آيات من القرآن الكريم

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

أن هذا لا محالة مما تبين أمارته للإنسان إذا تأمل، أدني تأمل، وخاطب بالآيات عماء بني إسرائيل الآميرن غيرهم بالبر، الناسين أنفسهم بأن استعينوا في مدافعه هذه الحال بالصبر والتوصل به إلى الصلاة، فبها يصير الإنسان خاشغاً ملتزماً للحق ممن ظهر منه.
وقوله - عز وجل -:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾
الآية (٤٧) سورة البقرة.
الفضل: كالزيادة، إلا أنه أخص منها، وهو من الأسماء المتضايقة، كالكثير، والقليل، والكبير، والصغير، ويستعمل على اعتبارين: أحدهما: اعتباراً بالطرف الذي هو النقص، وذلك يستعمل على سبيل المدح، والثاني: اعتباراً بالوسط الذي هو العدل والسواء، ويستعمل ذلك على وجهين: أحدهما: الزائد على العدالة على سبيل الاستظهار، وهو السماحة والإسماح ببعض ما لا يجب عليه، أو بترك بعض ما لا يجب له، وذلك هو المعنى بالإحسان: في قوله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾، وبالزيادة في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾، وإياه عنى بقوله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾، والثاني: الإفراط الجاري في الذم مجرى التفريط، كالإسراف والتبذير المنهي عنه بقوله: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾، وقوله: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾، والمعبر عنه بقول العامة: " الزيادى على الكفاية نقصان "، وأكثر ما يعبر عنه بالفضلة والفضالة فالزيادة على الاعتبار الأول فضيلة، وهو استظهار في العدالة، وعلى الاعتبار الثاني رذيلة، وهو ترك العدالة، والتفضيل: يستعمل على وجهين: إما بمنحة خص المفضل بها نحو قوله: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، فإن ذلك أمور خص بها بنو آدم ابتداء، وأما الحكم للمفضل بالفضل الحاصل منه، نحو قوله: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾، فالأول: يجب على العبد به الشكر، إذا هو مدح له، نوليس له به حمد، والثاني: يجب له به حمد، ويستحق به الثواب، وأما العالمون: فقد تقدم الكلام فيه، وأنه تارة يقال لجميع ما أوجده الله تعالى من الفلك، وما يحويه عالم بلفظ الإفراد، وتارة

صفحة رقم 179

يقال لكل جنس نوع من الموجودات عالم وتارة يقال لأهل كل زمان عالم وتارة يقال لكل إنسان في نفسه عالم، وذلك يقال على وجهين: أحدهما: إن الإنسان الواحد هم كالعالم في تخصيصه بمثال كل ما هو موجود في العلم والثاني: يقال ذلك للفاضل الكامل من الرجال، وبهذا النظر قال الشاعر:
فواحدهم في الورى عالم.
إن قيل كيف قال: فضلتكم على العالمين وقد قال تعالى لهذه الأمة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ الجواب: أن التفضيل الذي يكره الله تعالى هو الفضيلة التي خص بها نبو آدم، المعنية بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ الآية، وبنو إسرائيل وإن كان قد شاركهم غيرهم في هذه النعمة، فإنهم لما نسوا نعم الله تعالى خصوا بالنداء لتذكيرهم، كقولك: " يا فلان نسيت نعمة الله عليك "، وقد تقدم أنه ربما يخص بالمخاطبة لتذكيرهم بعض المعنيين بالحكم، لأنه أرفعهم منزلة، أو لأن العناية ما أعطوا من المن والسلوى وإظلالهم بالغمام، والحجر الذي تفجر منه الأنهار، وغير ذلك: وقيل: إنه جعل كل فرقة أو كل نفس في زمانهم عالماً، وذكر أنه فضلهم على غيرهم ممن في زمانهم، وقيل: إن ذلك بمارشحهم له من الإيمان بالله ورسوله والأعمال الصالحة، فإن من فعل ذلك كان هو المفضل على العالمين، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾
إن قيل: كيف قال ذلك وهذه النعم كانت على أسلافهم؟ قيل: قد قال بعضهم: لما ذكر الله تعالى ذلك في التوراة على سبيل الخطاب، أعاد اللفظ على الحكاية، وقيل: " النعمة على الإنسان ضربان ": نعمة تصل إليه من المنعم بلا واسطة، ونعمة تصل إليه من المنعم بواسطة، أو بوسائط وذلك كتسخير الله من يزرع لنفسه زرعاً يصل إلينا نفعه على بعض الوجوه، فهذا الزارع منعم علينا، وعلى هذا قيل: إن الله تعالى منعم على كل واحد منا بأكثر ما يتعاطاه الناس من أعمالهم من المهن والصنائع المرفقة لأنفسهم، ونحو هذه الآية قول الله - عز وجل - ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ وأعاده قوله:

صفحة رقم 180
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية