آيات من القرآن الكريم

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

أنفسهم فقالوا له «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ» ٦٥ فكيف تكلفنا سؤالهم فلما رأى الحجة اتجهت عليهم «قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ» إن عبدتموه «شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ» ٦٦ إن تركتم عبادتها «أُفٍّ» راجع معناه في الآية ٢٣ من الإسراء في ج ١ «لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ» ٦٧ أنها لا تستحق العبادة فتتركونها، ثم طفق يندد بهم وبآلهتهم ويذمها ويحقرها ويسفههم، ولما جابههم بذلك وعرفوا أنه هو الفاعل حكموا عليه بما ذكره الله بقوله «قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ» ٦٨ به شيئا يرفع العار عنكم وعن آلهتكم، لأنه طعن فيكم ووصم آلهتكم جهرا ولم يحترم أحدا ولم يقلع عما هو عليه ولم يعتذر، قالوا فقبضوه وحبسوه في حظيرة في قرية كوني، وأمر النمروذ الناس بجمع الحطب مدة ستة أشهر، حتى صار المرضى وذو العاهات والحاجات ينذرون جمع الحطب لإحراقه إذا أجيبت دعواتهم، قاتلهم الله ما أحمقهم، ثم أوقدوا ما جمعوه مدة سبعة أيام حتى صارت الطير في جو السماء تحترق من وهجها، فأخرجوا إبراهيم ليلقوه فيها، فلم يقدروا أن يتقربوا منها ولم يعلموا كيفية إلقائه بوسطها ليتم لهم ما قرروه، قالوا فخرج إبليس على صورة رجل منهم فعلمهم عمل المنجنيق (آلة قاذفة) فعملوه ووضعوه فيه مقيدا مغلولا ورموه في تلك المقذفة من محل عال مشرف على وسط النار، فتداركه الذي ألهمه ما عمل وأنطقه بما قال جلت قدرته بقوله «يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ» ٦٩ فكانت كذلك لأنها لا تحرق إلا بخلق الله الإحراق فيها «وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ» ٧٠ في سعيهم وعدم حصول مرادهم
«وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ» ٧١ أرض الشام والقدس.
مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:
قالوا لما وضع إبراهيم بالمقذف ليرمى في النار صاحت ملائكة الأرض والسماء، ربنا ائذن لنا في نصرته فليس في الأرض أحد يعبدك غيره، فقال إنه خليلي وأنا إلهه فإن استغاثكم فأغيثوه، قالوا فجاء خازن المياه وقال له إن أردت أخمدت

صفحة رقم 314

النار، وأتاه خازن الهواء فقال له إن أردت طيّرت النار، فقال لا حاجة لي إليكم، حسبي الله ونعم الوكيل، وقالوا إنه قال حين ألقي بالنار: لا إله إلا أنت لك الحمد ولك الملك لا شريك لك. فاستقبله جبريل فقال له يا إبراهيم ألك حاجة؟
قال أما إليك فلا، قال اسأل ربك، قال حسبي من سؤالي علمه بحالي. روى البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى (وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) قال:
قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي بالنار، وقالها محمد صلّى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) الآية ١٧٣ من آل عمران في ج ٣. قالوا وصار كل شيء يسعى ليطفي النار على إبراهيم إلا الوزغ فإنه كان ينفخها، وروى البخاري ومسلم عن أم شريك قالت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ. زاد البخاري قال: وكان ينفخ على إبراهيم. قال ابن عباس: لو لم يقل الله تعالى سلاما لمات إبراهيم من بردها. وجاء في الآثار أنه لم تبق نار في الأرض ذلك اليوم إلا أطفئت، ولو لم يقل على إبراهيم لبقيت باردة أبدا، ولم ينتفع بها أحد، قالوا وبقي إبراهيم فيها سبعة أيام ولم يحترق إلا وثاقه، لأنه من أعدائه وفي حرقه خلاصه من التكتيف فكان لمنفعته، وإلا لم يحرق تبعا للباسه. قالوا وأتبع الله له فيها عين ماء عذب، وأنبت على حافتها الورد الأحمر والنرجس، وبعث الله ملكا يظلل عليه ويؤنسه، وأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إباه، وبطنفسة فأجلسه عليها، وصار يؤانسه أيضا، قالوا وأشرف نمروذ من الصرح على إبراهيم فرآه جالسا في روضة وسط النار، فناداه كبير إلهك الذي بلغت قدرته هذا يا إبراهيم أتستطيع أن تخرج؟ قال نعم، قال تخشى إن قمت أن تضرك؟ قال لا، قال إذن فاخرج فإنك آمن وإنا لا نجابهك بشيء بعد أن رأينا فعل إلهك معك، قالوا فخرج، ولما وصل إليه قال من الذي كان معك؟ قال ملك يؤانسني، قال إني مقرب إلى ربك أربعة آلاف بقرة، قال لا يقبلها منك إلا أن تكون على ديني، قال لا أستطيع ترك ملكي ولكن سأذبحها لصنيعه بك، فذبحها وترك إبراهيم وشأنه، قالوا واستجاب لإبراهيم رجلان من قومه حين رأى لطف الله فيه، ثم آمنت به سارة بنت هاران الأكبر عم إبراهيم، وتبعه لوط ابن أخيه، وكان لها أخ ثالث يسمى ناخورا

صفحة رقم 315

وثلاثتهم أولاد تارخ وهو آزر، فخرجوا من كوني في أرض العراق، وفروا إلى حران بدينهم، ومنها نزل هاران في أرض الجزيرة، ومكث فيها، ثم ذهبوا إلى مصر ثم إلى الشام، وأول ما نزل هاران أرض على سبيل الإقامة أرض بئر السبع من فلسطين، ونزل لوط بالمؤتفكة تبعد عن بئر السبع ثمانية عشر فرسخا فبعثه الله نبيا إلى أهلها وما حولها. أما النمروذ فقد أصر على الكفر فأرسل الله بعرضة فدخلت في منخره إلى دماغه فأهلكته، وفي إهلاكه بهذه الحشرة الصغيرة تقريع لمن يدعي العظمة تجاه ربه عز وجل لأن هذا تعاظم حتى ادعى الإلهية فأهلكه الله بأحقر شيء من خلقه، فاعتبروا يا أولي الأبصار. وسبب تسمية أرض الشام مباركة لأن أكثر الأنبياء خرجوا منها وبعثوا لأهلها ودفنوا فيها. روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب ألا تتحول إلى المدينة فيها مهاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقبره الشريف؟ فقال كعب إني وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين ان الشام كنز الله في أرضه، وبها كنزه من عباده. وأخرج أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ستكون هجرة بعد هجرة (أراد بالهجرة الثانية إلى الشام إذ يرغب بالمقام فيها) فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم. وأخرج الترمذي عن زيد ابن ثبت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم طوبى لأهل الشام، فقلت وما ذاك يا رسول الله؟ قال لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليها. وأخرج أيضا عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله أين تأمرني؟ قال هاهنا، ونحى بيده نحو الشام، وقدمنا في الآية ١٣٦ من سورة الأعراف ما يتعلق بهذا فراجعه.
قال تعالى «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً» فرق طلبه لأنه قال (رب هب لي من الصالحين) فأعطاه إسحق وأعطى إسحق يعقوب زياده، والنافلة ولد الولد. وهذا بعد أن أعطاه إسماعيل من الجارية هاجر زوجته، وبعد أن وضعه وأمه في مكة المكرمة، وإن ابنه إسحق من زوجته سارة. وقد بينا التاريخ بينهما في الآية ٩٩ من سورة إبراهيم المارة وهو ثماني عشرة سنة «وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ» ٧٢ أنبياء كاملين لاثقين لرسالتنا وإرشاد عبادنا «وَجَعَلْناهُمْ

صفحة رقم 316

أَئِمَّةً»
قادة «يَهْدُونَ» الناس إلى ديننا «بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ» من كل معروف وعمل صالح وفعل طيب «وَإِقامَ الصَّلاةِ» المحافظة عليها بأوقاتها المعينة لها والمداومة على فعلها «وَإِيتاءَ الزَّكاةِ» لمستحقيها من الفقراء والمساكين وهي أفضل العبادات المالية، كما أن الصلاة أفضل العبادات البدنية، ومنه يعلم أن هذين الفرضين قديمان لم تخل أمة منهما «وَكانُوا» إبراهيم وابنه إسحق وحفيده يعقوب «لَنا عابِدِينَ» ٧٣ لم يعبدوا غيرنا منذ نشأوا «وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً» بين الناس على طريق النبوة بمقتضى شريعته لا على سبيل الملكية، لأنها لم تجمع إلا لداود عليه السلام فمن بعده كما سيأتي في الآية ٢٥١ من سورة البقرة ج ٣ «وَعِلْماً» به وفقها بأنواعه «وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ» إتيان الذكران والضراط في المجالس والطرقات وقذف المارة بالحصى والتصفير والتصفيق وعقد أيديهم وراءهم تقليدا لفعل إبليس عند طرده من الجنة، والتباهي بعوراتهم من حيث كبرها وصغرها وغيرها من الفواحش «إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ» ٧٤ خارجين عن حدود الله متجاوزين عليها «وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا» كسائر أنبيائنا «إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» ٧٥ للدين والدنيا وتقدمت القصة مفصلة في الآية ٣٩ من سورة هود المارة «وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ» إبراهيم ولوط «فَاسْتَجَبْنا لَهُ» دعوته «فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» ٧٦ الذي لحقه من تكذيب قومه وإهانتهم له ومن الغرق الذي أهلك به قومه «وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» فلم يصلوا إليه بسوء قط «إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ» منهمكين بالشرور «فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ» ٧٧ لعلمنا أنهم لم يؤمنوا، وتقدمت قصة إهلاكهم في الآية ١٤٤ فما بعدها من سورة هود أيضا، «وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ» الذي انطلقت فيه الأغنام فأهلكته وهو معنى قوله «إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ» لبلاد دخلت فيه فأفسدته كله «وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ» ٧٨.

صفحة رقم 317

مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:
في هذا الجمع دليل المناطقة القائلين أقل الجمع اثنان وعليه اللغات الأجنبية كلها إذ ليس عندهم تثنية بين الجمع والمفرد وعليه قوله تعالى (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية ١١ من سورة النساء في ج ٣، والمراد أخوان، وقرىء لحكمهما قراءة شاذة، وقيل إن الحكم كما يضاف إلى الحاكم يضاف إلى المتحاكمين فيكون معهما جمعا، تأمل وراجع الآية ١١٦ من الصافات المارة. وخلاصة هذه القصة:
قالوا دخل على داود عليه السلام رجلان، قال أحدهما إن غنم هذا قد دخلت في زرعي ليلا فلم تبق منه شيئا، واعترف الآخر بذلك، فحكم عليه السلام بالغنم كلها لرب الزرع، فلما خرجا قال لهما سليمان: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه بالحكم، فقال غير هذا أوفق وأرفق، فعادا فأخبرا داود، فدعاه وقال له بحق الأبوة والنبوة إلا أخبرتني بالذي هو أولى بهما وأحسن، قال له ادفع لصاحب الحرث، الغنم فينتفع بدرّها ونسلها وصوفها، وأمر صاحبها يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه حتى إذا صار كهيئة يوم أكل دفع إلى صاحبه واستعاد صاحب الغنم غنمه، وبهذه الصورة يرتفع الضرر عن الطرفين، ويعود كل لماله كما كان، فقال داود عليه السلام الأمر هو ما قضبت وحكم به، وكان عمر سليمان إذ ذاك إحدى عشرة سنة، ومن ذلك اليوم يقال: الرجوع إلى الحق فضيلة، والاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل، والخطأ في البراءة خير من الخطأ بالحكم. والحكم الشرعي في هذا هو أن ما أفسدته الماشية المرسلة من مال الغير نهارا فلا ضمان على ربّها لأن أصحاب الزرع مكلفون يحفظ زرعهم نهارا من المواشي التي تسرح فيه، وإن كان ليلا فعليه الضمان لأن أهل المواشي مكلفون يحفظها ليلا في مراحها لئلا تتسرب إلى مال الغير فتتلفه حال غفلة أهله، يدل على هذا ما رواه حرام بن سعيد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا (بستانا) لرجل من الأنصار فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل- أخرجه أبو داود مرسلا- وما روى الشيخان من قوله صلّى الله عليه وسلم: جرح

صفحة رقم 318

العجماء جبار ولم يقيده بليل ولا نهار، وقد أخذ أبو حنيفة بهذا ولم يقض بالضمان أصلا، وأخذ الشافعي بالحديث المشار إليه على التفصيل الذي فيه، وكان حكم داود عليه السلام وابنه بالاجتهاد، ولأنه لو كان بالنص لما جاز لسليمان الاعتراض عليه، ولا لداود الرجوع عنه، وان الله تعالى حمد هذا لصوابه، وأثنى على الآخر باجتهاده. قال الحسن: لولا هذه الآيات لهلك الحكام. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال صلّى الله عليه وسلم إذا حكم الحاكم باجتهاده فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر. وهناك من قال إن حكمهما كان بالنص، إلا أن الآخر نسخ الأول وفيه ما فيه فضلا عن أنه يوجب عدم جواز الاجتهاد للأنبياء، لأن سليمان لم يتنبأ بعد لينزل عليه شرع، يدل عليه قوله تعالى «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ» أي قضية الحكم بطريق الإلهام، وإنما ركن داود لحكم سليمان، لأنه رآه موافقا وأرفق من حكمه بحق الطرفين، ولأنه علم حذاقته قبل هذه، وذلك على ما قالوا إن امرأة تبتّلت واستغرقت أوقاتها بالعبادة، وكان لها جاريتان جميلتان، قالت إحداهما للأخرى قد طال علينا البلاء، لأن هذه لا تريد الرجال، وإننا بشر فلو فضحناها لرجمت وخلصنا منها، فصرنا إلى الرجال من بعدها، فأخذنا ماء أبيض ونضحتاه على سوءتها وهي تصلي، وخرجنا إلى داود عليه السلام فقالتا له إنها قد بغت، وكان حد الزنى عنده الرجم، فرفعت إلى داود والماء لأبيض في ثيابها، فسألها فأنكرت، وسألها عن الماء، فقالت لا أدري لعله ماء أبيض أو شيء مفتعل، فأراد رجمها، فقال سليمان ائتوني بنار، فإنه إن كان ماء أبيض اجتمع، وإن كان ماء الرجل تفرق، فأتي بنار فوضعها عليه فاجتمع فدرأ عنها الحد، وهذا من ذكانه عليه السلام وحدة فطنته. ولهذا البحث صلة بعد الآية الآتية. قال تعالى «وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ» يسبحن أيضا ويسرن معه حيث سار وهذا هو تسخيرها «وَكُنَّا فاعِلِينَ» ٧٩ أمثال هذه المعجزات لأنبيائنا ومن شأننا أن نفعل أكثر من ذلك فليس ببدع منا وإن كان بديعا وعجيبا عندكم أيها الناس «وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ» دروع من حديد بدليل قوله «لِتُحْصِنَكُمْ

صفحة رقم 319
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية