
وقالت: واسوأتاه " قال ابن جريج أخبرت أنها عائشة. وقالت: يا نبي الله، لا يحتشم الناس بعضهم من بعض. فقال: ﴿لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.
وقال ابن عباس في معنى: ﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾ قال: نهلك كل شيء كما/ كان أول مرة.
وقيل: ذلك خلق السماء مرة أخرى بعد طيها وزوالها وإفنائها يعيدها في الآخرة كما بدأها في أول خلق فجعلها سماء قبل أن لم تكن سماء ﴿وَعْداً عَلَيْنَآ﴾ أي: لا بد من كون ذلك، إنه لا يخلف الميعاد.
وقال ابن مسعود: يرسل الله جل ذكره ماء من تحت العرش كمني الرجل، فينبت منه لحماتهم وأجسامهمه كما تنبت الأرض المرعى.
ثم قال تعالى: ﴿وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾.
أي: وعداً حقاً لا بد منه، إنا كنا قادرين على ذلك، فاستعدوا له وتأهبوا.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور﴾ إلى قوله: ﴿على مَا تَصِفُونَ﴾

آخر السورة.
المعنى: ولقد كتبنا في كتب الأنبياء كلها والقرآن.
وقوله: ﴿مِن بَعْدِ الذكر﴾.
الذكر: أم الكتاب الذي عند الله في السماء.
قاله: مجاهد وابن زيد.
وقال ابن جبير: الزبور: القرآن. والذكر: التوراة.
وقال ابن عباس: الزبور: الكتب التي أنزلت على الأنبياء بعد التوراة.
والذكر: التوراة وقاله: الضحاك.
وقال الشعبي: الزبور، زبور داود، والذكر: التوراة.
وقوله: ﴿أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون﴾.
أي: أثبتنا وقضينا في الكتاب من بعد أم الكتاب، أن أرض الجنة يرثها العاملون بطاعة الله. قاله: ابن عباس ومجاهد، وهو قول ابن جبير وابن زيد.

وعن ابن عباس أنه قال: أخبر الله تعالى في التوراة والإنجيل وسابق علمه قبل أن يخلق السماوات والأرض أنه يورث أمة محمد ﷺ المقدسة.
وقد قيل: ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون.
ويدل على أنها أرض الجنة قوله: ﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَآءُ﴾.
قال ابن زيد: فالجنة مبتدؤها في الأرض، وتذهب درجاً علواً، والنار مبتدؤها في الأرض وتذهب سفلاً طباقاً، وبينهما حجاب سور، ما يدري أحد ما ذلك السور، وقرأ ﴿بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب﴾ [الحديد: ١٣]. قال: ودرج النار تذهب سفالاً في الأرض، والجنة تذهب علواً في السماوات.
وقال عامر بن عبد الله: هي الأرض التي تجتمع فيها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: هي أرض الكفار ترثها أمة محمد ﷺ يريد

يفتحونها.
وقيل: عُني بذلك بنو إسرائيل، وقد وفى لهم في تعالى بذلك.
وهو قوله: ﴿وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ...﴾ الآية.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي هذا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾.
أي: إن في هذا القرآن لبلاغاً لمن آمن به وعمل بما فيه إلى رضوان الله، أي: يبلغهم القرآن إلى رضوان الله.
وقال أبو هريرة: هم الذين يصلون الصلوات الخمس في المسجد.
وقال سفيان: الثوري: ﴿لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ بلغني أنهم أصحاب الصلوات الخمس.
وقال كعب: ﴿لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ أمة محمد ﷺ وأنهم لأصحاب الصلوات الخمس، سماهم الله صالحين.
وقال ابن عباس: ﴿عَابِدِينَ﴾ عالمين.
وقال ابن جريج: ﴿إِنَّ فِي هذا﴾ يعني: هذه السورة.

وقيل: القرآن، فيه تنزل الصلوات الخمس، من أداها كانت له بلاغاً.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
أي: للمؤمن والكافر: فهو ﷺ رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة، يعافى في الدنيا من السيف، ومن حلول العذاب من الله، وفي الآخرة من النار، وهو رحمة للكافر إذ عوفي في الدنيا مما أصاب الأمم الماضية من الخسف والقذف بكفرها، قاله ابن عباس.
وقال ابن زيد: العالمون من آمن به خاصة، فهو رحمة للمؤمن.
ثم قال تعالى: ذكره: ﴿قُلْ إِنَّمَآ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ أي: إنما معبودكم الذي تجب له العبادة واحد، لا معبود غيره. ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ أي: فهل أنتم أيها المشركون مذعنون لله، تاركون عبادة غيره من الأوثان والأصنام.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْءَاذَنتُكُمْ على سَوَآءٍ﴾.

أي: فإن أدبر هؤلاء المشركون عن توحيد الله والإقرار بما جئتهم به، فقل: آذنتكم على سواء أي: أعلمتكم أني وإياكم على حرب لا صلح بيننا. يعني بذلك قريشاً.
وقال قتادة: ﴿على سَوَآءٍ﴾ على مهل/.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ أدري أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾.
أي: قل لهم يا محمد: ما أدري متى يحل بكم عقاب الله على كفركم. أقريب هو أم بعيد.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾.
أي: قل لهم يا محمد: إن الله يعلم سركم وجهركم، لا يخفى عليه من قولكم ولا من أحوالكم شيء.
ثم قال: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ﴾.
أي: ما أدري لعل تأخير العذاب عنكم وإمهال الله إياكم على كفركم فتنة لكم أي: اختبار لكم ﴿وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾.
أي: وأمتعكم بالبقاء وتأخير العذاب إلى انقضاء المدة.
وقال مجاهد: " إلى حين الموت ".
وقال زيد بن أسلم: بلغنا أن رسول الله رأى في منامه بني أمية يجلسون على المنابر، فأخبر بذلك فخرج الحكم من عند رسول الله ﷺ فأخبر بذلك بني أمية فقالوا له ارجع فاسأله متى يكون هذا.

فرجع إليه فسأله، فأنز الله تعالى: ﴿وَإِنْ أدري أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ إلى آخر الآية، ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾.
وروى أن الحسن بن علي خطب على الناس إذ سلم الأمر إلى معاوية، وقال في خطبته وهو يلتفت إلى معاوية: قال الله جل ذكره: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ احكم بالحق﴾ أي: قل يا محمد: رب افصل بيني وبين من كذبني بإحلال عذابك بهم ونقمتك، وهو الحق الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأله إياه ومثله ﴿رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق﴾ [الأعراف: ٨٩].
وروى قتادة " أن النبي ﷺ كان إذا شهد قتالاً يقول: يا رب احكم بالحق ".
وقرأ أبو جعفر يزيد: ﴿قَالَ رَبِّ﴾ بالرفع، وهو غلط عند النحويين لا يجوز عندهم رجل أقبل، لأنهم جعلوا يا عوضاً عن المحذوف والأصل يا أيها الرجل.
وقرأ عكرمة والضحاك: ﴿قَالَ رَبِّ﴾ بفتح الياء ﴿احكم﴾ بالرفع والهمز على الابتداء. أو الخبر. واحتجا في ذلك بأن الله تعالى لا يحكم إلا بالحق، فكيف يأمره أن

يسأل أن يحكم له بالحق. معنى ذلك عند العلماء رب عجل حكمك بالحق.
والتقدير عند أبي عبيد: أحكم بحكمك الحق.
ثم قال تعالى: ﴿وَرَبُّنَا الرحمن﴾.
أي: وقيل يا محمد: ﴿وَرَبُّنَا الرحمن﴾ أي: الذي يرحم عباده المؤمنين. ﴿المستعان على مَا تَصِفُونَ﴾.
أي: الذين استعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم: ﴿مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢٤] وقولكم: ﴿بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ [الأنبياء: ٥]. وكذبكم على الله جل ذكره في قولكم: ﴿اتخذ الله وَلَداً﴾ [البقرة: ١١٦] وشبهه من باطلكم.

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجسورة "الحج" (مكية) سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة في ستة نفر من قريش، ثلاثة مؤمنون وثلاثة كافرون. فالمؤمنون عبيدة بن الحرب بن عمرو وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم. دعاهم للبراز عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فأنزل الله تعالى ذكره: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) إلى تمام الآيات الثلاث. قال أنس بن مالك: نزلت سورة الحج على النبي - عليه السلام - وهو في مسير له وأصحابه متبددون، فرفع بها صوته، فنادى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ... شَدِيدٌ) فاجتمع إليه أصحابه فقال: هل تدرون أي يوم ذلك؟ ذلك يوم يقول الله صفحة رقم 4833