
﴿واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين﴾ قوله عز وجل: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾:
صفحة رقم 114
أما الصبر: فهو حبس النفس عما تُنازع إليه، ومنه صبر صاحب المصيبة، أن يحبس نفسه عن الجزع، وسُمِّي الصوم صبراً لحبس النفس عن الطعام والشراب، ولذلك سُمِّي شهرُ رمضانَ شهر الصبرِ، وجاء في الحديث: (اقْتُلُوا الْقَاتِلَ، وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ) وذلك فيمن أمسك رجلاً حتى قتله آخر، فأمر بقتل القاتل، وحبس الممسك. وفي الصبر المأمور به، قولان: أحدهما: أنه الصبرُ على طاعته، والكف عن معصيته. والثاني: أنه الصوم، وقد كان النبيُّ ﷺ إذا حَزَبَهُ أمرٌ استعان بالصلاة والصيام، ورُويَ أنه رأى سلمان منبطحاً على وجهه، فقال له: أشكو من بردٍ. قال: (قم فصلِّ الصلاة تُشْفَ). وأما قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ على الْخَاشِعِينَ﴾ ففيه ثلاثة أقاويل: أحدها: يعني: وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، لعود الكناية إلى مؤنثِ اللفظِ.
صفحة رقم 115
والثاني: يعني الصبر والصلاة، فأرادهما، وإن عادت الكناية إلى الصلاة؛ لأنها أقرب مذكور، كما قال الشاعِرُ:
(فَمَنْ يَكُ أَمْسَى في الْمَدِينَةِ رَحْلُهُ | فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ) |
(رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَرِيمٍ | وَغُيوبٍ كَشَفْتَهَا بِظُنُونِ) |