آيات من القرآن الكريم

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

الأرض محاربين مع إبليس، لأن الله تعالى لما أسكن الجن الأرض فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضا بعث الله إبليس في جند من الملائكة فقتلهم إبليس بعسكره حتى أخرجوهم من الأرض وألحقوهم بجزائر البحر. وهؤلاء خزّان الجنان أنزلهم الله من السماء إلى الأرض لطرد الجن إلى الجزائر والجبال وسكنوا الأرض فخفّف الله عنهم العبادة وكان إبليس يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء، وتارة في الجنة فدخله العجب وقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه. فقال تعالى له ولجنده: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أي بدلا منكم ورافعكم إليّ فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة. والمراد به آدم عليه السلام قالُوا استكشافا عمّا خفي عليهم من الحكمة لا اعتراضا على الله تعالى ولا طعنا في بني آدم على طريق الغيبة: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي بمقتضى القوة الشهوانية وَيَسْفِكُ الدِّماءَ بالظلم بمقتضى القوة الغضبية- فغفلوا عن مقتضى القوة العقلية التي بها يحصل الكمال والفضل- وَنَحْنُ نُسَبِّحُ أي ننزهك عن كل ما لا يليق بشأنك ملتبسين بِحَمْدِكَ على ما أنعمت به علينا من فنون النعم، التي من جملتها توفيقنا لهذه العبادة. فالتسبيح لإظهار صفات الجلال، والحمد لتذكير صفات الأنعام وَنُقَدِّسُ لَكَ أي نصفك بما يليق بك من العلو والعزّة، وننزهك عما لا يليق بك. وقيل: المعنى نطهّر نفوسنا عن الذنوب لأجلك، أي فنحن أحق بالاستخلاف قالَ تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) من مصلحة استخلاف آدم عليه السلام.
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها أي أسماء كل ما خلق الله من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولد آدم اليوم ثُمَّ عَرَضَهُمْ أي ذوات الأشياء عَلَى الْمَلائِكَةِ بأن صور الله الأشياء في قلوبهم فصارت كأنهم شاهدوها، أو خلق الله تعالى معاني الأسماء التي علّمها آدم حتى شاهدتها الملائكة فَقالَ تعالى لهم توبيخا: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ المسميات إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) في زعمكم أنكم حق بالخلافة ممن استخلفته. قالُوا إقرارا بالعجز: سُبْحانَكَ أي تبنا إليك من ذلك القول لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا أي وإنما قالوا:
أتجعل فيها من يفسد فيها، لأن الله تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا: إنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. فقلنا لك: أتجعل فيها من يفسد فيها، وأما هذه الأسماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ أي الذي لا يخرج عن علمه شيء، الْحَكِيمُ (٣٢) أي المحكم لصنعته قالَ تعالى: يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ أي أخبر الملائكة بِأَسْمائِهِمْ أي المسميات فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ مفصلة وبيّن لهم أحوال كل من المسميات وخواصه وأحكامه المتعلقة بالمعاش والمعاد قالَ الله تعالى لهم موبخا: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي أعلم غيب ما يكون فيهما وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ أي تظهرون من قولكم:
أتجعل فيها إلى آخره وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) أي من استبطانكم أنكم أحقاء بالخلافة.

صفحة رقم 15

وروى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود: أن المراد بقوله تعالى: ما تُبْدُونَ قولهم:
«أتجعل فيها من يفسد فيها» وبقوله: وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر ومن أن لا يسجد. وقيل: لما خلق الله تعالى آدم رأت الملائكة خلقا عجيبا، فقالوا: ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أكرم عليه منه فهذا الذي كتموه. وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ سجود تعظيم لآدم من غير وضع الجهة على الأرض فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى عن أمر الله وَاسْتَكْبَرَ أي تعاظم عن السجود لآدم وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) أي صار من الكافرين بإبائه عن أمر الله.
ويقال: إن إبليس حين اشتغاله بالعبادة كان منافقا كافرا، وهذا السجود كان قبل دخول آدم الجنة. وروي أن بني آدم عشر: الجن، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر، وهؤلاء كلهم عشر الطيور، وهؤلاء كلهم عشر حيوانات البحر، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين بها، وكل هؤلاء عشر ملائكة سماء الدنيا وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية. وعلى هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة، ثم الكل في مقابلة ملائكة الكرسي نزر قليل، ثم كل هؤلاء عشر ملائكة السرادق الواحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السموات والأرضون وما فيها وما بينها فإنها كلها تكون شيئا يسيرا وقدرا صغيرا، وما من مقدار موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم، زجل بالتسبيح والتقديس، ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر ولا يعلم عددهم إلا الله، ثم مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل عليه السلام والملائكة الذي هم جنود جبريل عليه السلام وكلهم مشتغلون بعبادته تعالى لا يحصي أجناسهم ولا مدة أعمارهم ولا كيفية عبادتهم إلا الله تعالى. وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ حواء الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها أكلا رَغَداً أي واسعا لذيذا حَيْثُ شِئْتُما أي في أيّ مكان أردتما منها، وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ.
روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الشجرة فقال: «هي الشجرة المباركة السنبلة»
. وعن مجاهد وقتادة: هي التين. وعن يزيد بن عبد الله: هي الأترج، وعن ابن عباس: هي شجرة العلم عليها من كل لون وفن. فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) أي فتصيرا من الضارين لأنفسكما. ويقال: من الذين وضعوا أمر الله تعالى في غير موضعه فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ أي أزلقهما إبليس عَنْها أي الجنة.
وقرأ حمزة بألف بعد الزاي، والباقون بغير ألف وتشديد اللام فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ أي من الرغد. وَقُلْنَا لآدم وحواء وإبليس: اهْبِطُوا انزلوا إلى الأرض، فهبط آدم بسر نديب من أرض الهند على جبل يقال له: نود، وهبطت حواء بجدة، وإبليس بالأبلة من أعمال البصرة

صفحة رقم 16

بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: ٢٢]، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي منزل وَمَتاعٌ أي منفعة ومعاش إِلى حِينٍ (٣٦) أي إلى وقت الموت فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أي حفظ آدم من ربه كلمات لكي تكون سببا له ولأولاده إلى التوبة.
وقرأ ابن كثير بنصب «آدم»، ورفع «كلمات» أي جاءته عن الله تعالى كلمات. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: «إنها لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا،
وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم»
.
وقال مجاهد وقتادة هي: «ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين». فَتابَ عَلَيْهِ أي رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ أي الرجاع على عباده بالمغفرة. الرَّحِيمُ (٣٧) أي البالغ في الرحمة لمن مات على التوبة. قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها أي الجنة جَمِيعاً إما في زمان واحد أو في أزمنة متفرقة. وفائدة تكرير الأمر بالهبوط أن آدم وحواء لما آتيا بالزلة أمرا بالهبوط فتابا بعد الأمر به، ووقع في قلبهما أن الأمر به لما كان بسبب الزلة فبعد التوبة لا يبقى الأمر به، فأعاد الله الأمر به مرة ثانية ليعلما أن الأمر به باق بعد التوبة، لأن الأمر به كان تحقيقا للوعد المتقدم في قوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: ٣٠] وعلى هذا فالجمع لاثنين فقط آدم وحواء، ويحتمل كون الجمع لهما ولولديهما قابيل وإقليما بناء على القول بأنهما ولدا في الجنة، ولعل عدم ذكرهما كونهما تابعين لأبويهما. وكان قابيل قد غضبه أبواه لقتله هابيل فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ يا ذرية آدم مِنِّي هُدىً دلالة كدليل العقل والنقل، و «إن» للشرطية أدغمت في «ما» الزائدة للتأكيد فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ بأن تأمل الأدلة بحقها واستنتج المعارف منها فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) على ما فاتهم من الدنيا. ويقال: فلا خوف عليهم إذا ذبح الموت ولا هم يحزنون إذا أطبقت النار، وزوال الخوف يتضمن السلامة من جميع الآفات، وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل اللذات والمرادات، وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله تعالى لا يلحقه خوف في القبر وعند البعث وعند حضور الموقف، وعند تطاير الكتب، وعند نصب الميزان وعند الصراط وَالَّذِينَ كَفَرُوا برسلنا المرسلة إليهم وَكَذَّبُوا بِآياتِنا المنزّلة عليهم سواء كانوا من الإنس أو من الجن أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ أي أهل النار وملازموها بحيث لا يفارقونها. هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) أي دائمون لا يخرجون منها ولا يموتون فيها يا بَنِي إِسْرائِيلَ أي يا أولاد يعقوب، وهذا خطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من أولاد يعقوب عليه السلام في أيام سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم. اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون وفلق البحر، وتظليل الغمام في التيه،

صفحة رقم 17
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية