آيات من القرآن الكريم

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ

تخويف لأهل مكة. ثم ذكر منَّته عليهم بالقرآن فقال: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ، وفي ثلاثة أقوال «١» : أحدها: فيه شرفكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: فيه دِينكم، قاله الحسن، يعني:
فيه ما تحتاجون إِليه من أمر دينكم. والثالث: فيه تذكرة لكم لِمَا تلقَونه من رَجعة أو عذاب، قاله الزجاج. قوله تعالى: أَفَلا تَعْقِلُونَ ما فضَّلْتُكم به على غيركم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١١ الى ١٥]
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)
ثم خوَّفهم فقال: وَكَمْ قَصَمْنا قال المفسرون واللغويون: معناه: وكم أهلكنا، وأصل القصم:
الكسر. قوله تعالى: كانَتْ ظالِمَةً أي: كافرة، والمراد: أهلها. فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أي: رأَوا عذابنا بحاسَّة البصر إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ أي: يَعْدُون، وأصل الرَّكْض: تحريكُ الرِّجلين، يقال:
رَكَضْتُ الفَرَس: إِذا أَعْدَيته بتحريك رِجليكَ فعدا.
قوله تعالى: لا تَرْكُضُوا قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم: وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ، أي: إِلى نعَمكم التي أترفتْكم، وهذا توبيخ لهم. وفي قوله: لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قولان: أحدهما: تُسألون من دنياكم شيئاً، استهزاءً بهم، قاله قتادة. والثاني: تُسأَلون عن قتل نبيِّكم، قاله ابن السائب. فلما أيقنوا بالعذاب قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بكفرنا، فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ أي: ما زالت تلك الكلمة التي هي «يا ويلنا إِنَّا كنَّا ظالمين» قولهم يردِّدونها. حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً بالعذاب، وقيل: بالسيوف خامِدِينَ، أي: ميتين كخمود النار إذا طفئت.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٦ الى ٢٤]
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)
قوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ أي: لم نخلق ذلك عبثاً، إِنما خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيَّتِنا ليعتبر الناس بخَلْقه، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إِلا لخالقه، لنجازيَ أولياءنا، ونعذِّبَ أعداءنا.
قوله تعالى: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً في سبب نزولها قولان: أحدهما: أن المشركين لما قالوا:

(١) قال الطبري ٩/ ٨: عنى بالذكر في هذا الموضع الشرف، وذلك أنه شرف لمن اتبعه وعمل بما فيه.

صفحة رقم 186

الملائكة بنات الله والآلهة بناته، نزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس «١». والثاني: أن نصارى نجران قالوا: إِن عيسى ابن الله، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل «٢».
وفي المراد باللهو ثلاثة أقوال «٣» : أحدها: الولد، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال السدي. قال الزجاج: المعنى: لو أردنا أن نتخذ ولداً ذا لهوٍ نُلْهَى به. والثاني: المرأة، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة. والثالث: اللعب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
قوله تعالى: لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا قال ابن جريج: لاتّخذنا نساء وولدا من أهل السماء، لا من أهل الأرض. قال ابن قتيبة: وأصل اللهو: الجماع، فكُنِّي عنه باللهو، كما كُنِّيَ عنه بالسِّرِّ، والمعنى:
لو فعلنا ذلك لاتَّخذناه من عندنا، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده، لا عند غيره.
وفي قوله تعالى: إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ قولان: أحدهما: أن أَنْ بمعنى «ما»، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة. والثاني: أنها بمعنى الشرط. قال الزجاج: والمعنى: إِن كنا نفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله قال: والقول الأول قول المفسرين، والثاني: قول النحويين، وهم يستجيدون القول الأول أيضاً، لأن «إِنْ» تكون في موضع النفي، إِلا أنَّ أكثر ما تأتي مع اللام، تقول: إِن كنت لَصالحاً، معناه:
ما كنت إِلاَّ صالحاً.
قوله تعالى: بَلْ أي: دع ذاك الذي قالوا، فإنه باطل نَقْذِفُ بِالْحَقِّ أي: نسلّط الحق وهو القرآن عَلَى الْباطِلِ وهو كذبهم فَيَدْمَغُهُ قال ابن قتيبة: أي: يكسره، وأصل هذا إِصابة الدماغ بالضرب، وهو مقتل فَإِذا هُوَ زاهِقٌ أي: زائل ذاهب. قال المفسرون: والمعنى: إِنا نبطل كذبهم بما نبيِّن من الحق حتى يضمحلَّ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ أي: من وصفكم الله بما لا يجوز وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: هم عبيده ومُلْكه وَمَنْ عِنْدَهُ يعني: الملائكة. وفي قوله: وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ثلاثة أقوال: أحدها: لا يرجعون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: لا ينقطعون، قاله مجاهد. وقال ابن قتيبة: لا يعيَون، والحَسِر: المنقطع الواقف إِعياءً وكلالاً. والثالث: لا يملُّون، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: لا يَفْتُرُونَ قال قتادة: لا يسأَمون. وسئل كعب: أما يَشْغَلُهم شأن؟ أما تَشْغَلُهم حاجة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي، جُعل لهم التسبيحُ كما جُعل لكم النَّفَسُ، ألستَ تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفس؟! فكذلك جُعل لهم التسبيح. ثم إِن الله تعالى عاد إِلى توبيخ المشركين فقال: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ لأن أصنامهم من الأرض هي، سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة هُمْ يعني: الآلهة يُنْشِرُونَ أي: يُحْيُون الموتى. وقرأ الحسن:

(١) لا يصح عن ابن عباس، أبو صالح ضعيف، وراويته الكلبي، وهو ممن يضع الحديث.
(٢) باطل. عزاه المصنف لمقاتل، وهو ممن يضع الحديث، والسورة مكية، وإنما قدم نصارى نجران في المدينة. [.....]
(٣) قال الطبري رحمه الله ٩/ ١١: لو أردنا أن نتخذ زوجة وولدا لاتخذنا ذلك من عندنا، ولكنا لا نفعل ذلك، ولا يصلح لنا فعله، ولا ينبغي، لأنه لا يكون لله ولد ولا صاحبة. وقال ابن كثير رحمه الله ٣/ ٢٢١: فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقا، لا سيما عما يقولون من الإفك والباطل، من اتخاذ عيسى، أو عزير، أو الملائكة سبحان الله عما يقولون علوا كبيرا.

صفحة رقم 187
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية