آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ

وقال مجاهد: ﴿سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ مرفوعًا (١).
وهذا معنى وليس بتفسير. وذلك أنه مرفوع رفعًا لا يطمع أحد أن يناله بنقض أو يبلغه بحيلة، فرفعه سبب حفظه من أن يبلغه أحد.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين (٢).
﴿عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ (٣) قال الكلبي وغيره من المفسرين: شمسها وقمرها ونجومها (٤).
﴿مُعْرِضُونَ﴾ لا يتدبرونها، ولا يتفكرون فيها، فيعلموا (٥) أن خالقها لا شريك له.
٣٣ - قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ﴾ إلى قوله: ﴿كُلُّ﴾ يعني الطوالع كلها.
﴿فِي فَلَكٍ﴾ قال الليث: الفلك في الحديث (٦) دوران (٧) السماء. وهو

(١) رواه الطبري ١٧/ ٢٢، وأبو الشيخ في "العظمة" ٣/ ١٠٣٨. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٧ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جريج وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠١.
(٣) في (د)، (ع): (آياتنا)، وهو خطأ في الآية.
(٤) انظر: "الطبري" ١٧/ ٢٢، "تنوير المقباس" ص ٢٠١، القرطبي ١١/ ٢٨٥.
(٥) في (ع): (فيعلمون)، وهو خطأ.
(٦) في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤: جاء في الحديث أنه دوران السماء. والمراد بالحديث ما رواه أبو عيد في غريب الحديث ٤/ ٩٦: أن رجلاً أتى رجلاً وهو جالس عند عبد الله بن مسعود فقال: إني تركت فرسك يدور كأنه في فلك، قال عبد الله للرجل: اذهب فافعل به كذا وكذا.
(٧) في (أ): (دور).

صفحة رقم 64

اسم الدوران خاصة، وأما المُنجمون فيقولون: سبعة أطواق (١) دون السماء قد رُكِّبت فيها النجوم السبعة، في كل طوق منه (٢) نجم، وبعضها أرفع من بعض، يدور فيها بإذن الله (٣).
وروى أبو عبيدة عن الأصمعي: الفلك: قطع من الأرض تستدير وترتفع عما حولها (٤)، والواحدة فلكة. قال الراعي:

إذا جِفْنَ هَوْلَ بُطونِ (٥) البِلادِ تَضَمَّنَها فَلَكٌ مُزْهِرُ (٦)
يَقول: إذا خافت الأدغال (٧) وبطون الأرض ظهرت الفلك (٨).
والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فَلْكةُ المغزل، وتفلك ثدي الجارية (٩).
(١) جمع طوق، وهو: كل ما استدار بشيء.
"تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٢٤٢ "طوق"، "القاموس المحيط" ٣/ ٢٥٩.
(٢) (منه): ساقطة من (د)، (ع)، وفي (أ): (ومنه)، وفي "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤ منها.
(٣) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٤ "فلك". وهو في "العين" ٥/ ٣٧٤ "فلك" مع اختلاف يسير، وليس فيه: في الحديث. وما ذكره الليث عن المنجمين لا دليل عليه من كتاب أو سنة صحيحة أو مشاهدة.
(٤) في (أ): (حوله).
(٥) هكذا في (أ)، (ت) والمطبوع من ديوان الراعي بطبعتيه -طبعة راينهرت فايبرت ص ١٠٧، وطبعة نوري القيسي وهلال ناجي ص ٢٠٨. وفي (د)، (ع): (إذا خفن هولا بطول)، وفي المطبوع من "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤: (بصون).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٢٠٨، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤. "فلك"، واللسان ١٠/ ٤٧٨: (فلك).
(٧) في جميع النسخ: (الإدخال)، والتصويب من "تهذيب اللغة" و"اللسان".
(٨) رواية أبي عبيد عن الأصمعي في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤.
(٩) انظر: (فلك) في: "الصحاح" ٤/ ١٦٠٤، "لسان العرب" ١٠/ ٤٧٨.

صفحة رقم 65

هذا (١) معنى الفلك في قول أهل اللغة.
وأما المفسرون، فقال السدي في قوله: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ﴾: كل في مجرى واستداره (٢).
وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء، وكل شيء استدار فهو فلك (٣).
وعلى هذا المراد بالفلك: السماء، والسماء مستديرة، والنجوم تدور فيها وهذا معنى قول مجاهد: كهيئة حديدة الرحى (٤) (٥).
يريد: أن النجوم تسير وتجري حول القطب (٦) كدوران (٧) الرحى على حديدته (٨).
وعلى (٩) هذا معنى قول أكثرُ المفسرين، قالوا: الفلك مدار النجوم الذي يضمها (١٠).

(١) في (ت): (وهذا).
(٢) ذكر الماوردي ٣/ ٤٤٥ عن السدي قال: الفلك: السماء.
(٣) ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤، والبغوي ٥/ ٣١٧ عن الكلبي الشطر الأول منه. وروي عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٤ عن الكلبي الشطر الثاني منه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٢٧ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر.
(٤) الرَّحى: هي الحجر التي يطحن بها. "لسان العرب" ١٤/ ٣١٢ (رحا).
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٢٢، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٨ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) القُطْب: كوكب بين الجدي والفرقدين. قيل: وهو كوكب صغير أبيض، لا يبرح مكانه أبدًا، والجدي والفرقدان تدور عليه. "الصحاح" للجوهري ١/ ٢٠٤ (قطب)، "لسان العرب" ١/ ٦٨٢ (قطب).
(٧) في (ع): (كودان).
(٨) في (د)، (ع): (حديدة).
(٩) في (أ)، (ت): (وهذا) معنى.
(١٠) هذا قول الثعلبي ٣/ ٢٩ أبنصّه.

صفحة رقم 66

وقال الحسن: الفلك طاحونة [كهيئة فَلْكة المغزل (١).
يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة] (٢).
وقال ابن زيد: الفلك الذي بين السماء والأرض [من] (٣) مجاري النجوم والشمس والقمر (٤).
وهذا كقول المنجمين، جعلوا الفلك في السماء.
وقال أبو عبيدة: الفلك: القطب الذي تدور به النجوم (٥).
وهذا القول بعيد؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ فيجب أن يكون الفلك اسمًا لما يتضمن النجوم وتجري فيه، ويكون مدورًا.
وقوله تعالى: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ أي: يجرون بسرعة كالسابح في الماء، وقد قال في موضع آخر في صفة النجوم: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ [النازعات: ٣]، والسبح لا يختص بالجري في الماء فقد يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري (٦): سابح (٧)، ومنه قول الأعشى:

(١) ذكره البخاري تعليقًا في صحيحه (كتاب التفسير- سورة الأنبياء ٨/ ٤٣٥) ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" ٤/ ٢٥٧ فقال: قال ابن عيينة في تفسيره عن عمرو، عن الحسن في قوله "كل في فلك يسبحون" قال: مثل فلكة المغزل تدور.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) زيادة من الطبري ١٧/ ٢٣، والدر المنثور.
(٤) رواه الطبري ١٧/ ٢٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٧ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٨.
(٦) في (أ)، (ت): (البحر)، وما أثبتناه من (د)، (ع) هو الصحيح والموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٧) "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٣٣٨ (سبح)، بتصرف.

صفحة رقم 67

وَسَابحٍ ذِي مَيْعَةٍ (١) ضَامِر (٢)
وتَوهَّم بعضهم أن السبح يختص بالسير في الماء، فجعل الفلك موجًا من الماء تسير فيه النجوم لما رأى قوله: ﴿يُسَبحُونَ﴾ (٣).
وحكى الفراء هذا القول في "تفسير الفلك" (٤).
ولما وصف النجوم بفعل ما يعقل (٥) جُمِعَ (٦) فعلها جَمْعَ فعل ما يعقل، قال أبو إسحق: قيل ﴿يَسْبَحُونَ﴾ هو كما يقال لما يعقل: لأنَّ هذه الأشياء وصفت بالفعل (٧) كما يوصف ما يعقل، كما قالت العرب -في رواية جميع النحويين-: "أكلوني البراغيث" لما وصفت بالأكل قيل:

(١) في (أ)، (ت): (منعة)، والمثبن من (د)، (ع). وهو الموافق لما في "تهذيب اللغة"، وديوان الأعشى.
(٢) هذا عجز البيت، وصدره:
كم فيهم من شَطْبَة خَيْفق
وهو في "ديوانه" ص ٤١٧، وفيه: ضابر، و"تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٣٣٨ "سبح"، و"اللسان" ٢/ ٤٧١ (سبح). وهو أحد أبيات قصيدة يفضل فيها عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة في المنافرة التي جرت بينهما. والمعنى: كم فيهم من جواد سابح نشيط سابق. انظر: "لسان العرب" ٨/ ٣٤٥ (ميع)، "القاموس المحيط" ٢/ ٧٦، "ديوان الأعشى مع التعليق عليه" ص ٤١٧.
(٣) هذا قول الكلبي، فقد ذكر الرازي ٢٢/ ١٦٧ أنه قال: الفلك ماء تجري فيه الكواكب، واحتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء. ثم ردّ عليه بقوله: لا يسلم فإنه يقال في الفرس يمد يديه في الجري: سابح.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٢٠١.
(٥) في (ع): (ما تعقل).
(٦) جمع: ساقطة من (ع).
(٧) في (ع): (بالعقل).

صفحة رقم 68
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية