آيات من القرآن الكريم

وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

وإنزال المنّ والسلوى فيه، وإعطاء الحجر الذي كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاؤوا من الماء متى أرادوا، وإعطاء عمود من النور ليضيء لهم بالليل وجعل رؤوسهم لا تتشعث، وثيابهم لا تبلى، وجعلهم أنبياء وملوكا بعد أن كانوا عبيدا للقبط، وإنزال الكتب العظيمة التي ما أنزلها الله على أمة سواهم أي أقيموا بشكر تلك النعمة. وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أي أوفوا بما أمرتكم به من الطاعات ونهيتكم عنه من المعاصي ومن الوفاء بالأمر الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أي أرض عنكم وأدخلكم الجنة. وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) فيما تأتون وتتركون. واعلم أن كل من كان خوفه في الدنيا أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر، وبالعكس.
روي أنه ينادي مناد يوم القيامة: «وعزتي وجلالي أني لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين من أمنني في الدنيا خوفته يوم القيامة ومن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة»
. وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ من القرآن مُصَدِّقاً أي موافقا بالتوحيد وصفة محمد صلّى الله عليه وسلّم وبعض الشرائع لِما مَعَكُمْ من التوراة وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ أي بالقرآن من اليهود فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة وفيها قريظة والنضير فكفروا به صلّى الله عليه وسلّم ثم تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر. ويقال: ولا تكونوا أول من جحد مع المعرفة لأن كفر قريش كان من الجهل لا مع المعرفة. وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي أي بكتمان صفة محمد ثَمَناً قَلِيلًا أي عوضا يسيرا. وذلك لأن رؤساء اليهود مثل كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأمثالهما كانوا يأخذون من سفلة اليهود الهدايا، وعلموا أنهم لو اتبعوا محمدا لانقطعت عنهم تلك الهدايا فأصروا على الكفر لئلا ينقطع عنهم ذلك القدر المحقّر، وذلك لأن الدنيا كلها بالنسبة إلى الدين قليلة جدا، ثم تلك الهدايا كانت في نهاية القلة بالنسبة إلى الدنيا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) أي فخافوني في شأن هذا النبي صلّى الله عليه وسلّم. وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ والباء للاستعانة والمعنى ولا تخلطوا الحق بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين، وذلك لأن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد كانت نصوصا خفية يحتاج في معرفتها إلى الاستدلال، ثم إنهم كانوا يجادلون فيها ويشوشون وجه الدلالة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) ما في إضلال الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم يوم القيامة، وذلك لأن التلبيس صار صارفا للخلق عن قبول الحق إلى يوم القيامة، وداعيا لهم إلى الاستمرار على الباطل إلى يوم القيامة، ثم ذكر الله لزوم الشرائع عليهم بعد الإيمان. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي أتموا الصلوات الخمس وَآتُوا الزَّكاةَ أي أعطوا زكاة أموالكم وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أي صلوا الصلوات الخمس مع المصلين محمد وأصحابه في جماعتهم، وخصّ الله الركوع بالذكر تحريضا لليهود على الإتيان بصلاة المسلمين فإن اليهود لا ركوع في صلاتهم فكأنه تعالى قال: صلوا الصلاة ذات الركوع في جماعة أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.

صفحة رقم 18

روي عن ابن عباس أنه قال: إن أحبار المدينة إذا جاءهم أحد في الخفية لاستعلام أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم قالوا: هو صادق فيما يقول وأمره حقّ فاتبعوه، وهم كانوا لا يتبعونه لطمعهم في الهدايا والصلات التي كانت تصل إليهم من أتباعهم. ويقال: إن جماعة من اليهود كانوا مبعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم يخبرون مشركي العرب أن رسولا سيظهر منكم ويدعو إلى الحق وكانوا يرغبونهم في اتباعه، فلما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم حسدوه وكفروا به فبكتهم الله تعالى بذلك فقال: وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أي التوراة الناطقة بنعوت محمد صلّى الله عليه وسلّم أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) أي أتتلونه فلا تعقلون ما فيه وَاسْتَعِينُوا أيها اليهود على ترك ما تحبون من الدنيا وعلى الدخول فيما تستثقله طباعكم من قبول دين محمد صلّى الله عليه وسلّم بِالصَّبْرِ أي بحبس النفس عن اللذات وَالصَّلاةِ فإنها جامعة لأنواع العبادات وَإِنَّها أي الصلاة لَكَبِيرَةٌ أي لشاقة إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) أي المائلين إلى الطاعة الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ بالموت في كل لحظة وذلك لأن كل من كان منتظرا للموت في كل لحظة، لا يفارق قلبه الخشوع، فهم يبادرون إلى التوبة لأن خوف الموت مما يقوي دواعي التوبة. وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦) في الآخرة فيجازيهم بأعمالهم يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) أي واذكروا أني فضلت آباءكم على الموجودين في زمانهم لا على من مضى ولا على من يوجد بعدهم، وأيضا معنى تفضيلهم على جميع العوالم أن الله تعالى بعث منهم رسلا كثيرة لم يبعثهم من أمة غيرهم ففضلوا لهذا النوع من التفضيل على سائر الأمم وَاتَّقُوا أيها اليهود إن لم تؤمنوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ بالتأنيث على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وبالتذكير على قراءة الباقين مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي فداء وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) أي يمنعون من عذاب الله تعالى ومعنى الآية أن يوم القيامة لا تنوب نفس عن نفس شيئا ولا تحمل عنها شيئا مما أصابها بل يفر المرء فيه من أخيه وأمه وأبيه، ومعنى هذه النيابة أن طاعة المطيع لا تقضي عن العاصي ما كان واجبا عليه
. وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ وقرئ «أنجيناكم» و «نجيتكم» ف «إذا» في موضع نصب عطفا على نعمتي عطف تفصيل على مجمل، وكذلك الظروف الآتية في الكلام المتعلق ببني إسرائيل وينقضي عند قوله تعالى: «سَيَقُولُ السُّفَهاءُ والخطاب للموجودين في زمن نبينا. تذكيرا لهم بما أنعم الله على آبائهم لأن إنجاء الآباء سبب في وجود الأبناء». والمعنى ويا بني إسرائيل اذكروا إذ نجينا آباءكم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أي أتباعه وأهل دينه وعمر فرعون أكثر من أربعمائة سنة- وهو الوليد بن مصعب بن ريان- يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ أي يطلبون لكم أشد العذاب. ثم بيّن الله ذلك بقوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ صغارا.
وقرئ «يذبحون» بالتخفيف. وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي يتركونهن أحياء صغارا. ويقال:
يستخدمونهن كبارا، وذلك أن فرعون رأى في منامه نارا أقبلت من بيت المقدس حتى أحاطت

صفحة رقم 19
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية