهُمْ آلِهَةٌ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ:
لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها. وَرَابِعُهَا: هَبْ أَنَّهُ ثَبَتَ الْعُمُومُ لَكِنَّهُ/ مَخْصُوصٌ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ لِبَرَاءَتِهِمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَوَعَدَ اللَّه إِيَّاهُمْ بِكُلِّ مَكْرُمَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠١]. وَخَامِسُهَا: الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الشَّيَاطِينَ، فَإِنْ قِيلَ الشَّيَاطِينُ عُقَلَاءُ، وَلَفْظُ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُمْ فَكَيْفَ قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَوْ ثَبَتَ لَكُمْ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْعُقَلَاءَ فَسُؤَالُكُمْ أَيْضًا غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَكَتَ عِنْدَ إِيرَادِ ابْنِ الزِّبَعْرَى هَذَا السُّؤَالَ فَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَتَنَبَّهُ لِهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُفَسِّرُونَ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ بِاللُّغَةِ وَبِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَظْهَرَ هَذِهِ الْأَجْوِبَةُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْهَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَإِنْ قِيلَ: جَوَّزُوا أَنْ يَسْكُتَ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتِظَارًا لِلْبَيَانِ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ الْبَيَانُ حَاضِرًا مَعَهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ السُّكُوتُ لِكَيْ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ الِانْقِطَاعُ عَنْ سُؤَالِهِمْ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَجَابَ عَنْ سُؤَالِ ابْنِ الزِّبَعْرَى فَقَالَ:
إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُصَوِّرُ لَهُمْ فِي النَّارِ مَلَكًا عَلَى صُورَةِ مَنْ عَبَدُوهُ، وَحِينَئِذٍ تَبْقَى الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَعْبُدُوا تِلْكَ الصُّورَةَ وَإِنَّمَا عَبَدُوا شَيْئًا آخَرَ لَمْ يَحْصُلْ مَعَهُمْ فِي النَّارِ.
الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْمَلَكَ لَا يَصِيرُ حَصَبَ جَهَنَّمَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَإِنَّ خَزَنَةَ النَّارِ يَدْخُلُونَهَا مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حَصَبَ جَهَنَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْحِكْمَةُ في أنهم قرنوا بآلهتهم أمور. أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ لِمُقَارَنَتِهِمْ فِي زِيَادَةِ غم

(١) لهذا الخبر تتمة، وهي أن
الرسول صلى اللَّه عليه وسلم رد على ابن الزبعري حينئذاك بقوله: «ما أجهلك بلغة قومك! ما لما لا يعقل،
أي أن العرب جعلوا من للعقلاء وما لغيرهم وعزير والأنبياء والملائكة من العقلاء فلا يشار إليهم بما.

صفحة رقم 187

وَحَسْرَةٍ، لِأَنَّهُمْ مَا وَقَعُوا فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ إِلَّا بِسَبَبِهِمْ وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ بَابٌ مِنَ الْعَذَابِ «١». وَثَانِيهَا: أَنَّ الْقَوْمَ قَدَّرُوا أَنَّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي دَفْعِ الْعَذَابِ، فَإِذَا وَجَدُوا الْأَمْرَ عَلَى عَكْسِ مَا قَدَّرُوا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ إِلْقَاءَهَا فِي النَّارِ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِهْزَاءِ بِعِبَادِهَا. وَرَابِعُهَا: قِيلَ مَا كَانَ مِنْهَا حَجَرًا أَوْ حَدِيدًا يُحْمَى وَيَلْزَقُ بِعُبَّادِهَا، وَمَا كَانَ خَشَبًا يُجْعَلُ جَمْرَةً يُعَذَّبُ بِهَا صَاحِبُهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: حَصَبُ جَهَنَّمَ فَالْمُرَادُ يُقْذَفُونَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَشَبَّهَهُمْ بِالْحَصْبَاءِ الَّتِي يُرْمَى بِهَا الشَّيْءُ فَلَمَّا رَمَى بِهَا كَرَمْيِ الْحَصْبَاءِ، جَعَلَهُمْ حَصَبَ جَهَنَّمَ تَشْبِيهًا، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْحَصْبُ الرَّمْيُ وَقُرِئَ بِسُكُونِ الصَّادِ وَصْفًا بِالْمَصْدَرِ، وَقُرِئَ حطب وحضب بِالضَّادِ الْمَنْقُوطَةِ مُتَحَرِّكًا وَسَاكِنًا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ فَإِنَّمَا جَازَ مَجِيءُ اللَّامِ فِي لَهَا لِتَقَدُّمِهَا عَلَى الْفِعْلِ تَقُولُ أَنْتَ لِزَيْدٍ ضَارِبٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨] وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥] أَيْ أَنْتُمْ فِيهَا دَاخِلُونَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَرِدُوهَا وَلَا مَعْدِلَ لَكُمْ عَنْ دُخُولِهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِالْأَصْنَامِ أَلْيَقُ لِدُخُولِ لَفْظَةِ مَا، وَهَذَا الْكَلَامُ بِالشَّيَاطِينِ أَلْيَقُ لِقَوْلِهِ هَؤُلَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ/ الشَّيَاطِينَ وَالْأَصْنَامَ فَيَغْلِبُ بِأَنْ يُذْكَرُوا بِعِبَارَةِ الْعُقَلَاءِ، وَنَبَّهَ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنَّ مَنْ يُرْمَى إِلَى النَّارِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. وَهَاهُنَا سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها لَكِنَّهُمْ وَرَدُوهَا فَهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً حُجَّةً، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ ذَكَرَهَا لِنَفْسِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ آلِهَةً وَإِنْ ذَكَرَهَا لِغَيْرِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَهَا لِمَنْ يُصَدِّقُ بِنُبُوَّتِهِ أَوْ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِنُبُوَّتِهِ، فَإِنْ ذَكَرَهَا لِمَنْ صَدَّقَ بِنُبُوَّتِهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَّقَ بِنُبُوَّتِهِ لَمْ يَقُلْ بِإِلَهِيَّةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ وَإِنْ ذَكَرَهَا لِمَنْ يُكَذِّبُ بِنُبُوَّتِهِ، فَذَلِكَ الْمُكَذِّبُ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ تِلْكَ الْآلِهَةَ يَرِدُونَ النَّارَ وَيُكَذِّبُونَهُ فِي ذلك، فكان ذكر هَذِهِ الْحُجَّةَ ضَائِعًا كَيْفَ كَانَ، وَأَيْضًا فَالْقَائِلُونَ بِإِلَهِيَّتِهَا لَمْ يَعْتَقِدُوا فِيهَا كَوْنَهَا مُدَبِّرَةً لِلْعَالَمِ وَإِلَّا لَكَانُوا مَجَانِينَ، بَلِ اعْتَقَدُوا فِيهَا كَوْنَهَا تَمَاثِيلَ الْكَوَاكِبِ أَوْ صُوَرَ الشُّفَعَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهَا فِي النَّارِ. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: الْمَعْنَى لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْأَصْنَامَ آلِهَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ مَا وَرَدُوهَا أَيْ مَا دَخَلَ عَابِدُوهَا النَّارَ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ ذَلِكَ الْعَذَابَ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا:
الْخُلُودُ فَقَالَ: وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ يَعْنِي الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ قَالَ الْحَسَنُ: الزَّفِيرُ هُوَ اللَّهِيبُ، أَيْ يَرْتَفِعُونَ بِسَبَبِ لَهَبِ النَّارِ حَتَّى إِذَا ارْتَفَعُوا وَرَجَوُا الْخُرُوجَ ضُرِبُوا بِمَقَامِعِ الْحَدِيدِ فَهَوَوْا إِلَى أَسْفَلِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا، قَالَ الْخَلِيلُ: الزَّفِيرُ أَنْ يَمْلَأَ الرَّجُلُ صَدْرَهُ غَمًّا ثُمَّ يَتَنَفَّسُ قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ لَهُمْ: عَامٌّ لِكُلِّ مُعَذَّبٍ، فَنَقُولُ لَهُمْ: زَفِيرٌ مِنْ شِدَّةِ مَا يَنَالُهُمْ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْبُودِينَ أَيْ لَا يَسْمَعُونَ صُرَاخَهُمْ وَشَكْوَاهُمْ. وَمَعْنَاهُ:
أَنَّهُمْ لَا يُغِيثُونَهُمْ وَشِبْهُهُ سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ أَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَصْنَامِ خَاصَّةً عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْكُفَّارِ، ثُمَّ هَذَا يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْكُفَّارَ يُحْشَرُونَ صُمًّا كَمَا يُحْشَرُونَ عُمْيًا زِيَادَةً فِي عَذَابِهِمْ.

(١) قال أبو الطيب المتنبي في هذا المعنى:

صفحة رقم 188
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
واحتمال الأذى ورؤية جالي هـ غذاء تضوى به الأجسام