آيات من القرآن الكريم

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ
ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

هو أهون عليه- سبحانه وتعالى- في نظرنا. وعد ذلك وعدا عليه، وكان وعد ربك مفعولا، ومن أصدق من الله حديثا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ. ولقد كتبنا في الكتب التي أنزلت على الأنبياء جميعا من بعد الذكر أى: في أم الكتاب أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وقد حكم أن يرثها عباده الصالحون، والأرض هي الجنة فهي التي يستحقها الصالحون المؤمنون كما يستحق الوارث ميراث أبيه.
وبعض العلماء يرى أن الأرض أرض الكفار، ويرثها العباد الصالحون المؤمنون القائمون بأمر الدين الحاكمون بالقرآن المتمسكون بهدى النبي صلّى الله عليه وسلم، وهذا رأى حسن بلا شك فقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، ولكن يا أخى أين نحن من القرآن؟ وأين المسلمون الصالحون؟!.
وبعض الناس يرى أن الأرض هي أرض الدنيا ويرثها أى يملكها العباد الصالحون لعمارتها، ولكن هذا لا يعبأ به حتى يكتب في جميع الكتب:
وأما قول بعضهم إن الأرض يأخذها المؤمن الصالح لا الكافر فهذا مردود بالواقع المحسوس.. والله أعلم بكتابه.
إن في هذا الذي تقدم من أول السورة إلى هنا من توجيه أنظارنا لآيات الله الكونية، ومن قصص لنا فيها عبر ومواعظ وحكم. لبلاغا- والبلاغ الكفاية، وما تبلغ به البغية، وما تنال به الرغبة- ولكن يكون لقوم عابدين خاضعين قانتين إذ هم المنتفعون بهذا البلاغ.
موقف النبي صلّى الله عليه وسلّم من الناس [سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٧ الى ١١٢]
وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١)
قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)

صفحة رقم 560

المفردات:
آذَنْتُكُمْ أعلمتكم، مأخوذ من الآذن، أى: الإعلام.
بعد ذلك البيان الرائع ماذا يكون موقف النبي؟ إنه الرحمة المهداة، عليه البلاغ، وعلى الله الحساب.
المعنى:
عرفنا فيما مضى جزاء المشركين بالله. والمؤمنين به، وكانت العاقبة للمتقين وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو مفتاح الخير، وباب الرحمة، ولقد صدق الله وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ أى: للناس أجمعين أما أتباعه فرحمته عمتهم وفضله ونوره وسعهم، وغيرهم كذلك، وإن كان عن طريق غير مباشر.
ولسنا مبالغين إذ قلنا إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أول من شرع العدل وسنه وأول من حكم بالقسط، وقنن القوانين الحكمية، وهو أول من بذر بذور الديمقراطية الصحيحة في العالم، وهو أول من نصر الضعيف وأعان المظلوم، وانتصف للفقير من الغنى، وساوى بين الخصمين، وسوى بين أتباعه وأتباع غيره، وأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وكتابه هو المصباح الذي أنار للعالم طريقه، وكان فاتحة الخير والهدى والعلم والمعرفة، كان البلسم الذي هذب عقلية الفرس، والرومان، وكون فلسفة إسلامية عالية.
وبدينه ولدت العلوم والمعارف في الشرق أولا ثم انتقلت إلى الغرب عن طريق

صفحة رقم 561

الحروب الصليبية وتركيا، وعن جامعات الأندلس. أخذ الغربيون تلك النفائس فنموها، وجودوها، حتى صارت علوما ومعارف واسعة النطاق، وأراد الله لهم ذلك.
وأراد الله للشرق وللمسلمين أن يبتعدوا عن دينهم فأهملوا علومهم ومعارفهم فدارت الدائرة عليهم وأذلهم عدوهم. ولقد صدق الله وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران ١٤٠].
وأملنا في شبابنا خير، هذا الشباب الذي أخذ ينادى بالقرآن ويدرسه ويتفهمه ليعيد للإسلام مجده، ويتحقق جليا أن رسوله الكريم أرسل رحمة للعالمين ويكون على يديه إنقاذ العالم من وهدته، وضرب المثل عمليا للمؤمن القوى الصالح لعمارة الدنيا والفوز بالآخرة.
ويقول ذلك الرسول مأمورا من ربه: قل لهم: إن ديني بسيط جدا. وسهل جدا لا تعقيد فيه، ولا التواء: قل لهم إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فاعبدوه وحده، ولا تشركوا به شيئا من الدنيا أو المال أو الشهوة أو الجاه أو السلطان، وقولوا بقلوبكم ولسانكم: الله أكبر ولله الحمد.
فهل أنتم بعد ذلك مسلمون؟ والمعنى أسلموا لله، وأخلصوا النية له فإن تولوا بعد ذلك فقل آذنتكم بحرب لا هوادة فيها، وأعلمتكم بها أنا وأنتم سواء في هذا العلم فلا عذر ولا خيانة منى.
ولست أدرى والله أقريب أم بعيد ما توعدونه من العذاب! فأنا رسول الله إليكم فقط، ولا أعلم من الغيب شيئا بل العالم بالحقائق حقا هو الله- سبحانه- الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم الجهر من القول، ويعلم ما تكتمون من عداوة وحسد للمسلمين.
ولست أدرى لعل تأخير العذاب عنكم فتنة لكم، وابتلاء ليرى كيف يكون صنيعكم وهو أعلم بكم، ولعله متاع لكم تتمتعون به إلى أجل معلوم وزمن محدود ليكون ذلك حجة عليكم، وليقع الموعد في وقت معين عنده قل لهم يا محمد: رب احكم بالحكم الحق، فأنت الحق، ولا نحب إلا الحق، وربنا رب السموات والأرض صاحب النعم على العالم كله، وربنا الرحمن المستعان وحده، والملجأ إليه وحده، والمفزع إليه وحده، وهو المستعان وحده على ما تصنعون. وقد نصر الله عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا هو.

صفحة رقم 562
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية