آيات من القرآن الكريم

وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ
ﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮ

من مظاهر الأخلاق الكريمة العظيمة التي تهيأ بها محمد ﷺ للاصطفاء الرباني، كما فيه القدوة الحسنة التي يجب أن يتخذها المسلمون وبخاصة زعماؤهم وأصحاب الدعوات الإصلاحية فيهم.
ولقد علقنا في سياق تفسير سورة الأعراف على تعبير اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فلا ضرورة للإعادة. وإنما ننبه إلى أن روح الآيات التي جاء فيها هنا تدل دلالة قوية على صواب ما انتهينا إليه إن شاء الله في تعليقاتنا السابقة وهو أن القصد منه تقرير شمول ملك الله لجميع الأكوان وإحاطته بها.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩ الى ٢٣]
وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣)
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨)
قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣)
. (١) آنست نارا: رأيت نارا فاستأنست بها.
(٢) قبس: شعلة أو جزء من النار.
(٣) أجد على النار هدى: أجد عندها ما يساعدنا على الاهتداء في طريقنا ورحلتنا.

صفحة رقم 189

(٤) المقدس: المبارك والمطهر.
(٥) طوى: تعددت الأقوال في هذه الكلمة. وأوجهها عندنا أنها اسم الوادي الذي رأى موسى على حفافيه النار. والمكان قرب جبل حوريب في طور سيناء وقد ذكر ذلك في الإصحاح الثالث من سفر الخروج ثاني أسفار العهد القديم.
(٦) فلا يصدّنك: فلا يصرفك ولا يلهيك.
(٧) تردى: إما أنها تتردى ويكون الضمير لموسى، وإما أنها تردّى ويكون الضمير للغائب الذي لا يؤمن بها واتبع هواه، وكلا المعنيين محتمل.
(٨) أهشّ: أسوق، وأصل الهش ضرب، ورق الشجر ليتساقط.
(٩) مآرب: جمع مأرب وهو الحاجة.
(١٠) تسعى: تجري أو تمشي بسرعة.
(١١) سنعيدها سيرتها الأولى: سنرجعها عصا كما كانت.
(١٢) جناحك: جانبك أو جيبك أو تحت عضدك.
(١٣) بيضاء من غير سوء: بيضاء من غير مرض أو برص.
تعليق على مدى السلسلة القصصية عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وما بعد ذلك والحلقة الأولى من هذه السلسلة.
الآيات حلقة من سلسلة قصصية طويلة في رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون. وما جرى له معه، وما كان من أمر بني إسرائيل بعد ذلك. وقد احتوت خبر مناداة الله سبحانه لموسى عليه السلام لأول مرة في وادي طوى المقدس، ومعجزتي انقلاب العصا إلى حية، وابيضاض يد موسى اللتين أظهرهما الله به في هذه المناداة. وأراد بذلك أن يريه بعض آياته الكبرى.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.
وحرف العطف الذي يعطف السلسلة على ما قبلها والسؤال الذي بدأت به موجها إلى النبي ﷺ يسوغان القول إن السلسلة جاءت كتعقيب على الآيات السابقة

صفحة رقم 190

التي احتوت تسلية وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد يكون من حكمة ذلك في مقامها ما احتوته السلسلة من مراحل رسالة موسى إلى فرعون وموقف فرعون، وملأه منها ليكون للنبي في ذلك الأسوة والتسلية. وبذلك يصح القول إن السلسلة كسائر القصص القرآنية لم ترد لذاتها وإنما وردت للتذكير والعبرة وضرب المثل.
على أن ما تخلل السلسلة من مواعظ وتلقينات وما أعقبها من تعقيب يربط بينها وبين الرسالة المحمدية ومواقف الكفار منها يجعل السلسلة غير قاصرة على تسلية النبي ﷺ وحمله على التأسي بل شاملة ليكون فيها العبرة والعظة وضرب المثل للمؤمنين والكفار معا.
ولقد ورد في سورة الأعراف السابقة النزول على هذه السورة سلسلة طويلة مثل هذه السلسلة في قصة رسالة موسى إلى فرعون وما كان من بني إسرائيل. غير أن في سلسلة سورة طه هذه أشياء لم ترد في تلك السلسلة حيث يمكن القول إن حكمة التنزيل التي اقتضت تكرار قصة رسالة موسى إلى فرعون وما كان من بني إسرائيل بعد ذلك لتجدد المناسبة اقتضت أن يكون في هذه السلسلة أشياء لم تكن في تلك حتى تتكامل نواحي القصة وما فيها من مواعظ وعبر.
وما ورد في الآيات التي نحن في صددها والتي هي الحلقة الأولى من السلسلة هو مطابق إجمالا لما ورد في الإصحاحين الثالث والرابع من سفر الخروج ثاني أسفار العهد القديم المتداول اليوم باستثناء اسم (طوى) وموضوع (الساعة) فإن ذلك لم يرد فيهما. ونعتقد أن ذلك مما كان متداولا في أوساط اليهود وواردا في بعض أسفارهم وقراطيسهم.
ولقد احتوى الإصحاحان المذكوران بيانات أوسع مما جاء في الآيات. ومن جملة ذلك أن المكان الذي رأى فيه موسى عليه السلام وناداه الله تعالى منه هو قرب جبل حوريب في البرية القريبة من مدين. والمتبادر أن ما ورد في الآيات هو ما اقتضت حكمة التنزيل إيراده من ذلك لتحقيق الهدف القرآني الذي هو الموعظة والتذكير دون السرد القصصي.

صفحة رقم 191

وهذا القول يطرد في كل ما جاء من قصص موسى وفرعون وبني إسرائيل وأنبيائهم. كما أنه يفسر تكرر هذه القصص وغيرها بأساليب وصيغ متنوعة في سور عديدة.
وفي كتب التفسير بيانات على هامش هذه الآيات معزوة إلى بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم من عرب ويهود مسلمين. فيها ما هو المتطابع مع ما جاء في الأسفار وما هو غير متطابق. ولم نر طائلا إلى إيرادها لأنها لا تتصل بهدف الآيات المذكورة. وإن كانت تدل على أن ما احتوته الآيات كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويكون في هذا دعما للهدف المذكور كما هو المتبادر. ولقد احتوت الحلقة توكيدا لبعض المبادئ والحقائق القرآنية التي وردت مرارا في السور القرآنية منها في السور التي مر تفسيرها. مثل تقرير وحدة الله عز وجل ووجوب عبادته وحده.
وحقيقة قيام الساعة وإخفاء الله لوقتها اختبارا للناس ليسعوا سعيهم فينالوا جزاءهم وفاقا له. ووجوب الإيمان بذلك وعدم الاستماع لوساوس المكذبين لها والمتبعين لأهوائهم لأن ذلك يؤدي إلى الخسران والهلاك. حيث يبدو من ذلك أن الآيات تهدف فيما تهدف إليه إلى إظهار التطابق بين هذه المبادئ والحقائق وبين ما وصّى الله به موسى عليه السلام من مثل ذلك وتوكيد وحدة المصدر الذي صدرت عنه تلك المبادئ والحقائق والوصايا. وقد تكررت الآيات التي هدفت إلى مثل هذا الهدف. ومن ذلك آية سورة الشورى هذه شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣).
ونلحظ أن الآيات هنا ذكرت انقلاب العصا إلى حية. في حين أن آيات سورة الأعراف ذكرت انقلابها إلى ثعبان. غير أن هذا الانقلاب كان أمام فرعون.
وانقلاب العصا إلى حية كان حين مناداة الله إياه. فالموقفان مختلفان. وقد قال الزمخشري وغيره مع ذلك إن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير

صفحة رقم 192
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية