آيات من القرآن الكريم

وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﱿ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ

(وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه) أي وهكذا نعاقب من أسرف، فعصى ربه ولم يؤمن برسله وكتبه، فنجعل له معيشة ضنكا.
أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس أنه قال فى الآية: يقول كل مال أعطيته عبدا من عبادى قلّ أو كثر لا يتقينى فيه فلا خير فيه وهو الضنك فى المعيشة.
وعن عكرمة ومالك بن دينار نحوه، وقيل إن تلك المعيشة له فى القبر بأن يعذّب فيه، وقد روى ذلك عن جماعة منهم ابن مسعود وأبو سعيد الخدرىّ ومجاهد، وروى ذلك مرفوعا أيضا
فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن حبّان وابن مردويه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «المؤمن فى قبره فى روضة خضراء، ويرحب له قبره سبعين ذراعا، ويضىء حتى يكون كالقمر ليلة البدر، وهل تدرون فيم أنزلت (فإن له معيشة ضنكا) ؟ قالوا: الله ورسوله اعلم، قال عذاب الكافر فى قبره يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا، هل تدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رءوس يخدشونه ويلسعونه وينفخون فى جسمه إلى يوم يبعثون».
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد قال: المعيشة الضنك فى النار شوك وزقّوم وغسلين وضريع، وليس فى القبر ولا فى الدنيا معيشة، وما المعيشة والحياة إلا فى الآخرة.
(ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) أي ولعذاب الآخرة فى النار أشد مما نعذبهم به فى الدنيا وأكثر بقاء، لأنه لا أمد له ولا نهاية.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٢٨ الى ١٣٢]
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)

صفحة رقم 162

تفسير المفردات
أفلم يهد لهم: أي أفلم يبيّن لهم العبر، لأولى النهى: أي لذوى العقول الراجحة لزاما: أي لازما لهم لا يتأخر عنهم، فسبح بحمد ربك: أي اشتغل بتنزيه الله وتعظيمه آناء الليل: ساعاته واحدها إنى وإنو (بكسر الهمزة وسكون النون) ولا تمدن عينيك:
أي لا تطيلن النظر رغبة واستحسانا، متعنا: أي جعلناهم يتلذذون بما يدركون من المناظر الحسنة، ويسمعون من الأصوات المطربة، ويشمّون من الروائح الطيبة، أزواجا: أي أشكالا وأشباها، زهرة الحياة الدنيا: أي زينتها وبهجتها، لنفتنهم: أي لنبتليهم ونختبرهم، ورزق ربك: أي ما ادّخره لك، واصطبر عليها: أي دم عليها.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه حال من أعرض عن ذكر الله فى الآخرة بقوله: ونحشره يوم القيامة أعمى- أتبعه بما يكون عبرة للمشركين لو تفكروا فيه، وهو ما نزل بالمكذبين بالرسل ممن قبلهم من الأمم الذين يمرون بديارهم بكرة وعشيا كقوم عاد وثمود، وكيف أصبحت ديارهم خرابا بلقعا ليس فيها ديّار ولا نافخ نار، ثم بين أنه لولا سبق الكلمة بتأخير عذابهم إلى أجل مسمى لحاق بهم مثل ما حاق بمن قبلهم، ثم أمر رسوله بالصبر على ما يسمونه به من نحو قولهم: إنه ساحر، وإنه شاعر، وإنه مجنون وعدم المبالاة بمقالتهم، وعليه أن يكثر من التسبيح وعبادة ربه آناء الليل وأطراف النهار ولا يلتفت إلى شىء مما متّع به الكفار من زهرة الدنيا التي أوتيت

صفحة رقم 163

لهم لتكون ابتلاء واختبارا، وما عند الله خير منها وأبقى، ثم طلب إليه أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من واسع فضله، وعظيم عطائه، والعاقبة لمن اتقى: «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض».
الإيضاح
(أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم؟) أي أفلم يرشدهم إلى وجه العبر، إهلاكنا كثيرا من الأمم الماضية، والقرون الغابرة، التي يمرون عليها مصبحين وبالليل كعاد وثمود الذين يشاهدون آثارهم العظيمة الدالة على ما كانوا عليه من النعيم ثم ما حلّ بهم من صنوف البلاء، فيتعظوا ويعتبروا ويؤمنوا بالله ورسوله خوف أن يصيبهم بكفرهم مثل ما أصاب هؤلاء السابقين.
وللمشاهدة من العبرة ما ليس لغيرها فقد قالوا «ليس الخبر كالخبر» وقالوا:
«ما راء كمن سمع».
وخلاصة ذلك- إن فى مشاهدة ما حصل للأمم الماضية، ورؤية آثارها البائدة التي يمرون عليها فى رحلاتهم فى الصيف لعبرة وزاجرا لهم لو كانوا يعقلون.
ثم علل هذا الزجر والإنكار بقوله:
(إن فى ذلك لآيات لأولى النهى) أي إن فيما يعاين هؤلاء ويرون من آثار وقائعنا بالأمم المكذبة لرسلنا وحلول المثلات بهم لكفرهم بربهم- لعبرا وعظات لأرباب الحجا الدين ينهاهم دينهم، ويؤنّهم عقلهم، من مواقعة ما يضرهم.
ولما هدد المشركين بالهلاك كهلاك المكذبين من الماضين، ذكر سبب تأخير ذلك عنهم فقال:
(ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) أي ولولا الكلمة النافذة التي سبقت منا فى الأزل، وهى أن أمة محمد- وإن كذبوا- سيؤخر عذابهم

صفحة رقم 164

ولا يفعل بهم ما فعل بغيرهم من عذاب الاستئصال، كما قال: «بل الساعة موعدهم» لعجّل لهم العذاب كفاء ما قاموا به من تكذيب الرسول وإيذائه.
وقد جعل العلماء من الحكمة فى تأخير العذاب أنه ربما تاب بعضهم أو خرج من أصلاب بعضهم من يؤمن، فيكون فى ذلك إكرام لنبيّه، ورحمة لأمته، وتكثير لسواد أتباعه، وإلى ذلك
أشار صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلىّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا».
وبعد أن أخبر سبحانه بأنه لا يهلك أحدا قبل استيفاء أجله- أمره بالصبر على ما يقولون فقال:
(فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار) أي فاصبر أيها الرسول على ما يقول هؤلاء المكذبون بآيات الله من نحو قولهم: إنك لساحر، وإنك لمجنون، وإنك لشاعر، واشتغل بتنزيه الله تعالى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وفى ساعات الليل المختلفة وفى أطراف النهار، والمراد من مثل ذلك عموم الأوقات،
وفى صحيح مسلم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لن يلج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها».
وفى الصحيحين وغيرهما من حديث جرير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا وقرأ هذه الآية».
وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى يا بن آدم تفرّغ لعبادتى أملأ صدرك غنى وأسدّ فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك».
وعن زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كانت الدنيا همه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له».

صفحة رقم 165

(لعلك ترضى) أي سبحه رجاء أن تنال عنده تعالى ما ترضى به نفسك من الثواب ونحو الآية قوله تعالى: «ولسوف يعطيك ربك فترضى»
وفى الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله تعالى: يا أهل الجنة فيقولون: لبّيك ربنا وسعديك، فيقول هل رضيتم؟ فيقولون ربنا ومالنا لا ترضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول إنى أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون وأىّ شىء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا»
ولما صبّر رسوله على ما يقولون وأمره بالتسبيح- أتبع ذلك بنهيه عن مدّ عينيه إلى ما متّعوا به من زينة الدنيا فقال:
(ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) أي ولا تطل النظر استحسانا ورغبة فيما متّع به هؤلاء المترفون من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة، نختبرهم بها، ونعلم هل يؤدون شكرها أو تكون وبالا عليهم ونكالا لهم، وقد آتاك ربك خيرا مما آتاهم، فرضاه خير وأبقى كما قال: «ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم».
وخلاصة هذا- التنفير من الانهماك فى التمتع بزهرة الدنيا لسوء عاقبتها.
وبعد أن أمر الله نبيه بتزكية النفس أمره أن يأمر أهله بالصلاة فقال:
(وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) أي وأمر أهلك أيها الرسول بالصلاة، وحافظ أنت عليها فعلا، فإن الوعظ بالفعل أشد أثرا منه بالقول كما قال:

صفحة رقم 166

وإنا إنما نريد منك ومنهم العبادة والتقوى، ولا نطلب منك رزقا كما تطلب السادة من عبيدهم الخراج- والعاقبة الجميلة لمن اتقى الله وأطاعه، فإن ما عندهم ينقطع، وما عند الله دائم لا يفنى كما قال: «ما عندكم ينفد وما عند الله باق».
والخلاصة- داوم على الصلاة، لا نكلفك مالا، بل نكلفك عملا نؤتيك عليه أجرا عظيما وثوابا جزيلا، ونحن نعطيك المال ونكسبكه ولا نسألكه، والعاقبة الصالحة لأهل الخشية والتقوى، لا لمن لا يخاف عقابا ولا يرجو ثوابا كما قال: «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» وقال: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».
عن أبى رافع قال: «نزل ضيف برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن عنده ما يصلحه فأرسلنى إلى رجل من اليهود أن بعنا أو أسلفنا دقيقا إلى هلال رجب، فقال لا إلا برهن، فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته فقال أما والله إنى لأمين فى السماء أمين فى الأرض، ولئن أسلفنى أو باعني لأدّيت إليه، اذهب بدرعي الحديد، فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية كأنه يعزيه عن الدنيا» أخرجه البزار وأبو يعلى وابن أبى شيبة فى جماعة آخرين.
وأخرج ابن المنذر والطبراني وأبو نعيم فى الحلية عن عبد الله بن سلام قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا: وأمر أهلك بالصلاة.
وأخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب يصلى من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلى حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية.

صفحة رقم 167
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
يا أيها الرجل المعلم غيره هلّا لنفسك كان ذا التعليم