آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

من كتابتهم في التوراة ما ليس منها. وكتمانهم الحق أن يقولوا: لا نجد في التوراة صفة محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم، أو حكم كذا. أو يمحوا ذلك. أو يكتبوه على خلاف ما هو عليه.
وفي مصحف عبد اللَّه: وتكتمون، بمعنى كاتمين وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ في حال علمكم أنكم لابسون كاتمون، وهو أقبح لهم، لأنّ الجهل بالقبيح ربما عذر راكبه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعنى صلاة المسلمين وزكاتهم وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ منهم، لأنّ اليهود لا ركوع في صلاتهم. وقيل «الركوع» الخضوع والانقياد لما يلزمهم في دين اللَّه. ويجوز أن يراد بالركوع: الصلاة، كما يعبر عنها بالسجود، وأن يكون أمرا بأن يصلى مع المصلين، يعنى في الجماعة، كأنه قيل: وأقيموا الصلاة وصلوها مع المصلين، لا منفردين.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)
أَتَأْمُرُونَ الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم. والبرّ سعة الخير والمعروف.
ومنه البر لسعته، ويتناول كل خير. ومنه قولهم: صدقت وبررت. وكان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد صلى اللَّه عليه وسلم ولا يتبعونه. وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون، وإذا أتوا بصدقات ليفرّقوها خانوا فيها. وعن محمد بن واسع: بلغني أنّ ناسا من أهل الجنة اطلعوا على ناس من أهل النار فقالوا لهم: قد كنتم تأمروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة. قالوا كنا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وتتركونها من البر كالمنسيات وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ تبكيت مثل قوله: (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعنى تتلون التوراة وفيها نعت محمد صلى اللَّه عليه وسلم، أو فيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل أَفَلا تَعْقِلُونَ توبيخ عظيم بمعنى: أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه، وكأنكم في ذلك مسلوبو العقول، لأن العقول تأباه وتدفعه. ونحوه (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ). وَاسْتَعِينُوا على حوائجكم إلى اللَّه بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ أى بالجمع بينهما، وأن تصلوا صابرين على تكاليف الصلاة، محتملين لمشاقها وما يجب فيها- من إخلاص القلب، وحفظ النيات، ودفع الوساوس

صفحة رقم 133

ومراعاة الآداب، والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع، واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السموات، ليسأل فك الرقاب عن سخطه وعذابه. ومنه قوله تعالى:
(وأْمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) أو: واستعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» «١» وعن ابن عباس أنه نعى إليه أخوه «قثم» وهو في سفر، فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشى إلى راحلته وهو يقول: واستعينوا بالصبر والصلاة» «٢» وقيل: الصبر الصوم، لأنه حبس عن المفطرات. ومنه قيل لشهر رمضان:
شهر الصبر. ويجوز أن يراد بالصلاة الدعاء، وأن يستعان على البلايا بالصبر، والالتجاء إلى الدعاء، والابتهال إلى اللَّه تعالى في دفعه وَإِنَّها الضمير للصلاة أو للاستعانة. ويجوز أن يكون لجميع الأمور التي أمر بها بنو إسرائيل ونهوا عنها من قوله: (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) إلى (وَاسْتَعِينُوا). لَكَبِيرَةٌ لشاقة ثقيلة من قولك: كبر علىّ هذا الأمر، (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ). فإن قلت: مالها لم تثقل على الخاشعين والخشوع في نفسه مما يثقل؟ قلت:
لأنهم يتوقعون ما ادّخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم. ألا ترى إلى قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ أى يتوقعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده، ويطمعون فيه. وفي مصحف عبد اللَّه: يعلمون. ومعناه: يعلمون أن لا بد من لقاء الجزاء فيعملون على حسب ذلك. ولذلك فسر «يظنون» بيتيقنون. وأما من لم يوقن بالجزاء ولم يرج الثواب، كانت عليه مشقة خالصة فثقلت عليه كالمنافقين والمراءين بأعمالهم. ومثاله من وعد على بعض الأعمال والصنائع أجرة زائدة على مقدار عمله، فتراه يزاوله برغبة ونشاط وانشراح صدر ومضاحكة لحاضريه، كأنه يستلذ مزاولته بخلاف حال عامل يتسخره بعض الظلمة. ومن ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم «وجعلت قرّة عينى في الصلاة» «٣» وكان يقول «يا بلال

(١). أخرجه الطبري في تفسيره من حديث حذيفة بهذا اللفظ. فأخرجه أبو داود وأحمد من رواية عبد العزيز أخى حذيفة عن حذيفة بلفظ «كان إذا حزبه أمر صلى». وأخرجه البيهقي في الدلائل في قصة الخندق مطولا.
(٢). موقوف. أخرجه سعيد بن منصور. والطبري من طريق عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه «أن ابن عباس...
فذكره»
. وأخرجه البيهقي في الشعب من هذا الوجه
(٣). أخرجه النسائي والحاكم وأحمد وابن أبى شيبة والبزار من حديث أنس رضى اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «حبب إلى من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة» وسيأتى في آل عمران.

صفحة رقم 134
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية