آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

قتلوا الأسرى ولا يفادوهم، وإن أسر منهم أحد يأخذوهم بالفداء، فهذا معنى قوله تعالى:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أي عقوبة مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ خِزْىٌ فِي الحياة الدنيا، وهو إخراج بني النضير إلى الشام وقتل بني قريظة، وقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم. ثم أخبر بأن الذي أصابهم في الدنيا من الخزي والعقوبة لم يكن كفارة لذنوبهم ولكنهم: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ، أي في الآخرة إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ. ويقال: الخزي في الدنيا الجزية.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، أي لا يخفى على الله تعالى من أعمالهم شيء، فيجازون بأعمالهم. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، يعني اختاروا الدنيا على الآخرة فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ، أي ليس لهم مانع يمنعهم من عذاب الله تعالى في الآخرة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٨٧]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ، أي أعطينا موسى التوراة جملة واحدة ويقال: الألواح وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ، أي أتبعنا وأردفنا، معناه: أرسلنا رسولاً على أثر رسول. يقال:
قفوت الرجل إذا ذهبت في أثره. وَآتَيْنا أي أعطينا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ، أي الآيات والعلامات مثل: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ. قرأ ابن كثير الْقُدُسِ بسكون الدال، وقرأ الباقون الْقُدُسِ برفع الدال ومعناهما واحد، أي إغاثة بجبريل حين أرادوا قتله فرفعه إلى السماء. وقال بعضهم: أيدناه أي قويناه وأعناه باسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى.
أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ يقول: بما لا يوافق هواكم اسْتَكْبَرْتُمْ، تعظمتم عن الإيمان. قال الزجاج: معناه أنفتم أن تكونوا له أتباعاً. لأنهم كانت لهم رئاسة وكانوا متبوعين، فلم يؤمنوا مخافة أن تذهب عنهم الرياسة. فقال تعالى: فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ، مثل عيسى ابن مريم ومحمد- صلى الله عليهم وعلى جميع الأنبياء وسلم- وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ، مثل يحيى وزكريا عليهما السلام.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٨ الى ٩٠]
وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)

صفحة رقم 71

وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ، قرأ ابن عباس غُلْفٌ بضم اللام وهي قراءة شاذة. والباقون بسكون اللام، أي ذو (غلْف) يعني ذو غلاف، والواحد أغلف مثل: أحمر وحمر. ومعناه:
أنهم يقولون قلوبنا في غطاء من قولك ولا نفقه حديثك. وهذا كما قال في آية أخرى وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ [فصلت: ٥]. وأما من قرأ غُلْفٌ فهو جماعة الغلاف على ميزان حمار وحمر. يعنون أن قلوبنا أوعية لكل علم ولا نفقه حديثك، فلو كنت نبياً لفهمنا قولك. قال الله تعالى رداً لقولهم: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أي خذلهم الله وطردهم مجازاة لكفرهم. فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ، صار نصباً لأنه قدم المفعول. وقال بعضهم: معناه لا يؤمنون إلا القليل منهم، مثل عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال بعضهم: إيمانهم بالله قليلاً، لأنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. وقال بعضهم: معناه أنهم لا يؤمنون، كما قال: فلان قليل الخير يعني لا خير فيه.
ثم قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي حين جاءهم القرآن مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ، أي موافقاً للتوراة في التوحيد، وفي بعض الشرائع. ويقال: مصدق لما معهم، يعني يدعوهم إلى تصديق ما معهم، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بالتوراة. وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، أي من قبل مجيء محمد ﷺ كانوا يستنصرون على المشركين، لأن بني قريظة والنضير قد وجدوا نعته في كتبهم فخرجوا من الشام إلى المدينة، ونزلوا بقربها ينتظرون خروجه. وكانوا إذا قاتلوا من يلونهم من المشركين- مشركي العرب- يستفتحون عليهم، أي يستنصرون ويقولون: اللهم ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك وبكتابك الذي تنزل عليه الذي وعدتنا- وكانوا يرجون أن يكون منهم- فينصروا على عدوهم، فذلك قوله تعالى:
وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، أي باسم النبيّ صلّى الله عليه وسلم فَلَمَّا جاءَهُمْ مَّا عَرَفُوا، أي محمد ﷺ وعرفوه كَفَرُوا بِهِ وغيّروا نعته مخافة أن تزول عنهم منفعة الدنيا.
كما قال تعالى: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ، أي سخط الله وعذابه على الجاحدين محمدا ﷺ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ. قال الكلبي: بئسما باعوا به أنفسهم من الهدايا بكتمان صفة محمد صلى الله عليه وسلم. ويقال: بئسما صنعوا بأنفسهم حيث كفروا بما أنزل الله عليهم، بعد ما كانوا

صفحة رقم 72
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية