آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

وقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ... (٢٨١)
حدّثنا محمد بن الجهم عن الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ «١» بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ هَذِهِ، ثُمَّ قَالَ: ضَعْهَا فِي «٢» رَأْسِ الثَّمَانِينَ وَالْمِائَتَيْنِ مِنَ الْبَقَرَةِ، وقوله: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ... (٢٨٢)
هذا الأمر ليس بفريضة، إنما هُوَ أدب ورحمة من اللَّه تبارك وتعالى. فإن كتب فحسن، وإن لم يكتب فلا بأس. وهو مثل قوله وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «٣» أي فقد أبيح لكم الصيد. وكذلك قوله فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ «٤» ليس الانتشار والابتغاء بفريضة بعد الجمعة، إنما هُوَ إذن.
وقوله وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ أمر الكاتب ألا يأبى لقلة الكتاب كانوا عَلَى عهد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فأمر الَّذِي عليه الدين بأن يمل لأنه المشهود عليه.
ثُمَّ قال فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً يعنى جاهلا أَوْ ضَعِيفاً صغيرا أو امْرَأَة أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ يكون عييّا بالإملاء فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ يعني صاحب الدين. فإن شئت جعلت الهاء للذي ولي الدين، وإن شئت جعلتها للمطلوب.
كلّ ذلك جائز.

(١) هو أحد الأعلام الثقات. مات سنة ١٩٣
(٢) رأى الآية آخر كلمة فيها. كالقافية فى البيت. فرأس آية ٢٨٠ هو «تَعْلَمُونَ» والمراد بالوضع فى هذه الكلمة الوضع عقبها. وبذلك تكون هذه الآية ٢٨١.
(٣) آية ٢ سورة المائدة.
(٤) آية ١٠ سورة الجمعة.

صفحة رقم 183

ثُمَّ قال تبارك وتعالى فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ أي فليكن رَجُل وامرأتان فرفع بالرد على الكون. وإن شئت قلت: فهو رَجُل وامرأتان.
ولو كانا نصبا أي فإن لم يكونا رجلين فاستشهدوا رجلا وامرأتين «١». وأكثر ما أتى فِي القرآن من هذا بالرفع، فجرى هذا معه.
وقوله مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما بفتح أن، وتكسر. فمن كسرها «٢» نوى بها الابتداء فجعلها منقطعة مما قبلها. ومن فتحها فهو أيضا على سبيل الجزاء إلا أنه نوى أن يكون «٣» فِيهِ تقديم وتأخير. فصار الجزاء وجوابه كالكلمة الواحدة. ومعناه- والله أعلم- استشهدوا امرأتين مكان الرجل كيما تذكر الذاكرة الناسية إن نسيت فلما تقدم الجزاء اتصل بما قبله، وصار جوابه مردودا عليه.
ومثله فِي الكلام قولك: (إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطي) فالذي يعجبك الإعطاء إن يسأل، ولا يعجبك المسألة ولا الافتقار. ومثله: استظهرت بخمسة إجمال أن يسقط مُسْلِم فأحمله، إنما استظهرت بها لتحمل الساقط، لا لأن يسقط مُسْلِم. فهذا دليل على التقديم والتأخير.
ومثله فِي كتاب اللَّه وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا «٤» ألا ترى أن المعنى: لولا أن يقولوا إن أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم: هلا أرسلت إلينا رسولا. فهذا مذهب بيّن.

(١) الجواب محذوف، أي لجاز، مثلا.
(٢) وهو حمزة. وفى هذه القراءة «فتذكر» بالرفع على الاستئناف.
(٣) وذلك أن الفتح على تقدير (لأن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والأصل فى هذا:
لأن تذكر إحداهما الأخرى إن تضل.
(٤) آية ٤٧ سورة القصص.

صفحة رقم 184

وقوله: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا إلى الحاكم.
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً ترفع وتنصب «١». فإن شئت جعلت تُدِيرُونَها فِي موضع «٢» نصب فيكون لكان مرفوع ومنصوب. وإن شئت جعلت «تُدِيرُونَها» فِي موضع رفع «٣». وذلك أنه «٤» جائز فِي النكرات أن تكون أفعالها تابعة لأسمائها لأنك تقول: إن كان أحد صالح ففلان، ثُمَّ تلقى (أحدا) فتقول: إن كان صالح ففلان، وهو غير موقت «٥» فصلح نعته مكان اسمه إذ كانا جميعا غير معلومين، ولم يصلح ذلك فِي المعرفة لأن المعرفة موقتة معلومة، وفعلها «٦» غير موافق للفظها ولا لمعناها.
فإن قلت: فهل يجوز أن تقول: كان أخوك القاتل، فترفع لأن الفعل معرفة والاسم معرفة فترفعا «٧» للاتفاق إذا كانا معرفة كما ارتفعا للاتفاق فِي النكرة؟
قلت: لا يجوز ذلك من قبل أن نعت المعرفة دليل عليها إذا حصلت «٨»، ونعت النكرة متصل بها كصلة الَّذِي. وقد أنشدني المفضل الضبي:

أفاطم إني هالك فتبيني ولا تجزعي كل النساء يئيم
ولا أنبأن بأن وجهك شانه خموش وإن كان الحميم الحميم «٩»
(١) النصب قراءة عاصم، وقرأ عامة القراء بالرفع.
(٢) أي على قراءة النصب إذ تكون الجملة صفة لتجارة المنصوبة خبرا، واسمها مستتر أي المعاملة والتجارة.
(٣) أي على أن الجملة صفة لتجارة المرفوعة فاعلا لكان التامة. [.....]
(٤) سقط فى ج.
(٥) يريد بالموقت المعرفة.
(٦) يريد بالفعل هنا الصفة.
(٧) أي المعرفتان: وفى ح: «فترتفعا».
(٨) أي قومت. وفى ش، ح: «جعلت» ويبدو أنه تحريف عما أثبتنا.
(٩) يقال خمشت المرأة وجهها إذا خدشته، ويكون ذلك عند الحزن، والحميم: القريب.
ينهاها عن الحزن ومظاهره على ميت، وإن كان حميما لها قريبا.

صفحة رقم 185

فرفعهما. وإنما رفع الحميم الثاني لأنه تشديد «١» للأول. ولو لم يكن فِي الكلام الحميم لرفع الأول. ومثله فِي الكلام: ما كُنَّا بشيء حين كنت، تريد حين صرت وجئت، فتكتفي (كان) بالاسم «٢».
ومما يرفع من النكرات قوله وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ وفي قراءة عَبْد اللَّه وأبي «وإن كان ذا عسرة» فهما جائزان إذا نصبت أضمرت فِي كان اسما كقول الشاعر «٣» :

لله قومى أي قوم لحرة إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا!
وقال آخر:
أعيني هلا تبكيان عفاقا «٤» إذا كان «٥» طعنا بينهم وعناقا
وإنما احتاجوا إلى ضمير الاسم فِي (كان) مع المنصوب لأن بنية (كان) على أن يكون لها مرفوع ومنصوب، فوجدوا (كان) يحتمل صاحبا مرفوعا فأضمروه مجهولا.
وقوله فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» «٦» فقد أظهرت الاسماء «٧». فلو قال: فإن كان نساء جاز الرفع «٨» والنصب. ومثله «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» «٩» ومثله
(١) أى توكيد له.
(٢) يريد بالاسم هنا فاعل كان التامة.
(٣) فى سيبويه ١/ ٢٢ عز ومثل هذا البيت إلى عمرو بن شأس. والبيت فيه:
بنى أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا
وقوله: «إذا كان يوما» أى إذا كان هو أى يوم الواقعة أو يوم القتال، مثلا.
(٤) عفاق اسم رجل. وقد يكون هذا عفاق بن مرى الذى يقول فيه صاحب القاموس: «أخذه الأحدب بن عمرو الباهلى فى قحط وشواه وأكله».
(٥) أى إذا كان (هو) أى القتال والجلاد.
(٦) آية ١١ سورة النساء.
(٧) يريد نون النسوة اسم كان. أى فإن كانت المتروكات أو الوارثات.
(٨) فالرفع على أن كان تامة، والنصب على أنها ناقصة. [.....]
(٩) الآية ٢٩ سورة النساء.

صفحة رقم 186

«إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» «١» ومن قال (تكون ميتة) جاز فِيهِ الرفع والنصب. وقلت (تكون) لتأنيث الميتة، وقوله «إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» «٢» فإن قلت: إن المثقال ذكر فكيف قال (تَكُنْ) «٣» ؟ قلت: لأن المثقال أضيف إلى الحبة وفيها المعنى كأنه قال: إنها إن تك حبة وقال الشاعر:

على قبضة مرجوة ظهرُ كَفّه فلا المرء مُسْتحيٍ ولا هُوَ طاعم
لأنه ذهب إلى الكف ومثله قول الآخر «٤» :
وتشرق بالقول الَّذِي قد أَذَعتَه كما شَرِقت صدر القناة من الدم
وقوله:
أَبَا عرو لا تبعد فكل ابن حرة ستدعوه داعي موته فيجيب «٥»
فأنث فعل الداعي وهو ذكر لأنه ذهب إلى الموتة. وقال الآخر «٦» :
قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت وقع المجاجن بالمهرية الذقن «٧»
فأنث فعل الوقع وهو ذكر لأنه ذهب إلى المحاجن.
وقوله وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ أي لا يدع كاتب وهو مشغول، ولا شهيد.
(١) آية ١٤٥ سورة الأنعام.
(٢) آية ١٦ سورة لقمان. قرئ مثقال حبة بالرفع والنصب.
(٣) أي التي هى أصل تك، فحذفت منها النون.
(٤) هو الأعشى ميمون يقوله فى عمير- وهو جهام- وكان بينهما عداوة. وانظر الصبح المنير ٩٤، والكتاب ١/ ٢٥. وفى الشنتمرى فى حاشيته أن الأعشى يخاطب يزيد بن مسهر الشيباني، وهو خلاف ما ذكرناه.
(٥) ذكره فى الخزانة ١/ ٣٧٧ ولم يعزه.
(٦) هو تميم بن أبى بن مقبل.
(٧) كتمان: اسم موضع، وقيل: اسم جبل. والذقن جمع الذقون، وهى من الإبل: التي تميل ذقنها إلى الأرض، تستعين بذلك على السير، وقيل هى السريعة. أي ابتذلت المهرية- وهى المنسوبة إلى مهرة- الذقن بوقع المحاجن فيها تستحث على السير، فقلبه وأنث، وقوله، «صرح السير عن كتمان» أي كشف السير عن هذا المكان.

صفحة رقم 187
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية