آيات من القرآن الكريم

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

يخرج الناس من أجداثهم مهرولين «يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ» الملك الذي يدعو الناس الى موقف الحشر فيسلكون وراءه طريقا «لا عِوَجَ لَهُ» فلا يزيغون عنه قيد شعرة يمينا ولا شمالا ولا يلوون على شيء أبدا تراهم كلهم سراعا مستوين «وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ» هناك وذلت الأنفس وخضعت الجوارح «لِلرَّحْمنِ» الذي وسعت رحمته من في السموات والأرض «فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً» ١٠٨ أصواتا دقيقة رقيقة في غاية الخفاء، وتراهم من شدة الفزع وهيبة الموقف قد سكنت أصواتهم وضعفت قوتهم «يَوْمَئِذٍ» في ذلك اليوم المهيب يلتمسون من يلوذون به ليشفع لهم ولكن «لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ» لأحد ما، من أحد ما «إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا» ١٠٩ بذلك فهذا الصنف الجليل يشفع بإذن الله لمن يأذن له بشفاعته فالذي يأذن هو الله الذي «يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» ما تقدم من أعمالهم الشافعين والمشفوع لهم وما تأخر وما استهلكوه في حياتهم وما خلفوه لاولادهم فانه جل وعلا يحاسبهم على ذلك كله لأنه محيط بهم كمحاسبة رجل واحد مثل طرف العين وهو عالم بما وقع منهم على الانفراد «وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً» ١١٠ أي لا يحيط علم الشافعين والمشفوع لهم بمعلومات الله الشاملة كما في الآية ٩٨ المارة
«وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ» خضعت وذلت الخلق أجمع، وهذا من إطلاق الجزء وارادة الكل، ويسمى الأسير عانيا لذلته، ومعنى القيوم القائم على كل نفس بما كسبت في دنياها لأنه حيّ حياة أبدية لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه وهم سائرون تحت مراقبته في هذه الدنيا، ويوم القيامة يختص بالملك والقهر فتظهر إذ ذاك على الوجوه علائم السرور وإمارات الشرور «وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً» ١١١ في ذلك اليوم الذي يقول الله فيه على ملأ الأشهاد لمن الملك اليوم؟ فيسكت جميع الخلق ويحجبون حتى من التنفس فلا يستطيع أحد أن يحرك شفتيه، ثم يقول ملك الملوك عزّت قدرته وتعالت عظمته: لله الواحد القهار الآية ١٦ من سورة المؤمن في ج ٢ ويقول جل قوله «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» بالله

صفحة رقم 220

وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر في دار دنياه «فَلا يَخافُ ظُلْماً» من أحد ولا نقصا من ثوابه على عمله الصالح ولا زيادة في عقابه على عمله السيء «وَلا هَضْماً» ١١٢ لشيء مما يستحقه من الخير أو الحسن، بل يأخذه وافيا مضاعفا «وَكَذلِكَ» عطف على كذلك نقصّ أي كما أنزلنا على الرسل قبلك كتبا مقدسة «أَنْزَلْناهُ» هذا القرآن عليك وجعلناه «قُرْآناً عَرَبِيًّا» بلغتك ولغة قومك ليفهموه ويقفوا على ما فيه من النظم المعجز الدال على كونه خارجا عن طوق البشر منزلا من ربهم «وَصَرَّفْنا» كررنا «فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ» بالأمور المخوفة كما كررنا فيه من الوعد بالأشياء المفرحة «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» الشرك ويجتنبون المحارم «أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً» ١١٣ يجدوا لهم ما يوقظهم من غفلتهم ويزيد في اعتبارهم عند سماع أسباب إهلاك من قبلهم اعتبارا يؤدي الى التقوى ويرغب في الطاعة والاقتصار على التمسك بما أحل لهم والسلوك الى توحيد الله «فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ» عما يقول الجاحدون علوا كبيرا، ثم التفت إلى رسوله ﷺ إذ علم وهو عالم من قبل أنه يبادر جبريل عليه السلام حين يلقي اليه الوحي فيقرأه معه قبل أن يفرع من قراءته عليه لشدة حرصه على حفظه، وقال «وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ» حين انزاله عليك فتقرأه «مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ» من قبل أميننا جبريل بل اصطبر حتى يفرغ من تلاوته عليك، ثم أقرأ أنت «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ١١٤ به وفهما بمعانيه وحفظا بمبانيه، وذلك أن الله تعالى تكفل له بحفظه راجع الآية ٦٧ من سورة القيامة المارة والآية ١٠ من سورة الحجر من ج ٢ وإنما فعل حضرة الرسول هذا مع علمه بتكفيل الله تعالى له بحفظه وقراءته زيادة في حرصه عليه خشية النسيان عند الحاجة لبعض الآيات، ولهذه المناسبة ذكره الله تعالى ما وقع لآدم عليه السلام بقوله «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ» عهدنا لقومك في عالم الذّر الذي نقضوه ولم يحافظوا عليه بأن لا يأكل من الشجرة التي عيّناها له فأكل منها إنه نسى العهد الذي أخذناه وغفل عنه بتقديرنا عليه من الأزل، وأما

صفحة رقم 221

أنت يا حبيبي فلا تخش النسيان لما نوحيه إليك لأنك محفوظ منه في هذا الشأن كما هو ثابت لك في الأزل، وفي هذه الآية إشارة إلى قوله تعالى «وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ» الآية ١١٣ المارة، أي أنا كررنا الوعيد لهؤلاء الجاحدين ذلك العهد لعلهم يرجعون اليه، فلم يفعلوا ولم يلتفوا اليه ونسوه. هذا وما قيل إن في هذا غضاضة في مقام آدم عليه السلام إذ جعلت قصته مثلا للجاحدين، قيل لا مبرر له، إذ لا يشترط أن يكون المشبه كالمشبه به من كل وجه، ألا ترى أن الأصحاب لما قالوا لحضرة الرسول كيف نصلي عليك يا رسول الله قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم إلخ... ، فهل يتصور أن إبراهيم أفضل من محمد وأن آل إبراهيم أفضل من آل محمد؟ كلا، لهذا فلا معنى لهذا القيل وقائله، والتفسير على هذا الوجه هو الموافق لنفس الأمر لمناسبة السياق والسباق والله أعلم «فَنَسِيَ» آدم ذلك العهد وأكل من الشجرة، وقيل في المعنى.
يا أكثر الناس إحسانا الى الناس... يا أحسن الخلق إعراضا عن الناس
نسيت وعدك والنسيان مغتفر... فاغفر فأول ناس أول الناس
هذا وأن النسيان لا يوأخذ عليه بشريعتنا قال صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي ثلاث الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ولعله هو من خصائص هذه الأمّة بدليل قوله رفع بما يدل على أن الأمم قبل محمد ﷺ يؤاخذون على ذلك كله، وأن هذه الآية خصت بالعفو عنها، إذ ما عموم إلّا وخصص، وقد خص الأنبياء بالمؤاخذة على أشياء لم تؤاخذ بها أممهم، ورحم الله القائل حسنات الأبرار سيئات المقربين «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» ١١٥ ثباتا وحزما على ما عهدنا به اليه، ولو صبر عما نهى عنه لكان من أولي العزم ولكن لم يرد الله منه ذلك، بل أراد ما وقع كما وقع «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى» ١١٦ عن السجود راجع قصّته في الآية ١١ من الأعراف المارة (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) حسدا منه على ما أنعمنا به عليك فتحذر منه «فَلا يُخْرِجَنَّكُما

صفحة رقم 222
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية