
وقيل: استوى بمعنى ارتفع، والمراد- والله أعلم- ارتفاع أمره.
وقيل: استوى بمعنى عمد أو قصد إليها، أي بخلقه واختراعه، واختاره الطبري: على دون تكييف ولا تحديد.
ودل القرآن في هذه الآية وغيرها على وجود سبع سموات وسبع أرضين، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ، وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق ٦٥/ ١٢] يعني أن السموات بعضها فوق بعض وأن الأرضين بعضها تحت بعض.
ولكن لم يرد خبر في السنة يوضح حقيقة السموات والأرضين، فلا فائدة في بحث طبيعة السماء، وما علينا إلا أن نؤمن بظاهر القرآن في هذا التعداد، ونستدل به على عظمة الخالق الذي رفع السماء، وبسط الأرض. وقد أورد الرازي في تفسيره نظريات الفلكيين أو أهل الهيئة التي يفهم منها أن السبع السموات هي الكواكب السيارة «١»، غير أن العلم الحديث اكتشف وجود كواكب سيارة أخرى مثل نبتون وبلوتو وأورانوس، غير المعروفة قديما وهي القمر، وعطارد، والزهرة، والشمس، والمريخ، والمشتري، وزحل.
استخلاف الإنسان في الأرض وتعليمه اللغات
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)

الإعراب:
وَإِذْ ظرف زمان ماض، منصوب بإضمار فعل مقدر تقديره: اذكر، ويجوز أن ينتصب بقالوا. وهو مبني لتضمنه معنى الحرف، لأن كل ظرف لا بد فيه من تقدير حرف، وهو «في» أو لأنه يشبه الحرف في أنه لا يفيد مع كلمة واحدة، وهو مبني على السكون، لأنه الأصل في البناء. وإذ للماضي، وإذا للمستقبل، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى. جاعِلٌ من جعل الذي له مفعولان، دخل على المبتدأ والخبر، وهما قوله: فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فكانا مفعوليه.
أَتَجْعَلُ تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية. وَنَحْنُ للحال، بِحَمْدِكَ الباء هنا تسمى باء الحال، والمعنى: نسبحك حامدين لك، ومتلبسين بحمدك، لأنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق واللطف، لم نتمكن من عبادتك.
عَرَضَهُمْ ولم يقل: عرضها، لأنه أراد مسميّات الأسماء، وفيهم من يعقل، وفيهم من لا يعقل، فغلّب جانب العقلاء.
سُبْحانَكَ الصحيح أن سبحانا وكفرانا: اسمان أقيما مقام المصدر، وليسا بمصدرين.
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ أنت: إما مبتدأ، والعليم خبره، والحكيم صفة له، أو خبر بعد خبر، والجملة خبر إن، وإما ضمير فصل لا موضع لها من الإعراب، والعليم خبر إن، والحكيم صفة له، أو خبر بعد خبر.
البلاغة:
رَبُّكَ إضافته إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم للتشريف والتكريم لمقامه لِلْمَلائِكَةِ تقديم الجار والمجرور على المقول للاهتمام بما قدّم.
أَنْبِئُونِي أريد به التعجيز والتبكيت.
فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ فيه مجاز بالحذف، والتقدير: فأنبأهم بها، فلما أنبأهم.
ثُمَّ عَرَضَهُمْ من باب التغليب للعقلاء على غير العقلاء.

وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ تكرار الفعل مع ما قبله: إِنِّي أَعْلَمُ للتنبيه على إحاطة علم الله تعالى بجميع الأشياء، وهذا يسمى بالإطناب. تُبْدُونَ وتَكْتُمُونَ يسمى في علم البديع بالطباق.
المفردات اللغوية:
وَإِذْ: اذكر يا محمد. رَبُّكَ الرب: المالك والسيد والمصلح والجابر.
لِلْمَلائِكَةِ: أجسام نورانية لا يأكلون ولا يشربون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. وهو جمع ملك، وأصله: ملاك وزنه مفعل. خَلِيفَةً: الخليفة: من يخلف غيره ويقوم مقامه في تنفيذ الأحكام، والمراد بالخليفة هنا آدم عليه السلام. يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي وَيَسْفِكُ الدِّماءَ يريقها بالقتل عدوانا، كما فعل بنو الجان، وكانوا فيها، فلما أفسدوا أرسل الله عليهم الملائكة، فطردوهم إلى الجبال والجزر. نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ننزهك عن كل نقص، متلبسين بحمدك، أي تقول: سبحان الله وبحمده وَنُقَدِّسُ لَكَ
نمجدك ونعظمك وننزهك عما لا يليق بعظمتك، فاللام زائدة، والجملة حال، أي فنحن أحق بالاستخلاف أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ من المصلحة في استخلاف آدم. وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ واحدها اسم، وهو في اللغة: ما به يعلم الشيء، والمراد به: أسماء المسميات، فحذف المضاف إليه، لكونه معلوما مدلولا عليه، بذكر الأسماء، لأن الاسم لا بد له من مسمى.
ثُمَّ عَرَضَهُمْ أي عرض المسميات، وفيه تغليب العقلاء. أَنْبِئُونِي أخبروني، وقد يستعمل الإنباء في الإخبار بما فيه فائدة عظيمة، وهو المراد هنا.
سُبْحانَكَ تقديسا وتنزيها لك عن الاعتراض عليك. الْعَلِيمُ الذي لا تخفى عليه خافية، الْحَكِيمُ المحكم لمبتدعاته، فلا يفعل إلا ما فيه الحكمة البالغة.
المناسبة:
هذه القصة أو المحاورة بين الله تعالى وملائكته نوع من التمثيل بإبراز المعاني المعقولة بالصور المحسوسة، تقريبا للأفهام، وفيها بيان مدى تكريم الله للإنسان باختيار آدم خليفة عن الله في الأرض، وتعليمه اللغات التي لا تعلمها الملائكة، مما يوجب على الناس الإيمان بهذا الخالق الكريم، ولا يليق بأحد الكفر والعناد، وهو استمرار في توبيخ الكفار، وتذكيرهم بنعم الله عليهم.

التفسير والبيان:
اذكر يا محمد لقومك قصة خلق أبيهم آدم، حين قال الله للملائكة: إني متخذ في الأرض خليفة، يقوم بعمارتها وسكناها، وينفذ أحكامي فيها بين الناس، وتتعاقب الأجيال من بعده في مهامه كلها حتى يعمر الكون، فتساءل الملائكة متعجبين ومستعلمين: كيف تستخلف هذا الخليفة؟ وفي ذريته من يفسد في الأرض بالمعاصي ويريق الدماء بالبغي والعدوان، لأن أفعالهم عن إرادة واختيار، وقد خلقوا من طين، والمادة جزء منهم، ومن كان كذلك فهو إلى الخطأ أقرب.
فكيف تجعل- على سبيل التعجب والتعلم، لا الاعتراض والحسد- مكان أهل الطاعة أهل المعصية، وأنت الحكيم الذي لا يفعل إلا الخير، ولا يريد إلا الخير؟
فإن قلت: من أين عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه، وإنما هو غيب؟
قلت: عرفوه بإخبار من الله، أو من جهة اللوح المحفوظ، أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون، وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم، أو قاسوا أحد الثقلين وهم الإنس على الآخر وهم الجن، حيث أسكنوا الأرض، فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة «١». أو أنهم عرفوا طبيعة المادة وفيها الخير والشر، وهو ما رجحناه أولا، ويقال: كان هناك نوع من الخلق في الأرض قبل آدم، أفسد وسفك الدماء، وسيحل هذا الخليفة محله، بدليل قوله تعالى:
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ [يونس ١٠/ ١٤] فقاس الملائكة هذا الخليفة عليه.

ونحن الملائكة أولى بالاستخلاف، لأن أعمالنا مقصورة على تسبيحك وتقديسك وطاعتك، فأجابهم الله تعالى: إني أعلم من المصلحة في استخلافه ما هو خفي عنكم، وأعلم كيف تصلح الأرض، وكيف تعمر، ومن هو أصلح لعمارتها، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونها. ولعل التنافس على المصالح بين الناس وتنازع البقاء، وحب الذات من أقوى الدواعي على تقدم الكون وتحضر العالم، فبالخير والشر تصلح الدنيا وتعمر، وبها تظهر حكمة إرسال الرسل، واختبار البشر، وجهاد النفس. وفي هذا إرشاد الملائكة أن يعلموا أن أفعاله تعالى في غاية الحكمة والكمال.
ثم عقد الرب سبحانه امتحانا للملائكة، لإظهار عجزهم، وإبطال زعمهم أنهم أحق بالخلافة من خليفته، بعد أن علّم آدم أسماء الأشياء والأجناس المادية من نبات وجماد وإنسان وحيوان، مما تعمر به الدنيا، ثم عرض مجموعة المسميات على الملائكة، أو عرض نماذج منها، أي عرض الأشخاص، لقوله تعالى:
عَرَضَهُمْ لأن العرض لا يصح في الأسماء، وقال لهم: أخبروني بأسماء هؤلاء، إن كنتم صادقين في ادعائكم أنكم أحق بالخلافة من غيركم، فعجزوا، وقالوا:
يا رب سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم بكل شيء، الحكيم في كل صنع.
وفي هذا إشارة لتفضيل آدم على الملائكة واصطفائه، بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة، فلا يكون لهم فخر عليه.
ثم قال المولى جل جلاله: أخبرهم يا آدم بأسماء الأشياء التي عجزوا عن علمها، واعترفوا بقصورهم عن معرفتها، فلما أخبرهم بكل أسماء تلك الأشياء، أدركوا السر في خلافة آدم وذريته، وأنهم لا يصلحون للاشتغال بالماديات، والدنيا لا تقوم إلا بها، إذ هم خلقوا من النور، وآدم خلق من الطين، والمادة جزء منه.

وحينئذ قال تعالى للملائكة: ألم أقل لكم: إني أعلم ما غاب في السموات والأرض عنكم، وما حضر أيضا، ولا أجعل الخليفة في الأرض عبثا، وأعلم ما ظهر وما بطن، وما تظهرون وما تكتمون من نحو قولكم فيما روي عن ابن عباس: «لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا، فنحن أحق بالخلافة في الأرض» «١». هذا وجه من التأويل، وقال الطبري: وأولى الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس: وهو أن معنى قوله: وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ. وأعلم مع علمي غيب السموات والأرض، ما تظهرون بألسنتكم، وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وما كنتم تخفونه في أنفسكم، فلا يخفى علي شيء، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم. والذي أظهروه بألسنتهم: ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوه، وهو قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وَيَسْفِكُ الدِّماءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟.
والذي كانوا يكتمونه: ما كان منطويا عليه إبليس من مخالفة أمر الله، والتكبر عن طاعته «٢».
فقه الحياة أو الأحكام:
أولا
- دلت هذه الآيات على تكريم الإنسان الذي جعله الله خليفة في هذه الأرض في تنفيذ أوامره بين الناس، ويؤيده قوله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ (ص ٣٨/ ٢٦) والحكمة من جعل آدم خليفة هي الرحمة بالناس، إذ لا طاقة للعباد على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة، فكان من رحمته تعالى إرسال الرسل من البشر. ومع هذا اختلف المفسرون في تأويل كلمة خَلِيفَةً وتحديد المستخلف عنه «٣».
(٢) تفسير الطبري: ١/ ١٧٦
(٣) تفسير الطبري: ١/ ١٥٦ وما بعدها، تفسير ابن كثير: ١/ ٦٩، الكشاف: ١/ ٢٠٩، القرطبي:
١/ ٢٦٣، تفسير الرازي: ٢/ ١٦٥ وما بعدها. [.....]

فقال ابن عباس: أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، فقتلهم إبليس ومن معه، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم، فأسكنه إياها، فلذلك قال: إني جاعل في الأرض خليفة. فعلى هذا القول: إني جاعل في الأرض خليفة عن الجن، يخلفونهم فيها، فيسكنونها ويعمرونها، وليس آدم أول أصناف العقلاء في الأرض.
وقال الحسن البصري: في تأويل قوله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أي خلفا يخلف بعضهم بعضا، وهم ولد آدم الذين يخلفون أباهم آدم، ويخلف كل قرن منهم القرن الذي سلف قبله، جيلا بعد جيل، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام ٦/ ١٦٥] وقال: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ [النمل ٢١/ ٦٢] وقال: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزخرف ٤٣/ ٦٠] وقال: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف ٧/ ١٦٩].
ومن هو الخليفة؟ قيل: أريد بالخليفة آدم، واستغنى بذكره عن ذكر بنيه، كما يستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك: مضر وهاشم.
وقال زيد بن علي: ليس المراد هاهنا بالخليفة آدم عليه السلام فقط، كما يقوله طائفة من المفسرين. قال ابن كثير: والظاهر أنه لم يرد آدم عينا، إذ لو كان ذلك، لما حسن قول الملائكة: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ فإنهم أرادوا: أن من هذا الجنس من يفعل ذلك، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية المخلوقة من صلصال من حمأ مسنون، أو فهموا من الخليفة: أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم، ويردعهم عن المحارم والمآثم، أو أنهم قاسوهم على من سبق.
والخلاصة: هناك قولان في المراد بالخليفة:

أحدهما- أنه آدم عليه السلام، وقوله: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها المراد ذريته لا هو.
والثاني- أنه ولد آدم.
ثم إن هذه الآية أصل في نصب إمام حاكم، وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف بين العلماء في وجوب ذلك، إلا ما روي عن أبي بكر الأصم من المعتزلة أنه قال: الإمامة غير واجبة في الدين، بل يسوغ ذلك، وأن الأمة متى أقاموا حجهم وجهادهم، وتناصفوا فيما بينهم، وبذلوا الحق من أنفسهم، وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها، وأقاموا الحدود على من وجبت عليه، أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماما يتولى ذلك.
وأدلة الجمهور: قول الله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وقوله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص ٣٨/ ٢٦] وقوله عز وجل:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور ٢٤/ ٥٥] أي يجعل منهم خلفاء.
وأجمعت الصحابة على تقديم أبي بكر الصديق، بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في تعيين الخليفة «١».
وطرق تعيين الإمام ثلاث «٢» :
١- النص على الخليفة: كما نص النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أبي بكر بالإشارة، وأبو بكر على عمر.
(٢) المرجع السابق: ١/ ٢٦٨

٢- الانتخاب بواسطة جماعة: كما فعل عمر، ويكون التخيير إليهم في تعيين واحد منهم، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في تعيين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
٣- إجماع أهل الحل والعقد.
ثانيا
- الجمهور الأعظم من علماء الدين اتفقوا على عصمة كل الملائكة عن جميع الذنوب «١». وفي إخبار الله الملائكة بخلق آدم واستخلافه في الأرض تعليم لعباده المشاورة في أمورهم. وقول الملائكة: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ليس على وجه الاعتراض أو الحسد لبني آدم، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف الحكمة في ذلك.
ثالثا
- استدل الأشعري والجبائي والكعبي بآية وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها على أن اللغات كلها توقيفية، بمعنى أن الله تعالى خلق علما ضروريا بتلك الألفاظ وتلك المعاني، وبأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني «٢».
رابعا
- آية تعليم آدم الأجناس التي خلقها الله، وألهمه معرفة ذواتها وخواصها وصفاتها وأسمائها، إما في آن واحد أو آنات متعددة، هذه الآية دالة على فضل العلم، فإنه سبحانه ما أظهر كمال حكمته في خلقه آدم عليه السلام، إلا بأن أظهر علمه، فلو كان في الإمكان وجود شيء أشرف من العلم، لكان من الواجب إظهار فضله بذلك الشيء، لا بالعلم «٣».
وكانت الحكمة في التعليم والعرض على الملائكة تشريف آدم واصطفاءه، كيلا يكون للملائكة مفخرة عليه بعلومهم ومعارفهم، وإظهار الأسرار والعلوم
(٢) تفسير الرازي: ١/ ١٧٥
(٣) المصدر السابق: ١/ ١٧٨

المكنونة في غيب علمه تعالى على لسان من يشاء من عباده «١».
خامسا
- أرشدت آية إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إلى أن الدعاوي لا يؤبه بها إلا بإثباتها بالدليل، وأن المدّعي لشيء يطالب بالحجة والبرهان تأييدا لما ادّعى.
سادسا
- في قوله: «هؤلاء» إشارة إلى أنه سمى الأشياء التي وقع عليها الحس، كالطيور والبهائم وأنواع الحيوان التي أمامه.
سابعا
- دل قول الملائكة: قالُوا: سُبْحانَكَ الآية، على قصور علم المخلوقات أمام علم الخالق، وأن فعل الخالق لا يخلو من الحكمة والفائدة، وأن علم الملائكة محدود لا يتناول جميع الأشياء. والواجب على من سئل عن علم لم يعرفه أن يقول: الله أعلم لا أدري، اقتداء بالملائكة والأنبياء وفضلاء العلماء.
ثامنا
- في آيات إخبار آدم بأسماء المسميات دلالة واضحة على شرف الإنسان وتفضيله على غيره من المخلوقات، وعلى فضل العلم على العبادة، فإن الملائكة أكثر عبادة من آدم، ولم يكونوا أهلا لاستحقاق الخلافة، وعلى أن شرط الخلافة العلم، وعلى أفضلية آدم على الملائكة.
تاسعا
- إن استخلاف الملائكة الذين لا يحتاجون إلى شيء من الأرض لا يحقق حكمة استخلاف البشر في التعرف على أسرار الكون، وعمارة الأرض، واستخراج ما فيها من خيرات وزروع ومعادن، ولا يؤدي إلى تقدم العلوم والفنون التي شهدنا تفوقها في القرن العشرين.