
ب " أهلكنا ". وهذا القول هو الصحيح عند البصريين، لا يعمل ما قبل " كم " فيها خبراً كانت أو استفهاماً، إنما يعمل فيها عندهم ما بعدها، كأي في الاستفهام.
وكانت قريش تسافر إلى الشام، فيرون آثار عاد وثمود ومن هلك بكفره قبلهم وبعدهم، فحذرهم الله أن يصيبهم مثل ما عاينوا.
وقيل: التقدير: أفلم يهد لهم الأمر، بإهلاكنا من أهلكنا، فالفاعل مضمر.
وقال المبرد: الفاعل المصدر، ودل " يهدي " عليه، كأنه قال: يهدي الهدى.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النهى﴾.
أي: إن في ما يعاين هؤلاء من مساكن القرون الهالكة التي كذبت رسلها قبلهم لدلالات وعبراً ومواعظ لأولى القعول.
وقال ابن عباس: ﴿لأُوْلِي النهى﴾: لأولي التقى.
وقال قتادة: لأولي الورع.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ إلى قوله: ﴿خَيْرٌ وأبقى﴾.

أي: ولولا أن الله قدر أن كل من قضى له أجلاً، فإنه لا يحترمه قبل بلوغ ذلك الوقت، والأجل المسمى " لكان لزاماً " أي: لكان العذاب لزاماً لهم.
وقيل: المعنى: لولا أنه قد سبق في علم الله تأخير عذاب هذه الأمة إلى يوم القيامة لكان العذاب لازماً لهم على كفرهم.
وقل: معنى: ﴿كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ أي: أنه لا يعذبهم حتى يبلغوا آجالهم.
ومعنى: ﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ هو يوم القيامة.
وقال مجاهد: " الأجل المسمى هو الدنيا.
وقال قتادة: الأجل المسمى، الساعة، يقول الله تعالى: ﴿بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ﴾ [القمر: ٤٦].
قال ابن عباس: " لكان لزاماً " لكان موتاً.
وقال ابن زيد: اللزام: القتل.
ثم قال: ﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾.
أي: اصبر يا محمد على قول هؤلاء المكذبين بآيات الله بأنك ساحر وأنك مجنون، وأنك شاعر، ونحو ذلك.
ثم قال: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾.

وقال ابن عباس: هي الصلاة المكتوبة أي: وصَلِّ بثنائك على ربك.
وقيل: قوله: ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ معناه: بحمدك ربك، وقوله: ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشمس﴾ يعني بعد صلاة الصبح وقيل غروبها، صلاة العصر وقوله: ﴿وَمِنْ آنَآءِ الليل﴾ أي: ومن ساعات الليل فسبح، يريد صلاة العشاء الآخرة. وأطراف النهار يعني: صلاة الظهر والمغرب لأن صلاة الظهر في آخر طرف النهار الأول وفي أول طرف النهار الآخر فهي في طرفين منه، والطرف الثالث غروب الشمس، وعند ذلك تصلي المغرب، فلذلك قيل أطراف النهار، لأن النهار أربعة أطراف، عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند زوال الشمس وعند وقوفها للزوال.
وقيل: إنه جمع في موضع تثنية. كما قال: فقد صغت قلوبكما.
وقيل: قوله ﴿وَمِنْ آنَآءِ الليل﴾ أوله وأوسطه وآخره قاله الحسن: يعني: به النافلة.
وقال ابن عباس: " هو جوف الليل ".

وقوله: ﴿لَعَلَّكَ ترضى﴾ أي: في الآخرة. ولعل من الله واجبة.
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾.
أي: لا تنظر يا محمد إلى ما جعلناه لهؤلاء المعرضين عن آيات الله وأشكالهم من متعة متعوا بها في الدنيا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أي: لنختبرهم فيما متعناهم به.
وروي أن النبي ﷺ مر على إبل لبعض العرب قد سمنت فتقنع ثم مر ولم ينظر إليها، لقول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ...﴾ الآية.
" وزهرة " منصوبة بمعنى: متعنا، لأن " متعنا " بمعنى: جعلنا، أي: جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى﴾.
أي: وعده لك بما يعطيك في الآخرة خير لك " وأبقى " أي: " وأدوم ":.
ويروى أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ من قبل أنه بعث إلى يهدي يستسلف منه طعاماً، فأبى أن يسلفه إلا برهن فحزِن النبي لذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا﴾ الآية، ونزلت ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم * لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [الحجر: ٨٧ - ٨٨] الآية.
وقوله: ﴿زَهْرَةَ الحياة الدنيا﴾ يعني: زينتها.