آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

هود المارة.
قال تعالى «وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ» لأنها كانت تتحرك بالهواء كالسفينة في الماء، فأثقلها الله تعالى بالجبال الثوابت، وفيها إشارة إلى ما يعبّر عنه الجغرافيون بالقشرة الباردة، لأن الرواسي هي الصخور الجامدة في أديم الأرض، راجع الآية ٢٢ من سورة الحجر المارة «وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً» طرقا واسعة بين الجبال «سُبُلًا» تفسير للفجاج أي طرق سهلة «لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» ٣١ بها إلى مقاصدهم من البلاد والقرى والبوادي إذا سلكوها، والفرق بين هذه الآية وقوله تعالى (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً) الآية ٢٠ من سورة نوح المارة، أن هذه للإعلام بأنه جعل فيها طرفا واسعة، وتلك لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الحالة والصفة، فهو بيان لما أنهم «وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً» من البلى والسقوط والتغير على مدى الدهر المقدر لها، قال تعالى (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الآية ٦٥ من سورة الحج في ج ٣، والآية ٤٢ من سورة فاطر في ج ١، «وَهُمْ» الكفار «عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ» ٣٢ لا يتفكرون بما فيها من الشموس والأقمار والكواكب والنجوم وحركاتها في أفلاكها ومطالعها ومغاربها وترتيبها العجيب الدال على الحكمة الباهرة والنظام البديع المنبئ عن كمال القدرة القاهرة.
مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:
قال تعالى «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ» لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله «وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» للضياء ونضج الأثمار ومنافع أخرى كثيرة ألمعنا إليها في الآية ١٥ من سورة يونس المارة «كُلٌّ» من هؤلاء «فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» ٢٣ يجرون في الهواء بصورة بديعة لا يعتريها الزيغ، راجع الآية ٤٠ من سورة يس في ج ١ والآية ١٥ من سورة الحجر المارة. على أن العالم الألماني أنشتين اليهودي صاحب النظرية النسبية التي تقوم على معاكسة جميع الافتراضات القديمة في الفلك والحساب يقول: إن كل الحقائق التي أقرها العلم حتى الآن ما هي إلا بالنسبة لفرضيات افترضوها مما خيل لهم أنها حقائق وليست كذلك، وان الأرض يوشك

صفحة رقم 304

أن لا تكون كروية ولا دائرة حول الشمس، خلافا لما أقره الأكثر على القول بكرويتها، وقال ابن كثير من علماء الإسلام وهو لا ينافي القرآن كما بينا في السورة المارة الذكر، أما القول بدورانها حول الشمس فهو بعيد عن رأي المحققين، وهو يخالف صراحة القرآن لفظا، والله أعلم بالواقع، وما ندري لعل الزمن يظهر مفكرين آخرين يؤيدون نظرية هذا اليهودي، والله تعالى يقول (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) الآية ٧٦ من سورة يوسف المارة. هذا، والفلك هو مدار النجوم الذي يضمها، وهو عرفا كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، والأفلاك أجرام صلبة لا ثقيلة ولا خفيفة ولا تقبل الخرق والالتئام ولا النموّ ولا الذبول، ولا يعرف كنه أفلاك الله إلا هو أعلمنا بوجودها كما لا يعلم مدى خرابها غيره، وكما أعلمنا بخرابها في قوله جلّ قوله (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) وفي قوله (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) وقوله (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) وآيات أخرى كثيرة تدل على ذلك. قال تعالى «وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ» في الدنيا «أَفَإِنْ مِتَّ» يا سيد الرسل «فَهُمُ الْخالِدُونَ» ٣٤ بعدك؟ كلا، فإنهم ميتون لا يبقى منهم أحد، نزلت هذه الآية حين قال المشركون إنا نتربص بمحمد ريب المنون، فنشمت بموته، فنغى الله تعالى الشماتة عنه في هذه الآية القاضية بعدم تخليد أحد في هذه الدنيا، قال ذو الإصبع العدواني:
إذا ما الدهر جرّ على أناس... كلا كله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا... سيلقى الشّامتون كما لقينا
على أنه لا شماتة في الموت، لأنه محتوم على كل أحد، وتكون بغيره من المصائب، وإن كانت مقدرة لأنها على أناس دون آخرين، قال الشافعي رضي الله عنه:
تمنّى أناس أن أموت وإن أمت... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل الذي يبغي خلاف الذي مضى... تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد
وإنما قالوا الموت لا شماتة فيه لأنه لا علاقة للعبد فيه، حتى ان المقتول يموت بأجله، وإنما الشماتة التي تقع على الغير بفعل الغير، ومن قال:
من عاش بعد عدوه... يوما فقد بلغ المنى

صفحة رقم 305

بالنظر لظاهر الأمر، لأن فيه غياب عدوه عن نظره، فمن هذه الجهة يصدق قوله هذا، ومن قال إن هذه الآية تنفي حياة عيسى والخضر وإدريس والياس وغيرهم، وتثبت موتهم فقد أخطأ، لأن عيسى حي بنص القرآن والأحاديث الصحيحة، والخضر بالأحاديث والتواتر، وأنهما لا بد أن يموتا، راجع الآية ٦١ من سورة الزخرف في ج ٢ وما ترشدك إليه، والآية ٥٧ من سورة مريم المارة في ج ١ تغىء عن رفع إدريس، ووردت أخبار وآثار بحق الياس، راجع الآية ١٣٢ المارة من سورة الصافات والآية ٨٥ الآتية، على أنه لا بد من موت الكل بقوله تعالى «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» والذوق مقدمات الموت وآلامه لأنه به ينقطع ذلك، ويفيد سور الكلية العامة موت كل نفس، إلا أنه مخصوص بقوله تعالى (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) الآية ١١٦ من المائدة في ج ٣، لأن الله تعالى حي لا يموت ولا يجوز عليه الموت، فكما أنه تعالى لا يشبه شيئا من خلقه فكذلك نفسه الكريمة لا تشبه نفوس خلقه، وبعضهم جعل الخصوص أيضا في الجمادات، لأن لها نفوسا لا تموت، هذا والعام المخصوص حجة فيبقى معمولا به على ظاهره فيما عدا ما أخرج منه، وهذا يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية أنها لا تموت، بل تموت أيضا وتدخل في عموم هذه الآية إذا كان لما قالوه من صحة «وَنَبْلُوكُمْ» نختبركم أيها الناس «بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» ابتلاء فهو مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه، أي لننظر كيف شكركم على ما تحبون وصبركم فيما تكرهون «وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ» ٣٥ فنجازيكم بحسبها «وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» يا سيد الرسل «إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً» كأبي جهل وجماعته من رءوس الكفر، لأنهم كانوا إذا مرّوا به صلّى الله عليه وسلم يضحكون ويقولون هذا نبي بني عبد مناف ويقول بعضهم لبعض «أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ» أي يذمها، والذكر يطلق على المدح والذم «وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ» ٣٦ أي كيف يستهزئون بك إذ تستهزء بأصنامهم وهم أحق أن يستهزىء بهم، لأنك تعبد الخالق وهم يعبدون ما يخلقون، ونزلت فيهم هذه الآية. قال تعالى «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» العجلة طلب الشيء قبل

صفحة رقم 306
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية