فلما سمعها الواعظ شهق شهقة فخر من فرسه مغشيا عليه فحملوه الى بيته فتوفى الى رحمة الله تعالى: قال الحافظ
| واعظان كين جلوه در محراب ومنبر ميكنند | چون بخلوت ميروند آن كار ديكر ميكنند |
| مشكلى دارم ز دانشمند مجلس باز پرس | توبه فرمايان چرا خود توبه كمتر ميكنند |
ويحذركم الله نفسه وقوله اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ فى حق نفسها ولا في حق غيرها بغير الاذن كقوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ اى فداء لانه لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى والسعى المشكور ما يكون هاهنا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لانهم ما نصروا الحق هاهنا وقد قال الله تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ خطاب لبنى إسرائيل اى اذكروا وقت تنجيتنا إياكم اى آباءكم فان تنجيتهم تنجية لاعقابهم ومن عادة العرب يقولون قتلنا كم يوم عكاظ اى قتل آباؤنا آباءكم والنجو المكان العالي من الأرض لان من صار اليه يخلص ثم سمى كل فائز ناجيا لخروجه من ضيق الى سعة اى جعلنا آباءكم بمكان حريز ورفعناكم عن الأذى مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ واتباعه واهل دينه وفرعون لقب من ملك العمالقة ككسرى لملك الفرس وقيصر لملك الروم وخاقان لملك الترك والنجاشي للحبشة وتبع لاهل اليمن والعمالقة الجبابرة وهم أولاد عمليق بن لاود بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام سكان الشام منهم سموا بالجبابرة وملوك مصر منهم سموا بالفراعنة ولعتوه اشتق منه تفرعن الرجل إذا عتا وتمرد فليس المراد الاستغراق بل الذين كانوا بمصر وفرعون موسى هو الوليد بن مصعب ابن الريان وكان من القبط وعمر اكثر من اربعمائة سنة وقيل انه كان عطارا اصفهانيا ركبته الديون فافلس فاضطر الى الخروج فلحق بالشام فلم يتيسر له المقام فدخل مصر فرأى فى ظاهرها حملا من البطيخ بدرهم وفي سوقها بطيخة بدرهم فقال في نفسه ان تيسر لى أداء الديون فهذا طريقه فخرج الى السواد فاشترى حملا بدرهم فتوجه به الى السوق فكل من لقيه من المكاسين اى العشارين أخذ بطيخة فدخل البلد وما معه الا بطيخة فباعها بدرهم ومضى بوجهه ورأى اهل البلد متروكين سدى لا يتعاطى أحد سياستهم وكان قد وقع بها وباء عظيم فتوجه نحو المقابر فرأى ميتا يدفن فتعرض لاوليائه فقال انا أمين المقابر فلا أدعكم تدفنونه حتى تعطونى خمسة دراهم فدفعوها اليه ومضى لآخر وآخر حتى جمع في مقدار ثلاثة أشهر ما لا عظيما ولم يتعرض له أحد قط الى ان تعرض يوما لاولياء ميت فطلب منهم ما كان يطلب من غيرهم فابوا ذلك فقالوا من نصبك هذا المنصب فذهبوا به الى فرعون اى الى ملك المدينة فقال من أنت ومن أقامك بهذا المقام قال لم يقمنى أحد وانما فعلت ما فعلت ليحضرنى أحد الى مجلسك فانبهك على اختلال حال قومك وقد جمعت بهذا الطريق هذا المقدار من المال فاحضره ودفعه الى فرعون فقال ولنى أمورك ترنى أمينا كافيا فولاه إياها فسار بهم سيرة حسنة فانتظمت مصالح العسكر واستقامت احوال الرعية ولبث فيهم دهرا طويلا وترامى امره في العدل والصلاح فلما مات فرعون أقاموه مقامه فكان من امره ما كان وكان فرعون يوسف عليه السلام ريان وبينهما اكثر من اربعمائة سنة يَسُومُونَكُمْ اى يبغونكم سُوءَ الْعَذابِ واقبحه بالنسبة الى سائره ويريدونكم عليه ويكلفونكم الأعمال الشاقة ويذيقونكم ويديمون عليكم ذلك من سام السلعة إذا طلبها والسوم بمعنى البغاء وبغى يتعدى الى مفعولين بلا واسطة فلذلك كان سوء العذاب منصوبا على المفعولية ليسومونكم
صفحة رقم 128
والجملة حال من ضمير المفعول في نجيناكم والمعنى نجيناكم مسومين منهم أقبح العذاب كقولك رأيت زيدا يضربه عمرو اى رأيته حال كونه مضروبا لعمرو وذلك ان فرعون جعل بنى إسرائيل خدما وخولا وصنفهم في الأعمال فصنف يبنون وصنف يحرثون ويزرعون وصنف يخدمونه ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليهم الجزية وقال وهب كانوا أصنافا في اعمال فرعون فذووا القوة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها وطائفة ينقلون الحجارة والطين يبنون له القصور وطائفة منهم يضربون اللبن ويطبخون الآجر وطائفة نجارون وحدادون والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ضريبة ويؤدونها كل يوم فمن غربت عليه الشمس قبل ان يؤدى ضريبته غلت يمينه الى عنقه شهرا والنساء يغزلن الكتان وينسجن وقيل تفسير قوله يسومونكم سوء العذاب ما بعده وهو قوله تعالى يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ كانه قيل ما
حقيقة سوء العذاب الذي يبغونه لنا فاجيب بانهم يذبحون ابناءكم اى يقتلونهم والتشديد للتكثير كما يقال فتحت الأبواب والمراد من الأبناء هم الذكور خاصة وان كان الاسم يقع على الذكور والإناث في غير هذا الموضع كالبنين في قوله تعالى يا بنى إسرائيل فانهم كانوا يذبحون الغلمان لا غير وكذا أريد به الصغار دون الكبار لانهم كانوا يذبحون الصغار وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ اى يستبقون بناتكم ويتركونهن حيات وذكر النساء وان كانوا يفعلون هذا بالصغار لانه سماهن باسم المآل لانهن إذا استبقوهن صرن نساء بعد البلوغ ولانهم كانوا يستبقون البنات مع أمهاتهن والاسم يقع على الكبيرات والصغيرات عند الاختلاط وذلك ان فرعون رأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس فاحاطت بمصر وأخرجت كل قبطى بها ولم تتعرض لبنى إسرائيل فهاله ذلك وسأل الكهنة والسحرة عن رؤياه فقالوا يولد في بنى إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك فامر فرعون بقتل كل غلام يولد في بنى إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن لا يسقط على أيديكن غلام يولد في بنى إسرائيل الا قتل ولا جارية الا تركت ووكل القوابل فكن يفعلن ذلك حتى قيل انه قتل في طلب موسى عليه السلام اثنى عشر الف صبى وتسعين الف وليد وقد اعطى الله نفس موسى عليه السلام من القوة على التصرف ما كان يعطيه أولئك المقتولين لو كانوا احياء ولذلك كانت معجزاته ظاهرة باهرة ثم اسرع الموت في مشيخة بنى إسرائيل فدخل رؤس القبط على فرعون وقالوا ان الموت وقع في بنى إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك ان يقع العمل علينا فامر فرعون ان يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون عليه السلام في السنة التي لا يذبح فيها وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها فلم يرد اجتهادهم من قضاء الله شيأ وشمر فرعون عن ساق الاجتهاد وحسر عن ذراع العناد فاراد ان يسبق القضاء ظهوره ويأبى الله الا ان يتم نوره وَفِي ذلِكُمْ اشارة الى ما ذكر من التذبيح والاستحياء بَلاءٌ اى محنة وبلية وكون استحياء نسائهم اى استبقائهن على الحياة محنة مع انه عفو وترك للعذاب لما ان ذلك كان للاسترقاق والاستعمال في الأعمال الشاقة ولان بقاء البنات مما يشق