آيات من القرآن الكريم

قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

وليعلموا أنه متى ذاعت هذه الآراء فى الأمة، قامت كلها قومة رجل واحد، فى تنظيم شئونها، وتربية أبنائها تربية تؤهلهم أن يكونوا قادة العالم الإنسانى.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) أي وما أرسلناك بهذا وأمثاله من الشرائع والأحكام التي بها مناط السعادة فى الدارين- إلا لرحمة الناس وهدايتهم، فى شئون معاشهم ومعادهم.
بيان هذا أنه عليه الصلاة السلام أرسل بما فيه المصلحة فى الدارين، إلا أن الكافر فوّت على نفسه الانتفاع بذلك، وأعرض عما هنالك، لفساد استعداده وقبح طويّته، ولم يقبل هذه الرحمة، ولم يشكر هذه النعمة، فلم يسعد لا فى دين ولا دنيا، كما قال «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ» وقال فى صفة القرآن «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ»
وقال صلّى الله عليه وسلم «إن الله بعثني رحمة مهداة».
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٨ الى ١١٢]
قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)
تفسير المفردات
مسلمون: أي منقادون خاضعون، تولوا: أي أعرضوا، آذنتكم: أي أعلمتكم وكثر استعماله فى الإنذار كما فى قوله: «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ما توعدون: من

صفحة رقم 78

غلبة المسلمين عليكم، فتنة: أي اختبار، واحكم: أي اقض، وبالحق: أي العدل والمراد بذلك تعجيل العذاب لهم، ما تصفون: أي ما تقولون وتفترون من الكذب كقولكم «بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ» وقولكم إن للرحمن ولدا.
المعنى الجملي
بعد أن أورد سبحانه الحجج والبراهين، لإقناع الكافرين بأن رسالة الرسول حق، حتى لم يبق فى القوس منزع، وبلغ الغاية التي ليس بعدها غاية، وبين أن هذا الرسول رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين، وأن من اتبعه سلك سبيل الرشاد، ومن نأى عنه ضل وسار فى طريق الغواية والعناد- أردف ذلك ما يكون إعذارا وإنذارا، فى مجاهدتهم والإقدام على مناوأتهم، بعد أن أعيته الحيل، وضاقت به السبل، ولم تغنهم الآيات والنذر، فتمادوا فى غوايتهم، ولجّوا فى عنادهم، وأصبح من العسير إقناعهم وهدايتهم.
الإيضاح
(قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي قل لمشركى قومك ولمن بلغته الدعوة من غيرهم: ما أوحى إلىّ ربى إلا أنه لا إله إلا هو، فلا تصلح العبادة لسواه، فانقادوا لأمره، وأذعنوا لطاعته، وابتعدوا عن عبادة الأوثان والأصنام، وتبرءوا منها حتى تسلكوا سبيل النجاة، وتفوزوا بالسعادة.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أي فإن أعرضوا عن اتباع ما أوحى إليك فقل لهم: هأنذا أعلمكم بأنى حرب لكم، كما أنكم حرب لى، فأنا برىء منكم كما أنكم برآء منى، وأنتم سواء فى هذا الإعلام، لا أخص أحدا منكم دون أحد.
ونحو الآية قوله «وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ».

صفحة رقم 79

(وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) أي وإن ما توعدون من غلب المسلمين عليكم واقع لا محالة، ولكن لا علم لى بقربه ولا ببعده، لأن الله لم يطلعنى على ذلك.
(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) أي إن الله يعلم ما تجهرون به من الطعن فى الإسلام وتكذيب الآيات، ويعلم ما تكتمون من الأضغان والعداوات للمسلمين، فيجازيكم على قليل ذلك وجليله.
(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) أي وما أدرى سبب تأخير جزائكم، ولعل ذلك زيادة فى افتتانكم وامتحانكم، لينظر كيف تعملون، وإنه ليؤخركم إلى حين، كى تتمتعوا بلذات الدنيا مع إعراضكم عن الإيمان، فيكون فى ذلك زيادة عذابكم، لأن المعرض عن الإيمان مع توالى الآيات وتتابع البينات والنذر يكون عقابه أشد.
(قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) أي قال الرسول: رب افصل بينى وبين من كذبنى من مشركى قومى، وكفر بك وعبد غيرك، بإحلال عذابك ونقمتك به بالعدل الذي يقتضى تعجيل العذاب به، وتشديده عليه.
وخلاصة ذلك- رب عجّل بعذابهم وقد أجاب الله دعوته وأنزل بهم العذاب الأليم يوم بدر.
قال قتادة: كان الأنبياء يقولون «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ» فأمر رسول الله أن يقول ذلك.
(وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أي والله المستعان على ما تصفون، من الشرك والكفر، والكذب والأباطيل، كقولكم إن الله اتخذ ولدا، وقولكم فى الرسول «بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ».
وخلاصة ذلك- إنه طلب من ربه أن يحكم بما يظهر الحق للجميع، وأمره ربه أن يتوعد الكفار بقوله: وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون.

صفحة رقم 80

وقد كثر استعمال الوصف فى الكتاب الكريم بمعنى الكذب كقوله «وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» وقوله «سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ» وصلّى الله على محمد وآله.
خلاصة ما تتضمنه هذه السورة
(١) الإنذار بقرب الساعة مع غفلتهم عنها.
(٢) إنكار المشركين نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم، لأنه بشر مثلهم، وأن ما جاء به أضغاث أحلام، وأنه قد افتراه، ولو كان نبيا حقا لأتى بآية كآيات موسى وعيسى.
(٣) الرد على هذه الشبهة بأن الأنبياء جميعا كانوا بشرا، وأهل العلم من اليهود والنصارى يعلمون ذلك حق العلم.
(٤) الإخبار بأن الله أهلك كثيرا من الأمم المكذبة لرسلها وأنشأ بعدهم أقواما آخرين.
(٥) بيان أن السموات والأرض لم تخلقا عبثا، وأن الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ولا يملّون.
(٦) إقامة الدليل على وحدانية الله تعالى والنعي على من يتخذ آلهة من دونه بلا دليل على صدق ما يقولون مع أن الأنبياء جميعا أوحى إليهم أنه لا إله إلا هو.
(٧) النعي على من ادعى أن الملائكة بنات الله.
(٨) وصف النشأة الأولى ببيان أن السموات والأرض كانتا رتقا فانفصلتا، وأن الجبال جعلت فى الأرض أوتادا حتى لا تميد بأهلها، وأن كلا من الشمس والقمر يسبح فى فلكه.
(٩) استعجال الكافرين للعذاب، مع أنهم لو علموا كنهه ما طلبوه.
(١٠) بيان أن الساعة تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون.
(١١) قصص بعض الأنبياء كموسى وهارون وإبراهيم ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذى الكفل ويونس وزكريا وقصص مريم.

صفحة رقم 81

(١٢) بيان أن الدين الحق عند الله هو الإسلام وبه جاءت جميع الشرائع والاختلاف بينها إنما هو فى الرسوم بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة.
(١٣) حادث يأجوج ومأجوج من أشراط الساعة واقتراب يوم القيامة.
(١٤) بيان أن الأصنام وعابديها يكونون يوم القيامة حطب جهنم، وأنهم لو كانوا آلهة حقا ما دخلوها.
(١٥) وصف ما يلاقيه الكفار من الأهوال فى النار يوم القيامة.
(١٦) وصف النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة إذ ذاك.
(١٧) بيان أن الأرض ستبدل غير الأرض، وأن السماء تطوى طى السحل للكتاب.
(١٨) إن سنة الله فى الكون أن يرث الأرض من يصلح لعمارتها من أي دين كان وأيّ مذهب اعتنق.
(١٩) الوحى إنما جاء بالتوحيد وأن لا إله إلا إله واحد، وأن الواجب الاستسلاء له والانقياد لأمره.
(٢٠) ما ختمت به السورة من طلب الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم الله بينه وبين أعدائه المشركين، وأنّ الله هو المستعان على ما يصفونه به من أنه مفتر وأنه محنور وأنه شاعر يتربصون به ريب المنون.

صفحة رقم 82

سورة الحج
هى مدينة إلا الآيات ٥٢، ٥٣، ٥٤، ٥٥ فبين مكة والمدينة، والأصح أنها مختلطة منها المكي ومنها المدني، قال العزيزي وهى من أعاجيب السور نزلت ليلا ونهارا سفرا وحضرا، مكيا ومدنيا، سلميا وحربيا، محكما ومتشابها.
وآيها ثمان وسبعون.
وهى بحسب موضوعاتها أقسام ثلاثة:
(١) البعث والدليل عليه وما يتبع ذلك.
(٢) الحج والمسجد الحرام.
(٣) أمور عامة كالقتال وهلاك الظالمين والاستدلال بنظام الدنيا على وجود الخالق وضرب المثل بعجز الأصنام وعدم استطاعتها خلق الذباب.
ومناسبتها للسورة قبلها من وجوه:
(١) إن آخر السورة قبلها كان فى أمر القيامة كقوله: يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب، وقوله: واقترب الوعد الحق- وأول هذه السورة الاستدلال على البعث بالبراهين العقلية.
(٢) إنه قد أقيمت فى السورة السالفة الحجج الطبيعية على الوحدانية- وفى هذه جعل العلم الطبيعي من براهين البعث.
(٣) فى السورة السالفة وما قبلها قصص الأنبياء وبراهينهم لقومهم، وفى هذه السورة خطاب من الله للأمم الحاضرة، وهو خطاب يسترعى السمع ويوجب علينا ولو إجمالا أن نعرف صنع الله فى أرضه وسمائه وتدبيره خلق الأجنّة والنبات والحيوان

صفحة رقم 83
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية