آيات من القرآن الكريم

يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

الْقُرْآنُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وِزْراً قَالَ: إِثْمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا يَقُولُ: بِئْسَ مَا حَمَلُوا.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٠٢ الى ١١٢]
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً (١٠٦)
لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢)
الظرف هو يَوْمَ يُنْفَخُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ هُوَ اذْكُرْ، وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُنْفَخُ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو عَمْرٍو عَلَى قِرَاءَتِهِ هَذِهِ بِقَوْلِهِ: وَنَحْشُرُ فَإِنَّهُ بِالنُّونِ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ يُنْفَخُ بِالتَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْ إِسْرَافِيلُ، وَقَرَأَ أَبُو عِيَاضٍ فِي الصُّورِ بِفَتْحِ الْوَاوِ، جَمْعُ صُورَةٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَقَرَأَ طَلْحَةَ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْحَسَنُ يُحْشَرُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مبنيا للمفعول، ورفع «المجرمون» وَهُوَ خِلَافُ رَسْمِ الْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي الْأَنْعَامِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُجْرِمِينَ الْمُشْرِكُونَ وَالْعُصَاةُ الْمَأْخُوذُونَ بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي لَمْ يَغْفِرْهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِ يَوْمَئِذٍ يَوْمُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ، وَانْتِصَابُ زُرْقًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، أَيْ: زُرْقَ الْعُيُونِ، وَالزُّرْقَةُ: الْخُضْرَةُ فِي الْعَيْنِ كَعَيْنِ السِّنَّوْرِ، وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِزُرْقَةِ العين، وقال الفرّاء زُرْقاً: أي عميا. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: عِطَاشًا، وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ لِأَنَّ سَوَادَ الْعَيْنِ يَتَغَيَّرُ بِالْعَطَشِ إِلَى الزُّرْقَةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَنَّى بِقَوْلِهِ زُرْقًا عَنِ الطَّمَعِ الْكَاذِبِ إِذَا تَعَقَّبَتْهُ الْخَيْبَةُ، وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شخوص البصر من شدّة الخوف، ومنه قول الشاعر:

لقد زرقت عيناك يا ابن مُعَكْبَرٍ كَمَا كُلُّ ضَبِيٍّ مِنَ اللُّؤْمِ أَزْرَقٌ
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا «١» مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ حَالَاتٍ وَمَوَاطِنَ تَخْتَلِفُ فِيهَا صِفَاتُهُمْ، وَيَتَنَوَّعُ عِنْدَهَا عَذَابُهُمْ، وَجُمْلَةُ يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ مَا هُمْ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْخَفْتُ فِي اللُّغَةِ: السُّكُونُ، ثُمَّ قِيلَ لِمَنْ خَفَضَ صَوْتَهُ: خَفَتَهُ. وَالْمَعْنَى يَتَسَارَرُونَ، أَيْ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سِرًّا إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً أَيْ: مَا لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عَشْرَ لَيَالٍ، وَقِيلَ: فِي الْقُبُورِ، وقيل: بين النفختين.
والمعنى: أنهم يستقصرون مُدَّةَ مَقَامِهِمْ فِي الدُّنْيَا، أَوْ فِي الْقُبُورِ، أَوْ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ لِشِدَّةِ مَا يَرَوْنَ مِنْ أهوال
(١). الإسراء: ٩٧.

صفحة رقم 455

الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَشْرِ عَشْرُ سَاعَاتٍ. ثُمَّ لَمَّا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أَيْ: أَعْدَلُهُمْ قَوْلًا، وَأَكْمَلُهُمْ رَأْيًا، وَأَعْلَمُهُمْ عِنْدَ نَفْسِهِ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً أَيْ: مَا لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، وَنِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى أَمْثَلِهِمْ لِكَوْنِهِ أَدَلَّ عَلَى شِدَّةِ الهول، لا لكونه أقرب إلى الصدق وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ أَيْ: عَنْ حَالِ الْجِبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ كَانُوا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ذَلِكَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ:
يَقْلَعُهَا قَلْعًا مِنْ أُصُولِهَا، ثُمَّ يُصَيِّرُهَا رَمْلًا يَسِيلُ سَيْلًا، ثُمَّ يُسَيِّرُهَا كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ تُطَيِّرُهَا الرِّيَاحُ هَكَذَا وَهَكَذَا، ثُمَّ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَقُلْ لجواب شَرْطٌ مُقَدَّرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ سَأَلُوكَ فَقُلْ، أَوْ لِلْمُسَارَعَةِ إِلَى إِلْزَامِ السَّائِلِينَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَيَذَرُها رَاجِعٌ إِلَى الْجِبَالِ بِاعْتِبَارِ مَوَاضِعِهَا، أَيْ:
فَيَذْرُ مَوَاضِعَهَا بَعْدَ نَسْفِ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الْجِبَالِ قَاعًا صَفْصَفاً قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: القاع الصفصف:
الأرض الملساء بلا نبات ولا بناء، وقال الفراء: القاع: مستنقع الماء، والصفصف: القرعاء الْمَلْسَاءُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَاعُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ: أَقْوُعٌ وَأَقْوَاعٌ وَقِيعَانٌ. وَالظَّاهِرُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقَاعَ: الْمَوْضِعُ الْمُنْكَشِفُ، وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي الْأَمْلَسُ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

وَكَمْ دُونَ بَيْتِكَ مِنْ صَفْصَفٍ وَدَكْدَاكِ رَمْلٍ وَأَعْقَادِهَا «١»
وَانْتِصَابُ قَاعًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَذْرُ عَلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى التَّصْيِيرِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ، وَالصَّفْصَفُ صِفَةٌ لَهُ، وَمَحَلُّ لَا تَرى فِيها عِوَجاً النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِقَاعًا، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْجِبَالِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، وَالْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ التَّعَوُّجُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَالْأَمْتُ: التِّلَالُ الصِّغَارُ، وَالْأَمْتُ فِي اللُّغَةِ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، وَقِيلَ: الْعِوَجُ: الْمَيْلُ، وَالْأَمْتُ: الْأَثَرُ، مِثْلُ الشِّرَاكِ، وَقِيلَ: الْعِوَجُ: الْوَادِي، وَالْأَمْتُ: الرَّابِيَةُ، وَقِيلَ:
هما الارتفاع، وقيل: العوج: الصدوع، وَالْأَمْتُ: الْأَكَمَةُ، وَقِيلَ: الْأَمْتُ: الشُّقُوقُ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ:
الْأَمْتُ: أَنْ يَغْلُظَ فِي مَكَانٍ وَيَدِقَّ فِي مَكَانٍ، وَوَصَفُ مَوَاضِعِ الْجِبَالِ بِالْعِوَجِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ هَاهُنَا يَدْفَعُ مَا يُقَالُ:
إِنَّ الْعِوَجَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي وَبِفَتْحِهَا فِي الْأَعْيَانِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ لِذَلِكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا عَنْهُ غِنًى، وَفِي غَيْرِهِ سَعَةٌ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ أَيْ: يَوْمَ نَسْفِ الْجِبَالِ يَتَّبِعُ النَّاسُ دَاعِيَ اللَّهِ إِلَى الْمَحْشَرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَعْنِي صَوْتَ الْحَشْرِ، وَقِيلَ: الدَّاعِي هُوَ إِسْرَافِيلُ إِذَا نَفَخَ فِي الصُّورِ لَا عِوَجَ لَهُ، أَيْ: لَا مَعْدِلَ لَهُمْ عَنْ دُعَائِهِ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَزِيغُوا عَنْهُ، أَوْ يَنْحَرِفُوا مِنْهُ، بَلْ يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ، كَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: لَا عِوَجَ لِدُعَائِهِ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ أَيْ: خَضَعَتْ لهيبته، وقيل:
ذلت، وقيل: سكتت، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرُ:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ سُورُ الْمَدِينَةِ والجبال الخشّع
(١). البيت للأعشى.
«الدكداك» : الرمل المستوي. «الأعقاد» : المنعقد من الرمل المتراكب.

صفحة رقم 456

فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً الْهَمْسُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ صَوْتُ نَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى الْمَحْشَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرُ:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا يَعْنِي صَوْتَ أَخْفَافِ الْإِبِلِ.
وَقَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ نَفْسَهُ:

لَيْثٌ يَدُقُّ الْأَسَدَ الْهَمُوسَا والأقهبين «١» الْفِيلَ وَالْجَامُوسَا
يُقَالُ لِلْأُسْدِ: الْهَمُوسُ، لِأَنَّهُ يَهْمِسُ في الظلمة، أي: يطأ وطأ خفيا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا كُلُّ صَوْتٍ خَفِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقَدَمِ، أَوْ مِنَ الْفَمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «فَلَا يَنْطِقُونَ إِلَّا هَمْسًا» يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ أَيْ: يَوْمَ يَقَعُ مَا ذَكَرَ لَا تنفع الشفاعة من شافع كائنا من كَانَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ أَيْ: إِلَّا شَفَاعَةَ مِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا أَيْ: رَضِيَ قَوْلَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، أَوْ رَضِيَ لِأَجْلِهِ قَوْلَ الشَّافِعِ. وَالْمَعْنَى: إِنَّمَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ فِي أَنْ يُشْفَعَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ قَوْلٌ يُرْضَى، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى «٢»، وَقَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً «٣»، وقوله: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ «٤». يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أَيْ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ، وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَالْمُرَادُ هُنَا جَمِيعُ الْخَلْقِ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، أَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَعْبُدَهَا أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهَا وَمَا خَلْفَهَا وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً أَيْ: بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ، لَا تُحِيطُ عُلُومُهُمْ بِذَاتِهِ، وَلَا بِصِفَاتِهِ، وَلَا بِمَعْلُومَاتِهِ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ أَيْ: ذَلَّتْ وَخَضَعَتْ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى عَنَتْ فِي اللُّغَةِ خَضَعَتْ، يقال:
عنا يَعْنُو عَنْوًا إِذَا خَضَعَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسِيرِ: عَانٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
مَلِيكٌ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوهُ وَتَسْجُدُ
وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْعَنَاءِ، بِمَعْنَى التَّعَبِ. وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً أَيْ: خَسِرَ مِنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ، وَقِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ أَيِ: الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ إِيمَانٍ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ فَلا يَخافُ ظُلْماً يُصَابُ بِهِ مِنْ نَقْصِ ثَوَابٍ فِي الْآخِرَةِ وَلا هَضْماً الْهَضْمُ: النَّقْصُ وَالْكَسْرُ، يُقَالُ هَضَمْتُ لَكَ مِنْ حَقِّي، أَيْ: حَطَطْتُهُ وَتَرَكْتُهُ، وَهَذَا يَهْضِمُ الطَّعَامَ، أَيْ: يُنْقِصُ ثِقَلَهُ، وَامْرَأَةٌ هَضِيمُ الْكَشْحِ، أَيْ: ضَامِرَةُ الْبَطْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَمُجَاهِدٌ «لَا يَخَفْ» بِالْجَزْمِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يَخافُ عَلَى الْخَبَرِ.
(١). سمّي الفيل والجاموس أقهبين للونهما وهو الغبرة.
(٢). الأنبياء: ٢٨.
(٣). مريم: ٨٧.
(٤). المدثر: ٤٨.

صفحة رقم 457

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ، فَقَالَ: رَأَيْتَ قَوْلَهُ: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً وَأُخْرَى عُمْياً «١» قَالَ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيهِ حَالَاتٌ يَكُونُونَ فِي حَالٍ زُرْقًا، وَفِي حَالٍ عُمْيًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ قَالَ: يَتَسَارَرُون. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شيبة وعبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً قَالَ: أَوْفَاهُمْ عَقْلًا، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: أَعْلَمُهُمْ في نفسه. وأخرج ابن المنذر وابن جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: كَيْفَ يَفْعَلُ رَبُّكَ بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً قَالَ: لَا نَبَاتَ فِيهِ لَا تَرى فِيها عِوَجاً قَالَ: وَادِيًا وَلا أَمْتاً قَالَ: رَابِيَةً. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: قَاعًا صَفْصَفاً لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هِيَ الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رَابِيَةٌ مُرْتَفِعَةٌ وَلَا انْخِفَاضٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِوَجاً قَالَ: مَيْلًا وَلا أَمْتاً قَالَ: الْأَمْتُ:
الْأَثَرُ، مِثْلُ الشِّرَاكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلْمَةٍ تَطْوِي السَّمَاءَ، وَتَتَنَاثَرُ النُّجُومُ، وَتَذْهَبُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَيُنَادِي مُنَادٍ فَيَتَّبِعُ الناس الصوت يؤمّونه، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي الْآيَةِ: قَالَ: لَا عِوَجَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ قال: سكتت فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً قَالَ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا هَمْساً قَالَ: صَوْتُ وَطْءِ الْأَقْدَامِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سِرُّ الْحَدِيثِ وَصَوْتُ الْأَقْدَامِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ قَالَ: ذَلَّتْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَشَعَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: خَضَعَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ: الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً قَالَ: شِرْكًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً قَالَ: شِرْكًا فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً قَالَ: ظُلْماً أَنْ يُزَادَ فِي سَيِّئَاتِهِ وَلا هَضْماً قَالَ: يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: لَا يَخَافُ أَنْ يُظْلَمَ فِي سَيِّئَاتِهِ، وَلَا يُهْضَمَ فِي حَسَنَاتِهِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ وَلا هَضْماً قَالَ:
غَصَبًا.

(١). هي في قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً [الإسراء: ٩٧].

صفحة رقم 458
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
الناشر
دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت
سنة النشر
1414
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية