
وقال مجاهد: ﴿سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ مرفوعًا (١).
وهذا معنى وليس بتفسير. وذلك أنه مرفوع رفعًا لا يطمع أحد أن يناله بنقض أو يبلغه بحيلة، فرفعه سبب حفظه من أن يبلغه أحد.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين (٢).
﴿عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ (٣) قال الكلبي وغيره من المفسرين: شمسها وقمرها ونجومها (٤).
﴿مُعْرِضُونَ﴾ لا يتدبرونها، ولا يتفكرون فيها، فيعلموا (٥) أن خالقها لا شريك له.
٣٣ - قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ﴾ إلى قوله: ﴿كُلُّ﴾ يعني الطوالع كلها.
﴿فِي فَلَكٍ﴾ قال الليث: الفلك في الحديث (٦) دوران (٧) السماء. وهو
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠١.
(٣) في (د)، (ع): (آياتنا)، وهو خطأ في الآية.
(٤) انظر: "الطبري" ١٧/ ٢٢، "تنوير المقباس" ص ٢٠١، القرطبي ١١/ ٢٨٥.
(٥) في (ع): (فيعلمون)، وهو خطأ.
(٦) في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤: جاء في الحديث أنه دوران السماء. والمراد بالحديث ما رواه أبو عيد في غريب الحديث ٤/ ٩٦: أن رجلاً أتى رجلاً وهو جالس عند عبد الله بن مسعود فقال: إني تركت فرسك يدور كأنه في فلك، قال عبد الله للرجل: اذهب فافعل به كذا وكذا.
(٧) في (أ): (دور).

اسم الدوران خاصة، وأما المُنجمون فيقولون: سبعة أطواق (١) دون السماء قد رُكِّبت فيها النجوم السبعة، في كل طوق منه (٢) نجم، وبعضها أرفع من بعض، يدور فيها بإذن الله (٣).
وروى أبو عبيدة عن الأصمعي: الفلك: قطع من الأرض تستدير وترتفع عما حولها (٤)، والواحدة فلكة. قال الراعي:
إذا جِفْنَ هَوْلَ بُطونِ (٥) البِلادِ | تَضَمَّنَها فَلَكٌ مُزْهِرُ (٦) |
والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فَلْكةُ المغزل، وتفلك ثدي الجارية (٩).
"تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٢٤٢ "طوق"، "القاموس المحيط" ٣/ ٢٥٩.
(٢) (منه): ساقطة من (د)، (ع)، وفي (أ): (ومنه)، وفي "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤ منها.
(٣) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٤ "فلك". وهو في "العين" ٥/ ٣٧٤ "فلك" مع اختلاف يسير، وليس فيه: في الحديث. وما ذكره الليث عن المنجمين لا دليل عليه من كتاب أو سنة صحيحة أو مشاهدة.
(٤) في (أ): (حوله).
(٥) هكذا في (أ)، (ت) والمطبوع من ديوان الراعي بطبعتيه -طبعة راينهرت فايبرت ص ١٠٧، وطبعة نوري القيسي وهلال ناجي ص ٢٠٨. وفي (د)، (ع): (إذا خفن هولا بطول)، وفي المطبوع من "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤: (بصون).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٢٠٨، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤. "فلك"، واللسان ١٠/ ٤٧٨: (فلك).
(٧) في جميع النسخ: (الإدخال)، والتصويب من "تهذيب اللغة" و"اللسان".
(٨) رواية أبي عبيد عن الأصمعي في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤.
(٩) انظر: (فلك) في: "الصحاح" ٤/ ١٦٠٤، "لسان العرب" ١٠/ ٤٧٨.

هذا (١) معنى الفلك في قول أهل اللغة.
وأما المفسرون، فقال السدي في قوله: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ﴾: كل في مجرى واستداره (٢).
وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء، وكل شيء استدار فهو فلك (٣).
وعلى هذا المراد بالفلك: السماء، والسماء مستديرة، والنجوم تدور فيها وهذا معنى قول مجاهد: كهيئة حديدة الرحى (٤) (٥).
يريد: أن النجوم تسير وتجري حول القطب (٦) كدوران (٧) الرحى على حديدته (٨).
وعلى (٩) هذا معنى قول أكثرُ المفسرين، قالوا: الفلك مدار النجوم الذي يضمها (١٠).
(٢) ذكر الماوردي ٣/ ٤٤٥ عن السدي قال: الفلك: السماء.
(٣) ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤، والبغوي ٥/ ٣١٧ عن الكلبي الشطر الأول منه. وروي عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٤ عن الكلبي الشطر الثاني منه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٢٧ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر.
(٤) الرَّحى: هي الحجر التي يطحن بها. "لسان العرب" ١٤/ ٣١٢ (رحا).
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٢٢، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٨ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) القُطْب: كوكب بين الجدي والفرقدين. قيل: وهو كوكب صغير أبيض، لا يبرح مكانه أبدًا، والجدي والفرقدان تدور عليه. "الصحاح" للجوهري ١/ ٢٠٤ (قطب)، "لسان العرب" ١/ ٦٨٢ (قطب).
(٧) في (ع): (كودان).
(٨) في (د)، (ع): (حديدة).
(٩) في (أ)، (ت): (وهذا) معنى.
(١٠) هذا قول الثعلبي ٣/ ٢٩ أبنصّه.

وقال الحسن: الفلك طاحونة [كهيئة فَلْكة المغزل (١).
يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة] (٢).
وقال ابن زيد: الفلك الذي بين السماء والأرض [من] (٣) مجاري النجوم والشمس والقمر (٤).
وهذا كقول المنجمين، جعلوا الفلك في السماء.
وقال أبو عبيدة: الفلك: القطب الذي تدور به النجوم (٥).
وهذا القول بعيد؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ فيجب أن يكون الفلك اسمًا لما يتضمن النجوم وتجري فيه، ويكون مدورًا.
وقوله تعالى: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ أي: يجرون بسرعة كالسابح في الماء، وقد قال في موضع آخر في صفة النجوم: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ [النازعات: ٣]، والسبح لا يختص بالجري في الماء فقد يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري (٦): سابح (٧)، ومنه قول الأعشى:
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) زيادة من الطبري ١٧/ ٢٣، والدر المنثور.
(٤) رواه الطبري ١٧/ ٢٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٧ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٨.
(٦) في (أ)، (ت): (البحر)، وما أثبتناه من (د)، (ع) هو الصحيح والموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٧) "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٣٣٨ (سبح)، بتصرف.

وَسَابحٍ ذِي مَيْعَةٍ (١) ضَامِر (٢)
وتَوهَّم بعضهم أن السبح يختص بالسير في الماء، فجعل الفلك موجًا من الماء تسير فيه النجوم لما رأى قوله: ﴿يُسَبحُونَ﴾ (٣).
وحكى الفراء هذا القول في "تفسير الفلك" (٤).
ولما وصف النجوم بفعل ما يعقل (٥) جُمِعَ (٦) فعلها جَمْعَ فعل ما يعقل، قال أبو إسحق: قيل ﴿يَسْبَحُونَ﴾ هو كما يقال لما يعقل: لأنَّ هذه الأشياء وصفت بالفعل (٧) كما يوصف ما يعقل، كما قالت العرب -في رواية جميع النحويين-: "أكلوني البراغيث" لما وصفت بالأكل قيل:
(٢) هذا عجز البيت، وصدره:
كم فيهم من شَطْبَة خَيْفق
وهو في "ديوانه" ص ٤١٧، وفيه: ضابر، و"تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٣٣٨ "سبح"، و"اللسان" ٢/ ٤٧١ (سبح). وهو أحد أبيات قصيدة يفضل فيها عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة في المنافرة التي جرت بينهما. والمعنى: كم فيهم من جواد سابح نشيط سابق. انظر: "لسان العرب" ٨/ ٣٤٥ (ميع)، "القاموس المحيط" ٢/ ٧٦، "ديوان الأعشى مع التعليق عليه" ص ٤١٧.
(٣) هذا قول الكلبي، فقد ذكر الرازي ٢٢/ ١٦٧ أنه قال: الفلك ماء تجري فيه الكواكب، واحتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء. ثم ردّ عليه بقوله: لا يسلم فإنه يقال في الفرس يمد يديه في الجري: سابح.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٢٠١.
(٥) في (ع): (ما تعقل).
(٦) جمع: ساقطة من (ع).
(٧) في (ع): (بالعقل).