آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

قوله - عز وجل -:
﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ الآية: (٥٠) سورة البقرة.
الفرقُ، والفلقُ، لكن الفلق لا يكون إلا بين جسمين، والفرق: قد يكون في الأجسام والمعاني، وفي هذه القصة قد جاء اللفظان، قال تعالى: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ أي كل قطعة من الماء، والفرقان: كل كتاب يفرق بين الأحكام، وسمي عمر - رضي الله تعالى عنه - فاروقاً لأجل أن النبي - ﷺ - قضي ليهودي على منافق، فأتى عمر وقال " إن محمداً قضى بيني وبين هذا، ولست أرضي قضاءه فاقض بيننا "، فقال: أو رضيت قضائي؟ قال: نعم، فدخل داره، وأخرج السيف وحز رأسه، فنزل جبرائيل - عليه السلام - وقال: (إن عمر قد سمي في السماء فاروقاً).
والبحر: استعير للسعة، فقيل: بحرت مذا أي: " وسعته كسعته "، وقيل بحرت الناقة: أي: شققت أذنها شقاً واسعاً، والباحر: الأحمق الموسع عليه من جهة رفع العقل عنه، وكأنه اعتبر في تسميته بلذك مقابلة العاقل، فقد جعل أسماء العقل كلها معتبراً فيه الضيق، والشدة، والفرق، والرسوب في المآثم شبه به غيره حتى قيل: غرق فلان في النعمة، وغرقه من اللبن أي مليء قدح، وأغرق في الشيء إذا تناهي والنظر نظران، نظر بصر، وبه يدرك المحسوسات ونظر بصيرة، وبه يدرك المعقولات، ونظر البصر كالخادم لنظر البصيرة فإن كان كلاهما سبيلاً إلى المعرفة، والنظير أصله للمناظر، كأنه ينظر كل واحد من الناظرين إلى صاحبه في المشاكله، وناظرته: باريته في النظر، وأنظرته: تركته ينظر فيطلب، ومعنى الآية ما ذكره في قوله ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى﴾ الآية، وفي قوله: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا}، وفي قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾، وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ لما كان النظر متردداً بين المحسوس الذي منه

صفحة رقم 187

الإبصار، والنظر المعقول الذي منه البصيرة، نظر كل واحد من المفسرين نظراً ما، فقال: من نظر نظر محسوس معناه (وأنتم تشاهدونه)، فقد روي أنه أفرد لكل سبط طريق من الماء وجعل الحاجز الذي بينه وبين الآخذ مشفاً كالزجاج ينظرون منها إلى الآخرين، وقال بعضهم: قذف الماء بجثث آل فرعون بعد إغراقهم إلى الشط، فكان الناس ينظرون إليهم، وعلى ذلك حمل قوله: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾، وقال: " من نظر نظر معقول " معناه: وأنتم تعتبرون بذلك، [وقيل معناه: " وأنتم متمكنون من النظر، أي الاعتبار بذلك]، وقال بعضهم: في الآية مع إرادة هذا المعنى، أو النعمة المحسوسة التي أولاهم، إشارة إلى معنى آخر، وإلى نعمة معقولة أعطاهم، فإنه أشار بالبحر إلى الشبه التي تعتري وتفرقه إلى إزالتها، وبإغراق آل فرعون إلى إبطال الكفر، وبالنظر إلى المعرفة والتمكن منها بما أولاهم من البصرية والتمييز، وهذا الذي ذكره هذا [القائل] صحيح أنه تعالى فعله بهم اقتضاه لفظ الآية، أو لم يقتضه...

صفحة رقم 188
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية