آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ

توبيخ آخر للمشركين على عدم تدبر آيات الكون الدالة على وجود الإله الواحد
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)
الإعراب:
رَتْقاً قال ذلك، ولم يقل: رتقين لأنه مصدر، وتقديره: كانتا ذواتي رتق.
سُبُلًا بدل.
يَسْبَحُونَ أتى بالواو والنون، وهي إنما تكون لمن يعقل لأنه أخبر عنها بفعل من يعقل، فأجراها مجرى من يعقل، كقوله تعالى: أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ وكُلٌّ: مبتدأ، وجملة: يَسْبَحُونَ: خبره، والجملة منهما حال من الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.
البلاغة:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا استفهام معناه التعجب والإنكار.
كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما بين الرتق والفتق طباق.
يَهْتَدُونَ، يَسْبَحُونَ بينهما سجع لطيف.

صفحة رقم 42

كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ التنكير للتعميم.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ التفات من المتكلم إلى الغائب بعد قوله: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ للفت النظر إلى النعم الجليلة والاعتناء بها.
المفردات اللغوية:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أولم يعلموا. رَتْقاً الرتق: السد والضم والالتحام، والمراد:
ذات رتق، أي ملتزقتين. والمعنى: كانتا شيئا واحدا، أو حقيقة متحدة. فَفَتَقْناهُما أي فصلناهما بالتنويع والتمييز، فجعلنا السماء سبعا والأرض سبعا. والفتق: الفصل بين الشيئين الملتصقين. وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ أي وخلقنا من الماء كل حيوان سواء النازل من السماء والنابع من الأرض. كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أي صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء، لا يحيا دونه، سواء النبات وغيره، فالماء سبب لحياته. أَفَلا يُؤْمِنُونَ بتوحيدي، مع ظهور الآيات.
وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أي جبالا ثوابت. أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أي لئلا تتحرك بهم، أو كراهة أن تميل بهم وتضطرب. وَجَعَلْنا فِيها أي في الرواسي. فِجاجاً سُبُلًا أي مسالك وطرقا نافذة واسعة. لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أي ليهتدوا بها إلى مصالحهم ومقاصدهم في الأسفار والزراعة.
سَقْفاً مَحْفُوظاً أي سقفا للأرض، مثل سقف البيت، محفوظا من الوقوع بقدرته، أو من الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته. وَهُمْ عَنْ آياتِها أي عن أحوالها الدالة على وجود الله ووحدته وكمال قدرته وروعة حكمته، بما اشتملت عليه من الشمس والقمر والنجوم.
مُعْرِضُونَ لا يتفكرون فيها، فيعلمون أن خالقها لا شريك له.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بيان لبعض تلك الآيات. كُلٌّ فِي فَلَكٍ أي كل واحد منهما له مدار مستدير، والتنوين: بدل من المضاف إليه، أي كل من الشمس والقمر وتابعهما وهو النجوم. والمراد بالفلك: الجنس، وهو مدار الشمس والقمر والنجوم.
يَسْبَحُونَ يسيرون على سطح الفلك بسرعة، كالسابح في الماء، وللتشبيه به، وإنما جمع الفعل باعتبار جنس الطوالع المتكاثرة كل يوم وليلة، وهو سبب جمعهما بالشموس والأقمار، وإلا فالشمس واحدة والقمر واحد. وعوملوا معاملة العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة.
المناسبة:
بعد أن وبخ الله تعالى المشركين الذين عبدوا مع الله آلهة أخرى، والذين قالوا: اتخذ الله ولدا من الملائكة، وبخهم على عدم تدبر الآيات الكونية الدالة

صفحة رقم 43

على وجود الله، وعلى التوحيد وتنزيهه من الشرك، وأنه لا يصح لعاقل عبادة الأصنام والأوثان لعجزها وعدم الجدوى من عبادتها.
التفسير والبيان:
أورد الله تعالى في هذه الآيات ستة أدلة تدل على وجود الإله الواحد القادر ذي القدرة التامة والسلطان العظيم في خلق الأشياء وقهر جميع المخلوقات، وهي ما يلي:
١- فتق السموات عن الأرض:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما أي أو لم يعلم الجاحدون لألوهية الله، العابدون معه غيره أن الله هو المستقل بالخلق، المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد معه غيره، أو يشرك به ما سواه، ألم يعلموا أن السموات والأرض كانتا متصلتين ببعضهما، تلاصقت أجزاؤهما، وتراكم بعضها فوق بعض، ثم فصلناهما، وجعلنا بين السماء الدنيا والأرض طبقة من الهواء؟! وهذه هي نظرية السديم عند علماء الفلك الذين يثبتون أن الشمس والكواكب والأرض كانت قطعة واحدة، وأن الشمس كانت كرة نارية، وفي أثناء سيرها السريع انفصلت عنها أرضنا والكواكب السيارة الأخرى، وهي تسعة مرتبة بحسب قربها من الشمس: عطارد، والزّهرة، والأرض، والمرّيخ، والمشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون، وبلوتوه. ولكل منها مدار بحسب تأثير الجاذبية، وهي تجري في الفلك، وهي تسعة أفلاك دون السموات المطبقة التي يعيش فيها الملائكة. والفلك: استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء، أو هو مجراها وسرعة سيرها.
وهذا السبق العلمي الذي أعلنه القرآن دليل واضح قاطع على أن القرآن

صفحة رقم 44

كلام الله ووحيه المنزل على عبده محمد صلّى الله عليه وسلم النبي الأمي الذي يستحيل أن يكون عالما بمثل ذلك لولا الوحي الإلهي.
٢- جعل الماء أساس الحياة:
وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أي وخلقنا من الماء كل حيوان، أي فيه حياة، كقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ [النور ٢٤/ ٤٥] فكل حيوان من النطفة التي هي ماء، ولا ينبت النبات إلا بالماء.
وهذا موافق لما يراه بعض العلماء: أن كل حيوان خلق أولا في البحر، ثم انتقل بعض الحيوان إلى البر، وتطبع بطباع البر مع مرور الزمن.
أَفَلا يُؤْمِنُونَ أي ألا يتدبرون هذه الأدلة، وهم يشاهدون عيانا حدوث المخلوقات شيئا فشيئا، فيؤمنون بالخالق، ويتركون منهج الشرك؟!
وفي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
٣- جعل الجبال رواسي الأرض:
وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أي وخلقنا في الأرض جبالا لإرساء الأرض بها وتثبيتها، لئلا تضطرب بالناس وتتحرك، فلا يحصل لهم قرار عليها، والرواسي: الجبال، والراسي: هو الداخل في الأرض.
والأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، وقد أثبت العلماء أن الأرض كانت نارا ملتهبة، ثم بردت قشرتها، وصارت صوّانية صلبة، وذلك منذ حوالي ثلاث مائة مليون سنة بل حوالي خمسة مليارات سنة كما يرى المعاصرون. ويؤكد ذلك وجود حمم النيران التي تخرجها البراكين. ونسبة الجبال إلى الأرض هي بنسبة مليمتر ونصف من المتر.
وهذا دليل ثالث على أن القرآن وحي من عند الله، لا من عند بشر.

صفحة رقم 45

٤- إيجاد الطرق مسالك بين الجبال:
وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أي وخلقنا في الأرض بين الجبال طرقا واسعة نافذة، يسلكها الناس بسهولة من مكان إلى آخر، أو من قطر أو إقليم إلى آخر، ليهتدوا بها إلى مقاصدهم ومصالحهم المعيشية في البلاد، وقيل: ليهتدوا إلى وحدانية الله تعالى بالاستدلال. والفج: الطريق الواسع، والسبيل: الطريق السالك. وقدمت الفجاج وهي صفة على السبل، ولم تؤخر، كما في قوله تعالى: لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً [نوح ٧١/ ٢٠] لتجعل حالا، والفرق من جهة المعنى أن قوله: سُبُلًا فِجاجاً إعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة، وأما قوله: فِجاجاً سُبُلًا فهو إعلام بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة، فهذه الآية بيان لما أبهم في الآية الأولى.
وقوله: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ معناه: لكي يهتدوا إذ الشك لا يجوز على الله تعالى.
والضمير في قوله: فِيها عائد إلى الجبال، أي وجعلنا في الجبال التي هي رواسي فجاجا سبلا، أي طرقا واسعة، وقيل: إنه عائد إلى الأرض، أي وجعلنا في الأرض فجاجا وهي المسالك والطرق.
- جعل السماء سقفا للأرض:
وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً أي وجعلنا السماء كالسقف على الأرض وكالقبة عليها، وذلك السقف محفوظ من الوقوع والاضطراب، ومن الشياطين التي تسترق السمع، كما قال تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج ٢٢/ ٦٥] وقال: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم ٣٠/ ٢٥] وقال: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر ٣٥/ ٤١]. وحفظها من الشياطين إما بالملائكة وإما بالنجوم.

صفحة رقم 46

وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ أي لا يتفكر المشركون وغيرهم فيما خلق الله في السموات من الأدلة والعبر الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته، من الشمس والقمر وسائر الكواكب الثابتة والسيارة، ليتعاقب الليل والنهار، وتظهر المنافع بالحر والبرد، وللإرشاد إلى الحساب القويم والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة. وذلك كقوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها، وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [يوسف ١٢/ ١٠٥].
٦- خلق الليل والنهار والشمس والقمر:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي والله خلق الليل والنهار، نعمة منه، ودليلا على عظمة سلطانه، بواسطة دوران الأرض حول نفسها، لتتحقق الفائدة المرجوة من كليهما بالظلام والسكون، والضياء والأنس، والتفاوت في الطول والقصر أو التساوي بينهما في مدار السنة، وخلق أيضا الشمس والقمر، للإضاءة وإمداد الأحياء بحرارة الشمس، وإفادة بعض المزروعات والثمار بضوء القمر، وكل من الشمس والقمر والنجوم والأرض يدور في فلكه، دوران المغزل في الفلكة، فلا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك الشمس والقمر والنجوم لا تدور إلا بالفلك، ولا يدور إلا بهن، كما قال تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام ٦/ ٩٦].
وقوله: يَسْبَحُونَ بالجمع يشمل النجوم، فهي وإن لم تكن مذكورة نصا فهي مذكورة ضمنا.
ودوران الشمس والقمر والأرض في الفضاء اللانهائي يثبته أيضا العلم الحديث، مما يدل على أن هذا القرآن معجز للأبد، دال على كونه وحيا صادرا منه، وأنه النعمة الكبرى لبني الإنسان.

صفحة رقم 47

فقه الحياة أو الأحكام:
الآيات كما لاحظنا تتضمن أدلة كافية على وجود الإله الصانع الواحد الأحد، المنزه عن الشريك والولد، وهي أدلة تثير الإعجاب، وتوحي باتصاف الموجد الخالق بالقدرة التامة، والسلطان العظيم.
وقد عرفنا أنها أدلة ستة هي:
أولا- فتق السموات عن الأرض، وجعل طبيعة خاصة لكل منهما، فالأرض بهوائها ومائها تتناسب مع وجود الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، ومع ما يتطلبه الاستقرار والثبات عليها، والسموات تتلاءم مع وجود المجرّات والكواكب والنجوم والشمس والقمر، لنشر الحرارة، وإلقاء الضوء، والسموات سبع، وكذا الأرض سبع.
وثانيا- جعل الماء سببا للحياة، فالله تعالى خلق كل شيء من الماء، وحفظ حياة كل شيء بالماء، وأوجد الإنسان من ماء الصلب.
روى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني، أنبئني عن كل شيء قال: «كل شيء خلق من الماء».
وما أروع لفت النظر بعد هذه الآية حين قال تعالى: أَفَلا يُؤْمِنُونَ أي أفلا يصدقون بما يشاهدون، وأن ذلك لم يكن بنفسه، بل لمكوّن كوّنه، ومدبر أوجده، ولا يجوز أن يكون ذلك المكوّن محدثا، بل لا بدّ من أن يكون أزليا قديما لأن صفة الألوهية تقتضي عقلا عدم المشابهة للحوادث.
وثالثا- خلق الله الجبال رواسي أي جبالا ثوابت، لتكون مثبتة للأرض، حتى لا تتحرك بمن عليها، وليتم القرار والاطمئنان عليها، أو كراهية أن تميد، والميد: التحرك والدوران.

صفحة رقم 48

ورابعا- أوجد الله في الأرض وبين هامات الجبال مسالك وطرقا واسعة، لتكون منافذ يسهل على الناس اختراقها وتجاوزها من مكان لآخر، ومن قطر إلى قطر أو إقليم إلى إقليم. والفجاج جمع فجّ: وهو الطريق الواسع بين الجبلين، ثم فسر تلك الفجاج بالسبل، أي الطرق النافذة السالكة لأن الفج قد يكون طريقا نافذا مسلوكا، وقد لا يكون، ووجود الطرقات للاهتداء بها إلى السير في الأرض نعمة عظمي، وندرك هذه النعمة إذا لاحظنا ما تنفقه الدولة الحديثة من النفقات الباهظة على تعبيد الطرق وشقها، لربط الأقاليم والأمصار وأجزاء البلاد بشبكة من الطرق، تسهل الانتقال بينها والاتصال معها.
وخامسا- جعل السماء سقفا للأرض، محفوظا من الوقوع والسقوط على الأرض، فلا تمكن الحياة في الأرض بدون هذا السقف، كما لا يمكن العيش في بيت أو دار بدون سقف، ولأن حفظ طبقة الهواء بهذا السقف أمر ضروري محتم لحياة الإنسان، كما أن الحفاظ على هذا السقف من التداعي والسقوط على الأرض أمر أساسي لصون الحياة الإنسانية، ومنع الضرر عن الناس، فإذا سقط على الناس بعض الكتل النارية أو الأجرام السماوية، كان الدمار والهلاك الجزئي، فكيف إذا سقطت السماء كلها؟! ومما يدعو إلى الأسف والعجب أن الكفار معرضون عن آيات السماء من الشمس والقمر والنجوم وغيرها. وقد أضاف الله تعالى الآيات في قوله: وَهُمْ عَنْ آياتِها... إلى السماء لأنها مجعولة فيها، وفي مواضع أخرى أضاف تعالى الآيات إلى نفسه لأنه الفاعل لها.
وهذا دليل على أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها وسحابها، وما فيها من قدرة الله تعالى إذ لو نظروا واعتبروا، لعلموا أن لها صانعا قادرا واحدا، فيستحيل أن يكون له شريك.

صفحة رقم 49
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية