آيات من القرآن الكريم

كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰ ﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼ ﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄ

وخطرها لأنه عليه السلام ما شاهد مثل ذلك قط. وعند الفزع الشديد قد يذهل الإنسان عن بعض خواصه. قال الشيخ أبو القاسم الأنصاري رحمه الله تعالى: وذلك الخوف من أقوى الدلائل على صدقه في النبوة لأن الساحر يعلم أن الذي أتى به تمويه، فلا يخافه البتة.
- ٣- اليد البيضاء (المعجزة الثانية)
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٢٢ الى ٣٥]
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦)
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥)
الإعراب:
تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى بيضاء: حال من ضمير تَخْرُجْ وآيَةً إما منصوبة على الحال بدلا من بَيْضاءَ أي تخرج مبينة عن قدرة الله تعالى، وإما منصوبة بتقدير فعل، أي آتيناك آية أخرى.
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً لِي في موضع نصب ظرف ل- اجْعَلْ أو صفة ل وَزِيراً فلما تقدم صار منصوبا على الحال.
هارُونَ أَخِي هارُونَ منصوب على البدل من قوله: وَزِيراً وهو ممنوع من الصرف للعلمية (التعريف) والعجمة، وأَخِي عطف بيان، أو بدل.

صفحة رقم 200

كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً كَثِيراً منصوب لأنه صفة لمصدر محذوف، أي نسبحك تسبيحا كثيرا.
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي يقرأ بوصل الهمزة وقطعها، فالوصل دعاء وطلب وهو كالأمر، والقطع فعل مضارع مجزوم لأنه جواب اجْعَلْ على تقدير شرط مقدر، فهو مجزوم بجواب الطلب.
البلاغة:
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ استعارة، استعار جناح الطير بجنب الإنسان.
بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فيه احتراس: وهو أن يؤتى بشيء يرفع توهم غير المراد، فلو اقتصر على بَيْضاءَ لأوهم أن ذلك من برص أو بهق، فاحترس بقوله مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.
المفردات اللغوية:
وَاضْمُمْ الضم: الجمع يَدَكَ اليمنى بمعنى الكف إِلى جَناحِكَ إلى جنبك الأيسر تحت العضد، علما بأن أصل الجناح للطائر، ثم أطلق على اليد والعضد والجنب، وهذا هو المراد هنا تَخْرُجْ خلاف ما كانت عليه من الأدمة بَيْضاءَ مشعة كشعاع الشمس تعشي البصر مِنْ غَيْرِ سُوءٍ من غير عاهة أو قبح كالبرص الذي تنفر الطباع منه آيَةً أُخْرى معجزة ثانية غير العصا.
لِنُرِيَكَ أي فعلنا ذلك لنريك بها مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى هي صفة: آياتِنَا أي من آياتنا العظمى الدالة على قدرتنا وعلى رسالتك. وإذا أراد عودها إلى حالتها الأولى، ضمها إلى جناحه كما تقدم، ثم أخرجها اذْهَبْ رسولا إِلى فِرْعَوْنَ ومن معه بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة إِنَّهُ طَغى جاوز الحد في كفره، وعتوه وتجبره، حتى ادعى الألوهية اشْرَحْ لِي صَدْرِي
أي وسعه لتحمل أعباء الرسالة والصبر على مشاقها وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي سهل لي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي أزل تلك العقدة التي في لساني، حدثت في احتراقه بجمرة وضعها بفيه وهو صغير، لئلا ينفر مني الناس ويستخفوا بي يَفْقَهُوا قَوْلِي يفهموا قولي عند تبليغ الرسالة.
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً معينا، والأزر: القوة أو الظهر، يقال: آزره: أي قواه وأعانه وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي أي اجعله شريكا معي في النبوة والرسالة كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً أي تسبيحا كثيرا وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً أي ونذكرك ذكرا كثيرا إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً عالما بأحوالنا، فأنعمت بالرسالة، ولا نريد بالطاعة إلا رضاك.

صفحة رقم 201

المناسبة:
بعد أن ذكر تعالى معجزة العصا الدالة على صدق رسالة موسى عليه السلام، وهي المعجزة الأولى، ذكر المعجزة الثانية وهي معجزة اليد البيضاء التي تنقلب مشعة كشعاع الشمس، تعشي البصر.
وبعد هاتين الآيتين أمره الله بالذهاب إلى فرعون، لتبليغ رسالة ربه ودعوته إلى عبادة الله، فدعا موسى عليه السلام ربه بأربعة أمور: شرح صدره، وتيسير أمره، وحل عقدة لسانه، وجعل أخيه هارون نبيا وزيرا له، لتقويته، وتعاونه معه في أداء مهمة التبليغ، وذكر الله وعبادته، فصار مطلوب موسى ثمانية أمور، أربع منها وسائل، وأربع أخرى هي غايات.
التفسير والبيان:
هذا برهان ثان لموسى عليه السلام على نبوته، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه أو في جناحه (جنبه) معبرا عن الجنب بالجناح، فقال:
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى أي واضمم يا موسى يدك اليمنى أو كفك إلى جناحك (وهو جنبك تحت العضد) واجعلها تحت الإبط الأيسر، تخرج بيضاء لامعة ذات نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر، من غير عيب كبرص أو أذى أو شين- علما بأن جلد موسى كان أسمر- معجزة أخرى غير العصا، ثم ردها فعادت كما كانت بلونها. وإذا حاول السحرة إبطال معجزة العصا، فإنه لم يحاول أحد إبطال معجزة اليد.
وذلك أن موسى عليه السلام كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها، تخرج تتلألأ، كأنها فلقة قمر. قال الحسن البصري: أخرجها والله كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل.

صفحة رقم 202

قال الله تعالى في مكان آخر: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ، فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ [القصص ٢٨/ ٣٢]، وعبر تعالى عن الجناح أيضا بالجيب، فقال: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [النمل ٢٧/ ١٢]، اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [القصص ٢٨/ ٣٢].
لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى فعلنا هذا لنريك بهاتين الآيتين بعض دلائل قدرتنا على كل شيء في السموات والأرض والمخلوقات الموجودات.
وبعد أن أظهر تعالى له هذه الآية أمره بالذهاب إلى فرعون، وبين العلة في ذلك، وهي أنه طغى، فقال:
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى أي اذهب رسولا إلى فرعون ملك مصر الذي خرجت فارا منه، ومعك ما رأيته من آياتنا الكبرى، وادعه إلى توحيد الله وعبادته، ومره بأن يحسن إلى بني إسرائيل، فإنه كفر وتجاوز قدره والحدود كلها، فآثر الحياة الدنيا وادعى أنه الرب الأعلى.
ولما أمر الله تعالى موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون، وكان ذلك تكليفا شاقا، سأل ربه أمورا ثمانية، ثم ختمها بعلة سؤال تلك الأشياء، فقال:
١- قالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي قال موسى: رب وسع لي صدري وأزل عنه الضيق فيما بعثتني به، فإنه أمر عظيم وخطب جسيم، وسبب هذا السؤال قوله: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي [الشعراء ٢٦/ ١٣]، فسأل الله تعالى أن يبدل ذلك الضيق بالسعة، ليحتمل أذى الناس وأعباء الرسالة.
٢- وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي أي سهل علي القيام بما كلفتني به من تبليغ الرسالة، وقوني على مهمتي، فإن لم تكن أنت عوني ونصيري وإلا فلا طاقة لي بذلك.

صفحة رقم 203

٣- وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي أي وأطلق لساني بالنطق، وأزل ما فيه من العقدة والعي ليفهموا قولي وكلامي بتبليغ الرسالة. وقد كان في لسانه رتة (حبسة) أو لثغة حين عرض عليه وهو صغير التمرة والجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، فكان فيه لكنة، وذلك حين نتف شعرة من ذقن فرعون وهو صغير، فغضب، وتوجس منه شرا، فقالت امرأته: إنه صغير لا يدري شيئا، فأتت له بجمرة وبلحة، فوضع الجمرة على لسانه.
وروي أن الحسين رضي الله عنه كان في لسانه رتة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن هذه ورثها من عمه موسى».
٤- وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي أي واجعل لي عونا ومساعدا لي في بعض أموري، من أهل بيتي هارون أخي، اجعله رسولا، ليتحمل معي أعباء الرسالة. ودعم الأنبياء تقتضيه حاجة نشر الدين، لذا قال عيسى عليه السلام: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [آل عمران ٣/ ٥٢].
٥- ٦: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي أي يا رب أحكم به قوتي، واجعله شريكي في أمر الرسالة، حتى نؤدي المطلوب على الوجه الأكمل ونحقق أفضل الغايات. والحاصل أنه شفع له كي يكون نبيا مثله ليعينه، ويشد به أزره (قوته) ويجعله ناصرا له لأنه لا اعتماد على القرابة.
٧- ٨: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً أي لكي نزهك كثيرا عما لا يليق بك من الصفات والأفعال، ونذكرك كثيرا وحدك دون أن نشرك معك غيرك. قال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا.
إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً أي إنك يا رب كنت عليما بأحوالنا وأحوال

صفحة رقم 204

غيرنا، في اصطفائك لنا، وإعطائك إيانا النبوة، وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون الطاغية الجبار الذي ادعى الألوهية، فنمتثل أمرك، ولك الحمد على ذلك.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إن إخراج موسى عليه السلام يده من جيبه أو جناحه بيضاء لامعة تضيء كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءا: هي المعجزة الثانية بعد معجزة العصا.
٢- أرسل الله موسى رسولا إلى فرعون الطاغية الذي ادعى الألوهية، وآزرته فئته الباغية في ذلك الادعاء، وأيد الله موسى بالعصا واليد، وأراه ما يدل على أنه رسول.
٣- دعا موسى ربه، والدعاء نوع من العبادة، لتيسير القيام بمهمته وتحقيقه أحسن الغايات، وقد أجابه ربه لكل ما طلب لقوله تعالى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى، فشرح صدره وأزال عنه الضيق والغم، ويسر أمره وقواه، وانحل أكثر العقد من لسانه، وإن بقي منها شيء قليل، لقوله تعالى حكاية عن فرعون: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ [الزخرف ٤٣/ ٥٢] وجعل له أخاه هارون نبيا ليعاونه في أداء الرسالة، والتعاون ضروري لإنجاح المقصود، وآزره وأحكم قوته به، وشاركه في مهمته، وكانا كثيرا ما يسبحان الله وينزهانه عما لا يليق به من نقص كادعاء ولد أو شريك معه، ويذكرانه وحده لا شريك له، عملا بما دعا به موسى عليه السلام.
٤- إن الله تعالى عالم بخفيات الأمور، عالم بموسى وأخيه وبأحوال فرعون وغير ذلك، مدرك ما تعرض له موسى في الصغر، فأحسن إليه، ونصره على فرعون وملئه.

صفحة رقم 205
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية