آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

عَبِيدِ اللَّهِ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَتْرُكُهُ ضَائِعًا فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَلَكَ يُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ «اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِكُلِّ مُنْفِقٍ خَلَفًا وَلِمُمْسِكٍ تَلَفًا» وَثَانِيهَا: أَنَّهُ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ فِي جَاهِهِ وَذِكْرِهِ الْجَمِيلِ، وَمَيْلِ الْقُلُوبِ إِلَيْهِ وَسُكُونِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَالِ مَعَ أَضْدَادِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْفُقَرَاءَ يُعِينُونَهُ بِالدَّعَوَاتِ الصَّالِحَةِ وَرَابِعُهَا: الْأَطْمَاعُ تَنْقَطِعُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَتَى اشْتُهِرَ أَنَّهُ مُتَشَمِّرٌ لِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ، فَكُلُّ أَحَدٍ يَحْتَرِزُ عَنْ مُنَازَعَتِهِ، وَكُلُّ ظَالِمٍ، وَكُلُّ طَمَّاعٍ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا نَادِرًا، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِإِرْبَاءِ الصَّدَقَاتِ فِي الدُّنْيَا.
وَأَمَّا إِرْبَاؤُهَا فِي الْآخِرَةِ
فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ الصَّدَقَاتِ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهَا إِلَّا الطَّيِّبَ، وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَلُوَّهُ حَتَّى أَنَّ اللُّقْمَةَ تَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ»
وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ [التَّوْبَةِ: ١٠٤] يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ [البقرة: ٢٧٦] قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: / وَنَظِيرُ قَوْلِهِ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِصَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا، وَنَظِيرُ قَوْلِهِ وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ بِحَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ فَاعْلَمْ أَنَّ الْكَفَّارَ فَعَّالٌ مِنَ الْكُفْرِ، وَمَعْنَاهُ مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَادَةً، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمُقِيمَ عَلَى الشَّيْءِ بِهَذَا، فَتَقُولُ: فُلَانٌ فَعَّالٌ لِلْخَيْرِ أَمَّارٌ بِهِ، وَالْأَثِيمُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهُوَ الْآثِمُ، وَهُوَ أَيْضًا مُبَالَغَةٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى اكْتِسَابِ الْآثَامِ وَالتَّمَادِي فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِمَنْ يُنْكِرُ تَحْرِيمَ الرِّبَا فَيَكُونُ جَاحِدًا، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكَفَّارُ رَاجِعًا إِلَى الْمُسْتَحِيلِ وَالْأَثِيمُ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى مَنْ يَفْعَلُهُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّحْرِيمِ، فَتَكُونُ الْآيَةُ جَامِعَةً للفريقين.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٧]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧)
اعْلَمْ أَنَّ عَادَةَ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ مُطَّرِدَةٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى مَهْمَا ذَكَرَ وَعِيدًا ذَكَرَ بَعْدَهُ وَعْدًا فَلَمَّا بالغ هاهنا فِي وَعِيدِ الْمُرَابِي أَتْبَعَهُ بِهَذَا الْوَعْدِ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ خَارِجٌ عَنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَعَطَفَ عَمَلَ الصَّالِحَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْمَعْطُوفُ مُغَايِرٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَجَابَ عَنْهُ أَلَيْسَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ مَعَ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ دَاخِلَانِ تَحْتَ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَكَذَا فِيمَا ذَكَرْتُمْ، وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [محمد: ٣٤] وقال: الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا [الْبَقَرَةِ: ٢٣٩].
وَلِلْمُسْتَدِلِّ الْأَوَّلِ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ كُلِّ لَفْظَةٍ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، فَيَبْقَى فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّعَذُّرِ عَلَى الأصل.
المسألة الثانية: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى رَبِّهِمْ أَجْرُهُمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَجْرِي مَجْرَى ما

صفحة رقم 81
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية