آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

وهذا يعني أن مجرد التغني بألفاظ القرآن، دون الاعتبار بعظاته، والعمل بأحكامه، لا يفيد شيئا.
روى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن من شرّ الناس رجلا فاسقا يقرأ القرآن، لا يرعوي إلى شيء منه»
فبين صلّى الله عليه وسلّم أن المقصود بالكتب الإلهية العمل بها، كما بينا.
قصة ذبح البقرة
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٧ الى ٧٣]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)

صفحة رقم 185

الإعراب:
لا فارِضٌ إما خبر مبتدأ محذوف، وتقديره: لاهي فارض، أو صفة بقرة.
وبِكْرٌ عطف عليه في الوجهين، وهذان الوجهان في قوله: عَوانٌ وقال: بَيْنَ ذلِكَ ولم يقل: بين ذينك، لأنه أراد بين هذا المذكور. ما تُؤْمَرُونَ أي تؤمرون به، مثل فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر ١٥/ ٩٤] أي بالذي تؤمر به.
ما لَوْنُها ما: مبتدأ و «لونها» خبره، ويجوز العكس. صَفْراءُ صفة لبقرة لَوْنُها مرفوع بفاقع، ارتفاع الفاعل بفعله. ويجوز كونه مستأنفا مبتدأ، وخبره: تَسُرُّ النَّاظِرِينَ وجاز جعل الخبر تَسُرُّ بلفظ التأنيث، إما لأن اللون بمعنى الصفرة أي صفرتها تسر، والحمل على المعنى كثير في كلامهم، وإما لأنه أضيف اللون إلى مؤنث، والمضاف يكتسب من المضاف إليه التأنيث، كقراءة «تلتقطه بعض السيّارة» وقد قالوا: ذهبت بعض أصابعه.
لا ذَلُولٌ إما صفة بقرة، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: لا هي ذلول، وهذان الوجهان في قوله: مُسَلَّمَةٌ وكذلك في قوله: لا شِيَةَ فِيها إلا أنه يكون خبرا ثانيا ل «هي» المقدرة، والهاء في «شية» عوض عن الواو، وأصله: وشي.
الْآنَ ظرف زمان للوقت الحاضر، وهو مبني.
كَذلِكَ
الكاف الأولى كاف تشبيه في موضع نصب، لأنها صفة مصدر محذوف، وتقديره: يحيي الله الموتى إحياء مثل ذلك.
بِغافِلٍ في موضع نصب على لغة الحجازيين، وفي موضع رفع على لغة تميم.
البلاغة:
فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ فيه إيجاز بالحذف، والتقدير: فطلبوا البقرة الجامعة للأوصاف المطلوبة ووجدوها، فلما اهتدوا إليها ذبحوها.
وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ جملة اعتراضية بين قوله: فَادَّارَأْتُمْ وقوله فَقُلْنا اضْرِبُوهُ
. وفائدة الاعتراض إشعار المخاطبين بأن الحقيقة ستنجلي حتما.
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ استعارة تصريحية، وصف القلوب بالصلابة والغلظ، وأريد منه: نبوّها

صفحة رقم 186

عن الاعتبار وعدم الاتعاظ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ تشبيه مرسل مجمل، لأن أداة الشبه مذكورة، ووجه الشبه محذوف.
لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ مجاز مرسل أي ماء الأنهار من قبيل إطلاق المحل وإرادة الحال فيه.
المفردات اللغوية:
هُزُواً: مهزوءا بنا أو سخرية، حيث تطلب منا ذبح بقرة. أَعُوذُ أمتنع الْجاهِلِينَ المستهزئين في موضع الجد.
لا فارِضٌ مسنة. وَلا بِكْرٌ فتية صغيرة عَوانٌ نصف بين الصغيرة والكبيرة بَيْنَ ذلِكَ المذكور من السنين ما تُؤْمَرُونَ به من ذبحها.
فاقِعٌ لَوْنُها شديدة الصفرة تَسُرُّ النَّاظِرِينَ إليها بحسنها، أي تعجبهم.
ما هِيَ أسائمة أم عاملة إِنَّ الْبَقَرَ جنسه المنعوت بما ذكر تَشابَهَ عَلَيْنا لكثرته، فلم نهتد إلى المقصود إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ إليها،
ورد في الحديث النبوي: «لو لم يستثنوا- أي يقولوا: إن شاء الله- لما بينت لهم آخر الأبد».
لا ذَلُولٌ ليست مذللة بالعمل. تُثِيرُ الْأَرْضَ تقلبها للزراعة أي تحرث الأرض والجملة صفة ذلول، داخلة في النفي وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ الأرض المهيأة للزراعة مُسَلَّمَةٌ سليمة من العيوب وآثار العمل لا شِيَةَ لا لون غير لونها، ولا لمعة فيها من لون آخر، سوى الصفرة، فهي صفراء كلها، حتى قرنها وظلفها، وهي في الأصل مصدر: وشى وشيا: إذا خلط بلونه لونا آخر. قالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ نطقت بالبيان التام، فطلبوها فوجدوها عند الفتى البار بأمه، فاشتروها بملء جلدها ذهبا فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ لغلاء ثمنها،
ورد في الحديث النبوي: «لو ذبحوا أي بقرة كانت، لأجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم».
فَادَّارَأْتُمْ تدارأتم بمعنى تخاصمتم وتدافعتم وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مظهر تَكْتُمُونَ من أمرها.
اضْرِبُوهُ
القتيل. بِبَعْضِها
فضرب بلسانها أو عجب ذنبها، فحيي وقال: قتلني فلان وفلان وكانا ابني عمه، فحرما الميراث وقتلا. تَعْقِلُونَ
تتدبرون فتعلمون أن القادر على إحياء نفس واحدة، قادر على إحياء نفوس كثيرة فتؤمنون.

صفحة رقم 187

المناسبة:
ترتبط هذه الآيات بما قبلها التي ذكر فيها بعض جرائم اليهود، من نقض الميثاق، والاعتداء في السبت، والتمرد في تطبيق التوراة، فهي استمرار في تعداد مساوئهم، وهي مخالفتهم الأنبياء ومعاندة الرسل عليهم السّلام، والتلكؤ في امتثال أوامر الله تعالى.
سبب القصة:
روى ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال: «كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله، ثم احتمله ليلا، فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم، حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض.
فقال ذوو الرأي منهم والنّهى: علام يقتل بعضكم بعضا، وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السّلام، فذكروا ذلك له، فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً.. قال: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شددوا، فشدد عليهم، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها.
فقال: والله، لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا، فأخذوها بملء جلدها ذهبا، فذبحوها، فضربوه ببعضها، فقام، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا- لابن أخيه، ثم مال ميتا، فلم يعط من ماله شيئا، فلم يورث قاتل بعد «١»
،
وفي رواية: «فأخذوا الغلام فقتلوه».

(١) تفسير ابن كثير: ١/ ١٠٨ [.....]

صفحة رقم 188

التفسير والبيان:
واذكروا أيها اليهود وقت قول موسى لقومه أسلافكم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً أي بقرة كانت، فلم يمتثلوا، وشددوا، فشدد الله عليهم. وقالوا:
أتهزأ بنا يا موسى، نسألك عن أمر القتل، فتأمرنا بذبح بقرة! قال: ألتجئ إلى الله من الهزء والسخرية بالناس في موضع الجد، إذ هو في مقام تبليغ أحكام الله دليل السفه والجهل.
فلما رأوه جادا، سألوه عن صفاتها المميزة لها، وأكثروا من الأسئلة، فسألوه عن سنها، فقال لهم: إنها ليست صغيرة ولا كبيرة، بل وسط بين الأمرين، فامتثلوا الأمر، ولا تشدّدوا فيشدد الله عليكم.
ولكنهم تعنتوا، فسألوه عن لونها، فقال: إنها صفراء شديدة الصفرة تسر الناظر إليها، فلم يكتفوا بذلك، بل طالبوا بأوصاف مميزة أخرى، وقالوا معتذرين: إن البقر كثير متشابه علينا، وإنا إن شاء الله لمهتدون إلى المطلوب،
روي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو لم يستثنوا ويقولوا: إن شاء الله، لما تبينت لهم آخر الأبد».
قال: إن الله يقول: إنها بقرة لم تذلل بالعمل في الحراثة والسقي، وهي سالمة من العيوب، ولا لون فيها غير الصفرة الفاقعة.
قالوا: إنك الآن جئت بإظهار الحقيقة الواضحة. فطلبوها، فلم يجدوها إلا عند يتيم صغير بار بأمه، فساوموه، فتغالى، حتى اشتروها بملء جلدها ذهبا.
وما كان امتثالهم قريب الحصول. قال ابن عباس: «لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لأجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم».
واذكروا أيها اليهود المعاصرون حين قتلتم نفسا، وهذا من قبيل التأخير لفظا والتقديم معنى للتشويق في معرفة سبب ذبح البقرة، وأسند القتل إلى

صفحة رقم 189

المعاصرين للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، لأنهم من سلالة السابقين، وهم معتزون بنسبهم، راضون بفعلهم. وكذلك أسند القتل إلى الأمة والقاتل واحد، لأن الأمة متضامنة، وهي في مجموعها كالشخص الواحد، فيؤخذ المجموع بجريرة الواحد، وفيه توبيخ وتقريع للغابرين والحاضرين، والجماعة والأفراد.
واذكروا حادثة القتل في تاريخكم، وتخاصمكم وتدافعكم في شأنه، فكل واحد يدرأ القتل عن نفسه ويدعي البراءة ويتهم سواه، والله أنكر فعلهم وكتمانهم، وأنتم اليوم تكتمون ما عندكم من أوصاف النّبي صلّى الله عليه وسلّم، والله مظهر لا محالة ما تكتمونه وتسترونه من أمر القتل، فقلنا: اضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة المذبوحة، فضربوه، فأحياه الله، وأخبر عن القتلة. ومثل ذلك الإحياء العجيب، يحيي الله الموتى يوم القيامة، فيجازي كل إنسان بعمله، وكذلك يريكم الله آياته الواضحة الدالة على صدق القرآن والنّبي، حيث يخبر بالمغيبات، كي تعقلوا وتؤمنوا بالنبي والقرآن، لعلكم تفقهون أسرار الشريعة وفائدة الخضوع لها، وتمنعون أنفسكم من اتباع أهوائها، وتطيعون الله فيما يأمركم به.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه القصة فيها العبرة والعظة ببيان بعض مساوئ اليهود ومواقفهم المتشددة والمعاندة، وأهم العظات ما يلي:
١- ليس التشدد في الدين محمودا، وليس الإلحاف في كثرة السؤال مرغوبا فيه، لذا نهانا الله تعالى عن ذلك وقت نزول القرآن، بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة ٥/ ١٠١]
وقوله صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما: من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين، فحرّم عليهم من أجل مسألته»
وقوله عليه السّلام فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما

صفحة رقم 190

أمرتكم به، فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم»
وقوله أيضا فيما رواه البخاري ومسلم: «... وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»
والسؤال المنهي عنه: مثل السؤال عما أخفاه الله تعالى عن عباده ولم يطلعهم عليه، كالسؤال عن قيام الساعة، وعن حقيقة الروح، وعن سر القضاء والقدر، والسؤال على سبيل التعنت والعبث والاستهزاء، وسؤال المعجزات، وطلب خوارق العادات عنادا وتعنتا، والسؤال عن الأغاليط، والسؤال عما لا يحتاج إليه، وليس في الجواب عنه فائدة عملية، والسؤال عما سكت عنه الشرع من الحلال والحرام.
وقد سجل الله على اليهود ذنب الوقوف في السؤال موقف المستهزئ المعاند المجادل المتشدد المنكر الحق الصريح.
٢- كان الأمر بذبح بقرة دون غيرها من الحيوان، لأنها من جنس ما عبدوه وهو العجل، ليهون عندهم أمر تعظيمه.
٣- استهزاؤهم بأوامر الأنبياء عرّضهم للوم والتوبيخ والعقاب.
٤- إحياء القتيل بقتل حي أظهر لقدرته تعالى في اختراع الأشياء من أضدادها. وقد ذكر الله تعالى إحياء الموتى في سورة البقرة في خمسة مواضع: في قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، وفي هذه القصة: فَقُلْنا: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
وفي قصة الذين خرجوا من ديارهم وهو ألوف: فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ: مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ [البقرة ٢/ ٢٤٣]. وفي قصة عزير: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة ٢/ ٢٥٩] وفي قصة إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة ٢/ ٢٦٠].
٥- الإنكار الشديد على قتل النفس البريئة، وإنما أخره بالذكر عن ذكر موقفهم الاستهزائي العنادي، اهتماما واستهجانا وتقريعا لموقف العناد، وتشويقا

صفحة رقم 191

إلى معرفة سبب ذبح البقرة، وهذا الموقف ديدن اليهود وطبيعتهم التي لا تفارقهم. والكتاب الكريم لا يراعي ترتيب المؤرخين في سرد الأحداث والوقائع، وإنما يذكر الكلام بما يتفق مع هدفه: وهي العظة والعبرة، واجتذاب الأنظار وإثارة الانتباه.
٦- ليس هناك أشد استهجانا وغرابة من جعل الحجارة أنفع من قلوب اليهود، لخروج الماء منها، قال مجاهد: ما تردّى حجر من رأس جبل، ولا تفجر نهر من حجر، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله، نزل بذلك القرآن الكريم.
وهذا يعني أن خشية الحجارة هنا حقيقية، كقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء ١٧/ ٤٤]. وحكى الطبري عن بعض المفسرين: أن خشية الحجارة من باب المجاز والاستعارة، كما استعيرت الإرادة للجدار، في قوله تعالى:
يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف ١٨/ ٧٧] «١».
٧- في قصة البقرة هذه دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا، وبه قال جمهور الأصوليين غير الإمام الشافعي.
٨- استدل الإمام مالك على صحة القول بالقسامة «٢» بقول المقتول: دمي عند فلان، أو فلان قتلني. ومنعه الشافعي وجمهور العلماء، لأن قول المقتول:
دمي عند فلان، أو فلان قتلني، خبر يحتمل الصدق والكذب.

(١) تفسير الطبري: ١/ ٢٨٩، وانظر تفسير القرطبي أيضا: ١/ ٤٦٥
(٢) القسامة: هي خمسون يمينا من خمسين رجلا، يقسمها في رأي الحنفية أهل المحلة التي وجد فيها القتيل ويتخيرهم ولي الدم، لنفي تهمة القتل عن المتهم. وعند الجمهور: يحلفها أولياء القتيل لإثبات تهمة القتل على الجاني.

صفحة رقم 192
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية