آيات من القرآن الكريم

بَلَىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

(بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ) فتضمن الإجابة على قولهم ورده، والإضراب عنه، فالمعنى: تبين كلامكم، وهو باطل مخالف لما شرعه الله سبحانه وتعالى من عقاب وثواب أنه للأعمال من غير نظر إلى الذوات، بل الجميع على سواء أمام الله سبحانه وتعالى، في الجزاء إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وذكر العقاب في الرد دون الثواب، - لأنهم اجترءوا على الله تعالى فخالفوه، وكفروا بنعمه، وعصوه ظاهرًا وباطنا فقال: (من كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتهُ).
الكسب العمل الذي يصير حالا ثابتة قائمة مستمرة، فمن عمل خطأ لَا يقال إنه كسبه، ومن عمل إثما عن جهالة وضلالة ثم تاب من قريب لَا يقال إنه كسبه، إنما

صفحة رقم 286

يقال إنه كسبه إذا عمل قاصدًا مستمرا، حتى يكون له مجرى في قلبه، وينكت فيه نكتا سوداء، فهذا هو الذي يقال له كسب السيئة، والسيئة فيعلة من ساء يسوء سَيْوِئة فهي في أصلها سيوئة؛ اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء بمقتضى القاعدة الصرفية، والسيئة كل فعل يكون أثره سيئا في الناس أو في الجماعة أو في النفس، فيفسد التقدير، ويكون وبالاً، فيظلم نفسه، والناس، ومن حوله.
والخطيئة فعيلة من الخطأ، ولكن هناك فرقا بينهما فالخطأ يقع من غير قصد ابتداء، ولكن لَا يتكرر، أما الخطيئة فهي الفعل المقصود الآثم المتكرر الذي يخط في النفس خطوطا، حتى يصير الذنب عادة له أو كالعادة فيصدر الشر عنه وباستمرار من غير قصد خاص إليه، وكأنه يقع غير مقصود، وفي الحال تكون النفس قد أركست بالشر إركاسا، فالخطيئة حال نفسية للنفس الآثمة التي تمرست بالإثم؛ ولذا قال تعالى: (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطيئَتُهُ) أي أن الخطيئة استولت على النفس، وصارت كأنها قبة قد أحاطت بالنفس الآثمة من كل جوانبها.
وفى هذا إشارة إلى أحوال بني إسرائيل، وأنهم أحاطت بهم خطاياهم.
وقد ذكر سبحانه وتعالى جزاء هؤلاء وهو محقق بالنسبة لبني إسرائيل (فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الإشارة إلى الذين كان منهم كسب العمل الخبيث، وأحاطت بهم خطياتهم، واستغرق الشر نفوسهم، فالإشارة إلى الذين فيهم هذه الحال، وقد حكم سبحانه وتعالى بأنهم (أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
وقد أكد خلودهم في النار بأنهم أصحابها أي الذين يلازمونها، والذين حكم عليهم بصحبتها، وأكد سبحانه وتعالى خلودهم فيها بالجملة الاسمية، وبضمير الفصل هم. وكان تأكيد خلودهم وملازمتهم بالصحبة ردا على ادعائهم أنها لن تمسهم إلا أياما معدودة، وأنهم غير مخلدين بل هم أصحابها الخالدون فيها.
وإن الرد على أولئك الذين دلاهم الشيطان بالغرور فقالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ينتهي إلى هنا إن كانوا يتدبرون ويعقلون.

صفحة رقم 287

ولكن سنة الله تعالى في كتابه الحكيم أن يقرن ببيان العقاب لأهله، وبيان الثواب لمن عمل الخير وداوم عليه لتكون العظة كاملة، فيها جزاء الخير وجزاء الشر، وكل بما كسب رهين.
قال تعالى:

صفحة رقم 288
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية