
وجعلنا السماء سقفا محفوظا من الوقوع والاضطراب، ومحفوظا من الشياطين التي تسترق السمع.
وهم عن آياتها معرضون.
هو الذي خلق الليل والنهار بفضل دوران الأرض حول نفسها، وخلق الشمس والقمر كل واحد منهما يدور في فلك له، يسبحون في الفضاء اللانهائى الذي لا يعلم حدوده إلا الله.
نرى أن الله- سبحانه وتعالى- ساق الدليل على وحدانيته وقدرته، تأييدا لما مضى من قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا والقرآن يجنح دائما للأدلة الكونية ويلفت النظر إلى هذا الكون وما فيه من عجائب ليعتبر الناس كلهم به أما الجاهل فلما يراه فيه ببصره، ويسمع بأذنه ويلمس بيده، وأما العالم فلما يرى ويحس، ويعلم من أسرار وقضايا علمية، ونظريات كونية، وسبحان من هذا كلامه.
ولسائل أن يسأل. كيف يقول الله لهم أو لم يروا؟ ومتى رأوا حتى يجيء تقريرهما بذلك؟ والجواب كما ذكر الكشاف والفخر: حيث ورد الرتق والفتق في القرآن وقام الدليل الذي لا يقبل الشك على أنه معجزة وأنه من عند الله، وأنه صادق قام ذلك مقام الرؤية، فإذا أضيف إلى ذلك ثبوت نظرية الرتق والفتق علميا كان الاستفهام وما فيه من تقرير وتعجب آية من آيات الله.
من مواقف المشركين مع النبي صلّى الله عليه وسلم [سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٤ الى ٤١]
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١)

المفردات:
هُزُواً سخرية بَغْتَةً فجأة فَتَبْهَتُهُمْ فتغلبهم وتحيرهم فَحاقَ أحاط ودار: هذا هو موقفهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أعيتهم الحيل، وانقطعت بهم السبل.
وغلبتهم الحجج أخذوا يعللون أنفسهم بموت النبي صلّى الله عليه وسلم.
المعنى:
لقد كانوا يمنون أنفسهم بموت النبي صلّى الله عليه وسلّم فيشمتون فيه ويستريحون منه فنفى عنه الشماتة بهذا، وقضى قضاءه العدل بأنه لا يخلد في الدنيا أحد. فلا أنت، ولا هم بباقين فيها، وإذا كان الأمر كذلك أفإن مت فيبقون هم أحياء؟! أفإن مت فهم

الخالدون؟! لا: كل نفس ذائقة الموت، وكل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم، وإليه ترجعون، فالموت نهاية كل حي وسبيل كل نفس، ولا يبقى إلا الحي القيوم الباقي بعد فناء خلقه فاعتبروا يا أولى الأبصار. واعلموا أن محمدا رسول قد خلت من قبله الرسل، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة.
فهكذا يحفظ الله دينك بعد موتك يا محمد ما دام القرآن موجودا.
والله- سبحانه وتعالى- قضى أن يختبر الناس بما يعطيهم من خير أو شر وكان ابتلاؤه بالخير دقيقا جدا قل من ينجح فيه فإن شكروا في الخير والنعيم، وصبروا في الشر والبلاء، فذلكم هم الفائزون، وإن أبطرتهم النعمة وجزعوا من البلاء فأولئك هم الخاسرون، وإلى الله ترجع الأمور.
وإذا رآك الذين كفروا ما يتخذونك إلا هزوا وسخرية لأنك تذم آلهتهم، وتعيب أصنامهم، وتذكر الرحمن الرحيم بالخير والتمجيد والتقديس والعبادة ويقولون: أهذا الذي يذكر آلهتكم بالسوء ويذكر الرحمن بالخير؟! ومن أحق بالاستهزاء والسخرية؟
أمن يذكر الأصنام والحجارة بالخير، ويذكر الرحمن بالسوء والشر وهم الكافرون أم النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يقدس فاطر السموات والأرض؟!.
إنهم هم الأحق بالاستهزاء والسخرية لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه، وهم بذكر الرحمن هم وحدهم كافرون!! كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى الإيمان والإقرار بالعبودية لله وبالرسالة لمحمد اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال آية ٣٢].
فيقول الله لهم: خلق الإنسان من عجل حتى كأن العجل جزء من مادة تكوينه، وهذا طبع في الإنسان كله وغريزة فيه، سأريكم آياتي الدالة على القدرة وعلى صدق رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم فلا تستعجلون، وقد رأوا ذلك في نصرة الدين وإتمام نور الله ولو كره الكافرون.
وكانوا يقولون: متى هذا الوعد؟ إن كنتم صادقين أيها المؤمنون.
وهذا الاستعجال فيه معنى التكذيب والكفر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم والقرآن.
والله حين ينهانا عن العجلة مع أنها غريزة وطبع فينا إنما يطالبنا بأن نحكم العقل