آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

(وإذ فرقنا بكم البحر) أي فلقنا، وأصل الفلق الفرق والفصل، ومنه فرق الشعر، ومنه (وقرآنا فرقناه) أي فصلناه، والباء في (بكم) بمعنى اللام أو السببية والمراد أن فرق البحر كان بسبب دخولهم فيه لما صاروا بين المائين صار الفرق بهم، وأصل البحر في اللغة الإتساع أطلق على البحر الذي هو مقابل البر لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج ويطلق على الماء المالح، وقال السيوطي في مفحمات الأقران البحر هو القلزم وكنيته أبو خالد كما روي عن قيس بن عباد، قال ابن عساكر كأنه كني بذلك لطول بقائه، وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن النبي - ﷺ - قال: " فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء " انتهى.
(فأنجيناكم) أي أخرجناكم منه.
(وأغرقنا آل فرعون) فيه، ووافق ذلك يوم عاشوراء فصام موسى ذلك اليوم شكراً لله عز وجل، والمراد بآل فرعون هنا هو وقومه وأتباعه، والغرق الرسوب في الماء وتجوز به عن المداخلة في الشيء، تقول غرق فلان في اللهو فهو غرق، قاله السمين.
(وأنتم تنظرون) يعني إلى إهلاكهم، وقيل إلى مصارعهم أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم أو المعنى ينظر بعضكم إلى بعض آخر من السالكين في البحر، وقيل نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون، قيل أن البحر قذفهم حتى نظروا إليهم.
وهذه الواقعة كما أنها لموسى معجزة عظيمة تخر لها أطم الجبال، ونعمة عظيمة لأوائل بني إسرائيل موجبة عليهم شكرها باللسان والبال، كذلك اقتصاصها على ما هي عليه من رسول الله - ﷺ - معجزة جليلة تطمئن بها القلوب

صفحة رقم 166

الأبية، وتنقاد لها النفوس الغبية، موجبة لأعقابهم أن يتلقوها بالاذعان ويقبلوها بصميم الجنان، فلا تأثرت أوائلهم بمشاهدتها ورؤيتها، ولا تذكرت أواخرهم بتذكيرها وروايتها، فيالها من عصابة ما أعصاها، وطائفة ما أطغاها وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس. قال: " قدم رسول الله - ﷺ - المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال ما هذا اليوم؟ قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال رسول الله - ﷺ - " نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصومه (١) ".
_________
(١) صحيح مسلم/١١٣٠؛ -[١٦٨]- وفي يوم عاشوراء أحاديث كثيرة نورد منها:
عن حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان، خطيباً بالمدينة خطبهم يوم عاشوراء فقال أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول: هذا يوم عاشوراء. ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب أن يُفطر فليفطر.

صفحة رقم 167
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية