
ولغيره؟
فالجواب: أنه جاء على حسب الدعوى: لأنهم قالوا: ﴿لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى﴾
قوله تعالى: ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً... ﴾
وفي سورة الجمعة ﴿وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً﴾ - قال ابن عرفة؛ إن كانا بمعنى واحد فلا سؤال. وإن كانت «لَن» أبلغ في النفي كما يقول الزمخشري: فلعل تلك الآية نزلت قبل هذه، فلم تقتض المبالغة فجاءت هذه تأسيسا.
قلت: قوله: «أبدا» دال على المبالغة، فقال: قد قالوا في قول الله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ إنه عبارة على طول الإقامة فقط، وأجاب أبو جعفر بن الزبير بأن آية البقرة لما كانت جوابا لأمر أخروي مستقبل وليس في الحال إلاّ زعم مجرد ناسبه النفي ب «لن» الموضوعة لنفي المستقبل لأن لَنْ يَفْعَلَ جواب سَيَفْعَل، وآية الجمعة جواب لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس، وهو حكم دنيوي ووصف حالي، فناسبه النفي ب «لا» التي ينفى بها المستقبل والحال،
ولم ينف ب «ما» الخاصة بالحال، لأنهم أرادوا أنهم أولياء الله مستمرون على ذلك إلى آخر حياتهم، فكذبوا بما ينفي ذلك.
قوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ... ﴾
قال الزمخشري: نكرة لأنها حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة.
قال ابن عرفة: فأريد بها (هنا) التعظيم والتهويل أو يقال: إنّه (نكرة) للتقليل أي يحرصون على الحياة القليلة فأحرى الكثيرة، فيكون من التنبيه بالأدنى على الأعلى، هذا أظهر وأدلّ على اختصاصهم بالحرص على الحياة وأبلغ، لكن ما بعده يدل على ما قاله الزمخشري.
قوله تعالى: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ... ﴾
قال بعض الطلبة: (لم يرد) (الحول معبرا عنه بالسنة إلا إذا كان فيه (الجدب والغلاء) قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَآءَالَ فِرْعَوْنَ بالسنين﴾ فهلا قيل: يودّ أحدهم لو يعمر ألف عام؟ فَأجاب ابن عرفة بأنهم (يختارون) الحياة على الموت
كيف ما كانت، وهو تنبيه على الأعلى بالأدنى، لأنّهم إذا تَمنّوا حياة ألف سنة مجدبة وفضلوها على الموت، فأحرى أن يفضلوا ألف عام.
قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ... ﴾
قال الزمخشرى! روي أنه كان (لعمر) أرض بأعلى المدينة وكان (ممرّه) على {مدارس) اليهود، فسألهم عن جبريل، فقالوا: ذلك عدوّ لنا يطلع محمدا على أسرارنا.

وقال ابن عطية: سبب نزول الآية أنّهم سألوا النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن أربعة أشياء (منها: أنهم) سألوه عمّن يجيئه من الملائكة بالوحي؟ فقال: جبريل. فقالوا: ذلك عدوّ لنا لأنه ملك الحروب والشدائد.
قال ابن عرفة: هدا جهل ومحض ومكابرة، ولقائل أن يقول: أن السبب غير مطابق للآية، لأنهم أخبروا أن جبريل عدو لهم، والآية اقتضت أنهم أعداء لجبريل، (ولا يلزم) من عداوة أحد الشخصين للاخر أن يكون الآخر عدوا له.
وأجيب بأن هذا خرج مخرج الوعيد لهم، لأن جبريل ذو قوة وسطوة، فإذا خالفوه ودافعوه مع علمهم بقوته فقد عادوه.
قال ابن عرفة؛ الظاهر أن «مَنْ» موصولة لأن الشرطية لا تقتضي وجود شرطها ولا إمكان وجوده، والعداوة ثابتة موجودة كما تقدم فهى موصولة.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف يصح قوله: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ﴾ جزاء للشرط؟
وأجاب بوجهين: أحدهما أنهم لو أنصفوا لشكروا جبريل على إنزاله كتابا ينفعهم ويصحح كتابهم.
الثاني إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزَّل عليك القرآن مصدقا لكتابهم.
قال ابن عرفة: إنما احتاج إلى هذا (السؤال) لأنه فهم أن الارتباط بين الشرط والجزاء لا يكون إلا لزوميا، وهو عند الأصوليين يكون لزوميا. ويكون اتفاقيا، لكنّه في محل الاستدلال لا يصح أن يكون الا لزوميا. وفي الخبر يصح فيه الأمران. (نعم لا بد من المناسبة وصحة ترّتبه على الشرط) كقولك: إن تكرم زيدا فقد أكرمه غيرك. فإنه لا ارتباط بينهما إلا في الزمان أو في الذّكر خاصة فهو اتّفاقي.
قلت: ولما ذكر ابن عرفة في الختمة الأخرى هذين الجوابين قال: أو يقال: إن في هذا ردا على من زعم أن جبريل غلط في الرسالة، وهي مسألة العتبية في كتاب المرتدين والمحاربين في رسم (يدير)
ماله من سماع ابن القاسم. قال: فيمن قال: إن جبريل أخطأ بالوحي وإنما كان النّبي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
ابن رشد: هذا كفر صريح فإن أعلنه استُتِيب، وأن أسرّه بلا استتابة كالزنديق.
قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ... ﴾
قيل لابن عرفة: يؤخذ منه تسمية بعض القرآن قرآنا لأنه لم يكن حينئذ أنزل جميعه بل بعضه؟ فقال: يجاب إما بإيقاع الماضي موقع المستقبل أو بأن الضمير في «نَزَّلَهُ»