
الواو ياء لانكسار الخاء (١). وإنما خاف موسى؛ لأن سحرهم كان من جنس ما أراهم في العصا، فخاف أن يلتبس على الناس أمره، ولا يؤمنوا به. هذا معنى قول الكلبي، ومقاتل (٢).
وقيل: (كان خوف طباع، لكثرة ما يخيل له من الحيات العظام)، وهذا معنى قول محمد بن إسحاق (٣).
٦٨ - فقال الله تعالى: ﴿لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ قال ابن عباس: (يريد أنت الغالب) (٤). والمعنى: أنت الأعلى عليهم بالظفر والغلبة.
٦٩ - ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ يعني العصا ﴿تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ قال الزجاج: (القراءة بالجزم (٥)، جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال، كأنه قال: ألقها تلقفه) (٦)، هذا كلامه.
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ٢١ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٣، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٠، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨٤، "تفسير مقاتل" ٤ أ.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٩، وذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "النكت والعيون" ٣/ ٤١٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٣، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٢.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٥، "القرطبي" ١١/ ٢٢٣.
(٥) قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: (تَلقَّفْ مَا صَنعوا) بتشديد القاف وجزم الفاء. وقرأ عاصم في رواية حفص: (تَلْقَفُ مَا صَنعوا) بتخفيف القاف ورفع الفاء. وقرأ ابن عامر الشامي: (تَلْقَّفُ مَا صَنعوا) بتشديد القاف ورفع الفاء.
انظر: "السبعة" ص ٤٢٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٥، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٩، "النشر" ٢/ ٣٢١.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٧.

وشرحه أبو علي فقال: (وجه قراءة من قرأ: ﴿تَلْقَفُ﴾ بالرفع، وهي قراءة ابن عامر: أنه في موضع الحال، والحال يجوز أن يكون من الفاعل المُلْقِي، ويجوز أن يكون من المفعول المُلْقَى، فإن جعلته من الفاعل المُلْقِي جعلته المُتلَقَّفَ، وإن كان التَّلَقُفُ في الحقيقة للعصا، ووجه جعل المُتَلَقَّف أن التَّلَقُفُ في الحقيقة للعصا، ووجه جعل المُتَلَقَّف أن التَّلَقُف بإلقائه كان فجاز أن ينسب إليه، والفعل كثيرًا يضاف إلى المسبب، ويجوز أن يكون الحال من المفعول، وجعلت تَلْقَفْ حالًا، وإن لم تتلقف بعد، كما جاء في التنزيل: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥] وكما أجاز النحويون: مررتُ برجلٍ معه صقر صائدًا به غدًا، وهذا النحو من الحال كثير في التنزيل وغيره) (١).
وقال: (﴿تَلْقَفْ﴾ على التأنيث، حملًا للكلام على المعنى؛ لأنه المراد بما في يمينه العصا. ومن قرأ: تلقفْ بالجزم، فعلى أن يكون جوابًا، كأنه: إن تُلْقِهِ تَلَقَّفْ، ويجوز أن يكون تَلْقَفْ خطابًا لموسى، كما ذكر في قراءة من رفع يجوز أن يكون حالًا للفاعل) (٢). وذكرنا معنى التلقف في سورة الأعراف مستقصى (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ أي: الذي صنعوه كيد ساحر. وقرئ: كيد سحر (٤). وساحر أقوى؛ لأنّ الكيد للساحر في الحقيقة وليس
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٦.
(٣) عند قوله سبحانه: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: ١١٧].
(٤) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: ﴿كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ بالألف.

للسحر، ومن قرأ: كيد سحر، أضاف الكيد إلى السحر على التوسع، وأراد كيد ذي سحر، فيكون المعنى مثل كيد ساحر، ويجوز أن يكون معنى كيد سحر: كيد من سحر كما قالوا: قميص حرير، وجبة وَشْي، ذكر ذلك ابن الأنباري (١). والمعنى: الذي صنعوه تخيل سحر لا حقيقة له.
[وقوله: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ قال ابن عباس: (ولا يسعد الساحر حيث ما كان) (٢).
وروى جندب بن عبد الله البجلي (٣): أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أخذتم الساحر فاقتلوه، ثم قرأ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ قال: لا يأمن حيث وجد" (٤).
انظر: "السبعة" ص ٤٢١، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٣٧، "حجة القراءات" ص ٤٥٨، "الغاية في القراءات" ص ٣٢٣.
(١) ذكر بلا نسبة في "الكشاف" ٢/ ٥٤٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٢٤، "التفسير الكبير" ٢٢/ ٨٥، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٠.
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٤، "زاد المسير" ٥/ ٣٠٦.
(٣) جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي، ينسب إلى جده، أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- روى عنه الحسن، وابن سيرين، وأخرج له الجماعة، توفي -رضي الله عنه- سنة ٦٤ هـ.
انظر: "الاستيعاب" ١/ ٢١٩، "أسد الغابة" ١/ ٣٠٣، "الإصابة" ١/ ٢٤٩، "تهذيب التهذيب" ٢/ ١١٨، "سير أعلام النبلاء" للذهبي ٣/ ١٧٤، "الكاشف" ١/ ١٣٢.
(٤) أورده ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٧٥، وقال: وقد روى أصله الترمذي موقوفًا ومرفوعًا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ٥٤١، وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢١٠، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٤٨، والشوكاني في "نيل الأوطار" باب: ما جاء في حد السحر ٧/ ٦٣٢، والألوسي في "روح المعاني" ١٦/ ٢٣٠. =