آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٧٧]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧)
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لِمُقَابَلَةِ الذَّمِّ بِالْمَدْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرَتِهَا قَرِيبًا. وَالْمَقْصُودُ التَّعْرِيضُ بِأَنَّ الصِّفَاتِ الْمُقَابِلَةَ لهاته الصِّفَات صفت غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْمُنَاسَبَةُ تَزْدَادُ ظُهُورًا لِقَوْلِهِ: وَآتُوا الزَّكاةَ.
[٢٧٨، ٢٧٩]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٢٧٨ إِلَى ٢٧٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)
قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِفْضَاءٌ إِلَى التَّشْرِيعِ بَعْدَ
أَنْ قُدِّمَ أَمَامَهُ مِنَ الْمَوْعِظَةِ مَا هَيَّأَ النُّفُوسَ إِلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [الْبَقَرَة: ٢٧٥] مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [الْبَقَرَة: ٢٧٥] فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ تَشْرِيعٌ وَقَعَ فِي سِيَاقِ الرَّدِّ، فَلَمْ يَكْتَفِ بِتَشْرِيعٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ وَلِذَا احْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّشْرِيعِ الصَّرِيحِ الْمَقْصُودِ، وَمَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ وَصْفٌ لِحَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ.
وَأُمِرُوا بِتَقْوَى اللَّهِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِتَرْكِ الرِّبَا لِأَنَّ تَقْوَى اللَّهِ هِيَ أَصْلُ الِامْتِثَالِ وَالِاجْتِنَابِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الرِّبَا مِنْ جُمْلَتِهَا. فَهُوَ كَالْأَمْرِ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ.
وَمَعْنَى وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا الْآيَةَ اتْرُكُوا مَا بَقِيَ فِي ذِمَمِ الَّذِينَ عَامَلْتُمُوهُمْ بِالرِّبَا، فَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: «فَلَهُ مَا سَلَفَ»، فَكَانَ الَّذِي سَلَفَ قَبْضُهُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَمَا لَمْ يُقْبَضْ مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ.

صفحة رقم 93

قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خِطَابًا لِثَقِيفٍ- أَهْلِ الطَّائِفِ- إِذْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَعْدَ حِصَارِ الطَّائِفِ عَلَى صُلْحٍ وَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ- الَّذِي أَوْلَاهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ- بِسَبَبِ أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مُعَامَلَاتٌ بِالرِّبَا مَعَ قُرَيْشٍ، فَاشْتَرَطَتْ ثَقِيفٌ قَبْلَ النُّزُولِ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ كُلَّ رِبًا لَهُمْ عَلَى النَّاسِ يَأْخُذُونَهُ، وَكُلَّ رِبًا عَلَيْهِمْ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ شَرْطَهُمْ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ خِطَابًا لَهُمْ- وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ- فَقَالُوا: لَا يَدَيْ لَنَا (١) بِحَرْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
فَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مَعْنَاهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حَقًّا، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذْ مَعْنَاهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِيمَانِ، وَانْدَفَعَتْ إِشْكَالَاتٌ عَرَضَتْ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَعْنِي إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِالشَّرْطِ فَقَدِ انْتَقَضَ الصُّلْحُ بَيْنَنَا، فَاعْلَمُوا أَنَّ الْحَرْبَ عَادَتْ جَذَعَةً، فَهَذَا كَقَوْلِهِ: «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ». وَتَنْكِيرُ حَرْبٍ لِقَصْدِ تَعْظِيمِ أَمْرِهَا وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَقْصِدِ عَدَلَ عَنْ إِضَافَةِ الْحَرْبِ إِلَى اللَّهِ وَجِيءَ عِوَضًا عَنْهَا بِمَنْ وَنُسِبَتْ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهَا بِإِذْنِهِ عَلَى سَبِيلِ مَجَازِ الْإِسْنَادِ، وَإِلَى رَسُولِهِ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ وَالْمُبَاشِرُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. فَإِذَا صَحَّ مَا ذُكِرَ فِي
سَبَبِ نُزُولِهَا فَهُوَ مِنْ تَجْوِيزِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحْكَامِ إِذْ قَبِلَ مِنْ ثَقِيفٍ النُّزُولَ عَلَى اقْتِضَاءِ مَا لَهُمْ مِنَ الرِّبَا عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الصُّلْحَ مَعَ ثَقِيفٍ عَلَى دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ تَمْكِينِهِمْ مِمَّا لَهُمْ قِبَلَ قُرَيْشٍ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا الثَّابِتَةِ فِي ذِمَمِهِمْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ مَصْلَحَةً، إِذِ الشَّأْنُ أَنَّ مَا سَبَقَ التَّشْرِيعَ لَا يُنْقَضُ كَتَقْرِيرِ أَنْكِحَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يُقِرُّهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَ بِالِانْكِفَافِ عَنْ قَبْضِ مَالِ الرِّبَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَهُمْ عَلَى خِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي الصُّلْحِ الَّذِي عَقَدُوهُ.
_________
(١) أَي لَا قدرَة لنا. فاليدان مجَاز فِي الْقُدْرَة لِأَنَّهُمَا آلتها، وَأَصله: لَا يدين لنا، فعاملوا الْمَجْرُور بِاللَّامِ مُعَاملَة الْمُضَاف إِلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلهم: لَا أَبَا لَهُ، بِإِثْبَات ألف أَبَا، قَالَه ابْن الْحَاجِب. وَقَالَ غَيره: اللَّام مقحمة بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ.

صفحة رقم 94
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية