آيات من القرآن الكريم

فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ
ﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩ الى ١٦]

وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣)
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦)
قوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) هذا استفهام تقرير، ومعناه: قد أتاك. قال ابن الأنباري: وهذا معروف عند اللغويين أن تأتي «هل» معبرة عن «قد».
(٩٧١) فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو أفصح العرب: «اللهم هل بلَّغتُ»، يريد: قد بلَّغت.
قال وهب بن منبِّه: استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الرجوع إِلى والدته، فأذن له، فخرج بأهله، فوُلد له في الطريق في ليلة شاتية، فقدح فلم يور الزّناد، فبينا هو في مزاولته ذلك، أبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق وقد ذكرنا هذا الحديث بطوله في كتاب «الحدائق» فكرهنا إِطالة التفسير بالقصص، لأن غرضنا الاقتصار على التفسير ليسهل حفظه، قال المفسرون: رأى نوراً، ولكن أخبر بما كان في ظن موسى. فَقالَ لِأَهْلِهِ يعنى: امرأته امْكُثُوا اي: أقيموا مكانكم وقرأ حمزة: «لأَهْلِهُ امكثوا» بضمّ الهاء ها هنا وفي القصص «١» إِنِّي آنَسْتُ ناراً قال الفراء: إِني وجدت، يقال: هل آنستَ أحداً، أي: وجدتَ؟ وقال ابن قتيبة: «آنستُ» بمعنى أبصرتُ. فأما القَبَس، فقال الزجاج: هو ما أخذته من النار في رأس عود أو في رأس فتيلة.
قوله تعالى: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً قال الفراء: أراد: هادياً، فذكره بلفظ المصدر، قال ابن الأنباري: يجوز أن تكون «على» ها هنا بمعنى «عند»، وبمعنى «مع»، وبمعنى الباء. وذكر أهل التّفسير أنه كان قد ضلّ عن الطريق، فعلم أن النار لا تخلو من مُوقِد. وحكى الزجاج: أنه ضل عن الماء، فرجا أن يجد من يهديه الطريق أو يدلّه على الماء.
قوله تعالى: فَلَمَّا أَتاها يعني: النار نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ إنما كرّر الكناية، لتوكيد
صحيح. أخرجه البخاري ٩٢٥ و ٢٥٩٧ و ٦٦٣٦ و ٧١٧٤ ومسلم ١٨٣٢ وأبو داود ٢٩٤٦ والحميدي ٨٤٠ وأحمد ٥/ ٤٢٣- ٤٢٤ من طرق عن الزهري عن عروة عن أبي حميد وهو بعض حديث.
وأخرجه البخاري ٦٩٧٩ و ٧١٩٧ ومسلم ١٨٣٢ ح ٢٧ و ٢٨ والحميدي ٨٤٠ والشافعي ١/ ٢٤٧ من طرق عن هشام بن عروة، عن عروة به، وأتم. وأخرجه البغوي ١٥٦٢ والشافعي ١/ ٢٤٦- ٢٤٧ والبيهقي ٧/ ١٦ و ١٠/ ١٣٨ عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلّم رجلا من الأزد يقال له ابن الأتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي. قال: «فهلا جلس في بيت أبيه- أو بيت أمه- فينظر يهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» ثم رفع بيده حتى رأينا عفرة إبطيه «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت» ثلاثا.
__________
(١) سورة القصص: ٢٩.

صفحة رقم 152

الدلالة وتحقيق المعرفة وإِزالة الشبهة، ومثله: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ «١». قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر: «أَنِّيَ» بفتح الألف والياء. وقرأ نافع وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي:
«إِنِّي» بكسر الألف، إِلا أن نافعاً فتح الياء، قال الزجاج: من قرأ: «أَنِّي أنا» بالفتح، فالمعنى: نودي بأني أنا ربك، ومن قرأ بالكسر، فالمعنى: نودي يا موسى، فقال الله: إِنِّي أنا ربُّك. قوله تعالى:
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ في سبب أمره بخلعهما قولان:
(٩٧٢) أحدهما: أنهما كانا من جلدِ حمارٍ ميت، رواه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبه قال عليّ بن أبي طالب، وعكرمة.
والثاني: أنهما كانا من جلد بقرة ذُكِّيتْ، ولكنه أُمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدسة، فتناله بركتها، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة.
قوله تعالى: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ فيه قولان قد ذكرناهما في سورة المائدة «٢» عند قوله تعالى:
الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ. قوله تعالى: طُوىً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «طُوى، وأنا» غير مُجْراة. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «طُوىً» مُجْراة وكلُّهم ضم الطاء، وقرأ الحسن وأبو حيوة: «طِوىً» بكسر الطاء مع التنوين، وقرأ عليّ بن نصر عن أبي عمرو: «طِوى» بكسر الطاء من غير تنوين. قال الزجاج: في «طُوى» أربعة أوجه. طُوى، بضم أوَّله من غير تنوين وبتنوين. فمن نوَّنه، فهو اسم للوادي. وهو مذكَّر سمي بمذكَّر على فُعَلٍ نحو حُطَمٍ وصُرَدٍ، ومن لم ينوِّنه ترك صرفه من جهتين: إِحداهما: أن يكون معدولاً عن طاوٍ، فيصير مثل «عُمَرَ» المعدول عن عامر، فلا ينصرف كما لا ينصرف «عُمَر». والجهة الثانية: أن يكون اسماً للبقعة، كقوله: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ «٣»، وإِذا كُسِر ونوِّن فهو مثل مِعىً. والمعنى: المقدَّس مَرَّة بعد مَرَّة كما قال عدي بن زيد:

أَعاذِلَ، إِنَّ اللَّومَ في غَيْرِ كُنْهِهِ عليَّ طوىً مِن غَيِّك المُتَردِّد
أي: اللوم المكرَّر عليَّ ومن لم ينوِّن جعله اسماً للبقعة.
وللمفسرين في معنى «طوىً» ثلاثة أقوال: أحدها: أنه اسم الوادي، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أن معنى «طوى» : طأِ الوادي، رواه عكرمة عن ابن عباس، وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: أنه قدِّس مرتين، قاله الحسن وقتادة.
قوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ أي: اصطفيتُك، وقرأ حمزة، والمفضل: «وأنّا» بالنون المشدّدة
ضعيف جدا. أخرجه الترمذي ١٧٣٤ والطبري ٢٤٠٣٨ والحاكم ٢/ ٣٧٩ والذهبي في «الميزان» ١/ ٦١٥ من طرق عن حميد بن عبد الله الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود مرفوعا. صححه الحاكم على شرط البخاري! وتعقبه الذهبي بقوله: بل ليس على شرط البخاري وإنما غرّه أن في الإسناد حميد بن قيس كذا، وهو خطأ. إنما هو حميد الأعرج الكوفي ابن علي أو ابن عمارة، أحد المتروكين. فظنه المكي الصادق.
وقال الترمذي: غريب، وحميد هو ابن علي، سمعت محمدا- البخاري- يقول: منكر الحديث. ونقل الذهبي في «الميزان» ١/ ٦١٥ عن ابن حبان قوله: روى عن ابن مسعود نسخة كأنها موضوعة.
__________
(١) سورة الحجر: ٨٩.
(٢) سورة المائدة: ٢١.
(٣) سورة القصص: ٣٠.

صفحة رقم 153

«اخترناكَ» بألف. فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى أي: للذي يوحى، قال ابن الأنباري: الاستماع ها هنا محمول على الإِنصات. المعنى: فأنصت لوحيي، والوحي ها هنا قوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي أي: وحِّدني، وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي فيه قولان: أحدهما: أقم الصلاة متى ذكرتَ أن عليكَ صلاةً، سواء كنتَ في وقتها أو لم تكن، هذا قول الأكثرين.
(٩٧٣) وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «من نسي صلاة فليصلها إِذا ذكرها، لا كفارة لها غير ذلك، وقرأ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي».
والثاني: أقم الصلاة لتَذْكُرَني فيها، قاله مجاهد: وقيل: إِن الكلام مردود على قوله: فَاسْتَمِعْ، فيكون المعنى: فاستمع لما يوحى، واستمع لذِكْري. وقرأ ابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وابن السميفع:
«وأقم الصلاة للذِّكْرى» بلامين وتشديد الذال.
قوله تعالى: أَكادُ أُخْفِيها أكثر القراء على ضم الألف. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال «١» :
أحدها: أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين. وقرأ ابن مسعود وأُبيّ بن كعب، ومحمد بن عليّ: أكاد أخفيها من نفسي، قال الفراء: المعنى: فكيف أُظهركم عليها؟
قال المبرِّد: وهذا على عادة العرب، فإنهم يقولون إِذا بالغوا في كتمان الشيء: كتمتُه حتى مِنْ نَفْسي، أي: لم أُطلع عليه أحداً. والثاني: أن الكلام تم عند قوله: «أكاد»، وبعده مضمر تقديره: أكاد آتي بها والابتداء: أخفيها، قال ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت «٢» أراد: كدتُ أفعل. والثالث: أن معنى «أكاد» : أريد، قال الشاعر:

كادَتْ وكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبابَة مَا مَضَى «٣»
معناه: أرادت وأردتُ، ذكرهما ابن الأنباري.
فإن قيل: فما فائدة هذا الإِخفاء الشديد؟ فالجواب: أنه للتحذير والتخويف، ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوُّه كان أشد حذراً. وقرأ سعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، وأبو رجاء العطاردي، وحميد بن قيس: «أَخفيها» بفتح الألف، قال الزجاج: ومعناه: أكاد أظهرها، قال امرؤ القيس:
وإن تَدفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِهِ وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نقعد «٤»
صحيح. أخرجه البخاري ٥٩٧ و ٨٤٧ ومسلم ٦٨٤ وأبو داود ٤٤٢ والترمذي ١٧٨ والنسائي ٦١٤ وابن ماجة ٦٩٦ وأحمد ٣/ ٢٤٣ وأبو يعلى ٢٨٥٤ كلهم من حديث أنس.
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٨/ ٤٠٢: والذي هو أولى بتأويل الآية من القول، قول من قال: معناه:
أكاد أخفيها من نفسي لأن تأويل أهل التأويل بذلك جاء.
(٢) هو صدر بيت وتمامه:
هَمَمْتُ ولَم أَفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي تَرَكْتُ على عثمان تبكي حلائله
(٣) البيت غير منسوب في «اللسان» - كود-.
(٤) البيت في ديوانه ١٨٦ و «اللسان» - خفا-.

صفحة رقم 154
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية