آيات من القرآن الكريم

وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

قال سيبويه: الشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول في قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ.
وحكي عن الكسائي أن قوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ جواب الشرطين جميعا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: حكي هذا وفيه نظر، ولا يتوجه أن يخالف سيبويه هنا، وإنما الخلاف في نحو قوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ [الواقعة: ٨٩].
فيقول سيبويه: «جواب أحد الشرطين محذوف لدلالة قوله: (فروح) عليه» ويقول الكوفيون: «فروح جواب الشرطين».
قال القاضي أبو محمد: وأما في هذه الآية فالمعنى يمنع أن يكون فَلا خَوْفٌ جوابا للشرطين.
وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق: هُدىً وهي لغة هذيل.
قال أبو ذؤيب يرثي بنيه: [الكامل].

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم فتخرموا، ولكل جنب مصرع
وكذلك يقولون عصى وما أشبهه، وعلة هذه اللغة أن ياء الإضافة من شأنها أن يكسر ما قبلها، فلما لم يصح في هذا الوزن كسر الألف الساكنة أبدلت ياء وأدغمت.
وقرأ الزهري ويعقوب وعيسى الثقفي: «فلا خوف عليهم» نصب بالتبرية ووجهه أنه أعم وأبلغ في رفع الخوف، ووجه الرفع أنه أعدل في اللفظ لينعطف المرفوع من قولهم يَحْزَنُونَ على مرفوع، «ولا» في قراءة الرفع عاملة عمل ليس.
وقرأ ابن محيصن باختلاف عنه «فلا خوف» بالرفع وترك التنوين وهي على أن تعمل «لا» عمل ليس، لكنه حذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال، ويحتمل قوله تعالى: «لا خوف عليهم» أي فيما بين أيديهم من الدنيا، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم منها، ويحتمل أن «لا خوف عليهم» يوم القيامة، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فيه، ويحتمل أن يريد أنه يدخلهم الجنة حيث لا خوف ولا حزن.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا الآية، عطف جملة مرفوعة على جملة مرفوعة، وقال وَكَذَّبُوا وكان في الكفر كفاية لأن لفظة كفروا يشترك فيها كفر النعم وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلود فبين أن الكفر هنا هو الشرك، بقوله وَكَذَّبُوا بِآياتِنا والآية هنا يحتمل أن يريد المتلوة، ويحتمل أن يريد العلامة المنصوبة، وقد تقدم في صدر هذا الكتاب القول على لفظ آية، وأُولئِكَ رفع بالابتداء وأَصْحابُ خبره، والصحبة الاقتران بالشيء في حالة ما، في زمن ما، فإن كانت الملازمة والخلطة فهو كمال الصحبة، وهكذا هي صحبة أهل النار لها، وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة، أقلها الاقتران في الإسلام والزمن، وأكثرها الخلطة والملازمة، وهُمْ فِيها خالِدُونَ، ابتداء وخبر في موضع الحال.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)

صفحة رقم 132

يا حرف نداء مضمن معنى التنبيه.
قال الخليل: «والعامل في المنادى فعل مضمر كأنه يقول: أريد أو أدعو».
وقال أبو علي الفارسي: العامل حرف النداء عصب به معنى الفعل المضمر فقوي فعمل، ويدل على ذلك أنه ليس في حروف المعاني ما يلتئم بانفراده مع الأسماء غير حرف النداء، وبَنِي منادى مضاف وإِسْرائِيلَ هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وهو اسم أعجمي يقال فيه إسراءل وإسرائيل وإسرائيل، وتميم تقول إسرائين، وإسرا هو بالعبرانية عبد وإيل اسم الله تعالى فمعناه عبد الله.
وحكى المهدوي أن- إسرا- مأخوذ من الشدة في الأسر كأنه الذي شد الله أسره وقوى خلقته.
وروي عن نافع والحسن والزهري وابن أبي إسحاق ترك همز إسراييل، والذكر في كلام العرب على أنحاء، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضد النسيان، والنعمة هنا اسم الجنس فهي مفردة بمعنى الجمع، وتحركت الياء من نِعْمَتِيَ لأنها لقيت الألف واللام، ويجوز تسكينها، وإذا سكنت حذفت للالتقاء وفتحها أحسن لزيادة حرف في كتاب الله تعالى، وخصص بعض العلماء النعمة في هذه الآية.
فقال الطبري: «بعثة الرسل منهم وإنزال المن والسلوى، وإنقاذهم من تعذيب آل فرعون، وتفجير الحجر».
وقال غيره: «النعمة هنا أن دركهم مدة محمد صلى الله عليه وسلم».
وقال آخرون: «هي أن منحهم علم التوراة وجعلهم أهله وحملته».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه أقوال على جهة المثال، والعموم في اللفظة هو الحسن.
وحكى مكي: أن المخاطب من بني إسرائيل بهذا الخطاب هم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، لأن الكافر لا نعمة لله عليه.
وقال ابن عباس وجمهور العلماء: بل الخطاب لجميع بني إسرائيل في مدة النبي عليه السلام، مؤمنهم وكافرهم، والضمير في عَلَيْكُمْ يراد به على آبائكم كما تقول العرب ألم نهزمكم يوم كذا لوقعة كانت بين الآباء والأجداد، ومن قال إنما خوطب المؤمنون بمحمد ﷺ استقام الضمير في عَلَيْكُمْ ويجيء كل ما توالى من الأوامر على جهة الاستدامة.
وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أمر وجوابه.
فقال الخليل: «جزم الجواب في الأمر من معنى الشرط، والوفاء بالعهد هو التزام ما تضمن من فعل».

صفحة رقم 133

وقرأ الزهري: «أوفّ» بفتح الواو وشد الفاء للتكثير.
واختلف المتأولون في هذا العهد إليهم فقال الجمهور ذلك عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد ﷺ في التوراة، وقيل العهد قوله تعالى: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة: ٦٣، ٩٣]، وقال ابن جريج: العهد قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ [المائدة: ١٢]، وعهدهم هو أن يدخلهم الجنة، ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم بعهدهم، لا علة له، لأن العلة لا تتقدم المعلول.
وقوله تعالى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ الاسم ايا والياء ضمير ككاف المخاطب، وقيل إِيَّايَ بجملته هو الاسم، وهو منصوب بإضمار فعل مؤخر، تقديره: وإياي ارهبوا فارهبون، وامتنع أن يتقدر مقدما لأن الفعل إذا تقدم لم يحسن أن يتصل به إلا ضمير خفيف، فكان يجيء وارهبون، والرهبة يتضمن الأمر بها معنى التهديد وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية.
وقرأ ابن أبي إسحاق بالياء، وَآمِنُوا معناه صدقوا، ومُصَدِّقاً نصب على الحال من الضمير في أَنْزَلْتُ، وقيل من «ما»، والعامل فيه آمِنُوا وما أنزلت كناية عن القرآن، ولِما مَعَكُمْ يعني من التوراة وقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ هذا من مفهوم الخطاب الذي: المذكور فيه والمسكوت عنه حكمهما واحد، فالأول والثاني وغيرهما داخل في النهي، ولكن حذروا البدار إلى الكفر به إذ على الأول كفل من فعل المقتدى به، ونصب أول على خبر كان.
قال سيبويه: أَوَّلَ أفعل لا فعل له لاعتلال فائه وعينه» قال غير سيبويه: «هو أوأل من وأل إذا نجا، خففت الهمزة وأبدلت واوا وأدغمت».
وقيل: إنه من آل فهو أأول قلب فجاء وزنه أعفل، وسهل وأبدل وأدغم، ووحد كافر وهو بنية الجمع لأن أفعل إذا أضيف إلى اسم متصرف من فعل جاز إفراد ذلك الاسم، والمراد به الجماعة.
قال الشاعر: [الكامل]

وإذا هم طعموا فألأم طاعم وإذا هم جاعوا فشرّ جياع
وسيبويه يرى أنها نكرة مختصرة من معرفة كأنه قال ولا تكونوا أول كافرين به وقيل معناه: ولا تكونوا أول فريق كافر به.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وقد كان كفر قبلهم كفار قريش، فإنما معناه من أهل الكتاب، إذ هم منظور إليهم في مثل هذا، لأنهم حجة مظنون بهم علم، واختلف في الضمير في بِهِ على من يعود، فقيل على محمد عليه السلام، وقيل على التوراة إذ تضمنها قوله: لِما مَعَكُمْ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا القول يجيء أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ مستقيما على ظاهره في الأولية، وقيل الضمير في بِهِ عائد على القرآن، إذ تضمنه قوله بِما أَنْزَلْتُ.
واختلف المتأولون في الثمن الذي نهوا أن يشتروه بالآيات، فقالت طائفة: إن الأحبار كانوا يعلمون

صفحة رقم 134
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية