آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

والميل عن الطاعة، يقال: (فسق) إذا جار. وأنشد (١):
فواسِقًا عَنْ قَصْدِهِ (٢) جَوَائِرا (٣)
وقال الفراء (الفسق) (٤) الخروج عن الطاعة، قال: والعرب تقول: فسقت الرطبة من قشرها، لخروجها منه، وكأن الفأرة إنما سميت (فويسقة) لخروجها من جحرها على الناس (٥). وقال أبو العباس: (الفسوق) الخروج (٦). وقال أبو الهيثم: وقد يكون الفسوق شركًا، ويكون إثمًا (٧). والذي أريد به هاهنا الكفر (٨) لقوله (٩) تعالى:
٢٧ - ﴿الَّذِينَ ينَقُضُونَ﴾. (والذين) من صفة الفاسقين. و (النقض) في

(١) "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٦، "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨، والخص من "التهذيب".
(٢) في (ب): (أمره) وهي رواية وردت في "اللسان" (فسق) ٦/ ٣٤١٤.
(٣) البيت لرؤبة كما في "مجاز القرآن" وقبله:
يهوِين في نَجد وغورًا غائرا
يصف إبلا منعدلة عن قصد نجد ورد البيت في "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٦، وفيه (قصدها) بدل (قصده) ومثله عند "الطبري" ١٥/ ٢٦١، وبمثل رواية الواحدي ورد في "الزاهر" ١/ ٢١٨، "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨، "اللسان" ٦/ ٣٤١٤، "القرطبي" ١/ ٢١٠.
(٤) (الفسق) ساقط من (ب)
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧، وفيه قوله: (ففسق عن أمر ربه) أي: خرج عن طاعة ربه، والعرب تقول:.. ونحوه في "التهذيب" (فسق).
(٦) "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٧٨.
(٧) في "التهذيب" وقال أبو الهيثم: الفسوق يكون الشرك ويكون الإثم (فسق) ٣/ ٢٧٨٩، وانظر: "اللسان" (فسق) ٦/ ٣٤١٤.
(٨) انظر: "الطبري" ١/ ١٨٢، و"ابن كثير" ١/ ٧٠، "زاد المسير" ١/ ٥٦، و"القرطبي" ١/ ٢١٠.
(٩) في (ب): (كقوله).

صفحة رقم 282

اللغة: الهدم، وإفساد ما أبرمته من حبل أو بناء (١)، و (نقيض الشيء) (٢): ما ينقضه (٣) اي: يهدمه ويرفع حكمه (٤).
والمناقضة في الشعر أن (٥) يقول الشاعر قصيدة، فينقض عليه شاعر آخر حتى يجيء بغير ما قال، والاسم النقيضة (٦) ويجمع على النقائض، ولهذا المعنى قالوا: نقائض (٧) جرير والفرزدق (٨).
وقوله تعالى: ﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾. (العهد) في اللغة يكون لأشياء مختلفة (٩)، والذي أريد به هاهنا الوصية (١٠) والأمر من قولهم: عهد الخليفة إلى فلان كذا وكذا، أي (١١): أمره. ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾ [يس:

(١) ذكر نحوه الأزهري عن الليث، "تهذيب اللغة" (نقض) ٤/ ٣٦٤٨، وانظر "اللسان" (نقض) ٨/ ٤٥٢٤.
(٢) في (أ): (نقيض).
(٣) في (أ) و (ج): (ما تنقضه) وما في (ب) أصح، وموافق لما في "الوسيط" ١/ ٦٨.
(٤) النقض: لغة: هو الكسر، وفي الاصطلاح: بيان تخلف الحكم المدعي عليه ثبوته أو نفيه عن دليل المعلل الدال عليه في بعض الصور. انظر "التعريفات" للجرجاني ص ٢٤٥. والتناقض: (اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته أن يكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة) انظر: "تيسير القواعد المنطقية شرح الرسالة الشمسية" ١/ ١٦٩.
(٥) في (ب): (الشعر أو يقول...).
(٦) في (ب): (النقضة).
(٧) في (ب): (أنقاض).
(٨) ذكره الأزهري في "التهذيب" عن الليث (نقض) ٨/ ٣٦٤، انظر "اللسان" (نقض) ٨/ ٤٥٢٤.
(٩) ذكر الأزهري عن أبي عبيد أن العهد يكون في أشياء مختلفة ثم ذكرها، انظر: "التهذيب" (عهد) ٣/ ٣٢٦٠٧.
(١٠) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢١٧.
(١١) في (ب): (أدا).

صفحة رقم 283

٦٠] أي ألم آمركم (١). والعهد أيضًا (٢) العقد الذي يتوثق به لما بعد (٣).
وذكر أبو إسحاق للعهد (٤) المذكور في هذه الآية وجهين (٥) أحدهما: ما أخذه على النبيين ومن اتبعهم ألا يكفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١].
وقال (٦): يجوز أن يكون عهد الله الذي أخذه من بين آدم من ظهورهم يوم الميثاق حين قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] ثم جحدوا ونقضوا ذلك العهد في حال كمال عقولهم.
والوجه الأول أصحهما، من قبل أن الله لا يحتج عليهم بما لا يعرفون، لأنه بمنزلة ما لم يكن إذا كانوا لا يشعرون به، ولا لهم دلالة عليه. والثاني مع هذه صحيح، لأنهم (٧) عرفوا ذلك العهد بخبر الصادق، فكان كما لو كانوا يشعرون به (٨).

(١) أنظر: "تهذيب اللغة" (عهد) ٣/ ٢٦٠٧.
(٢) في (ج): (أيضم).
(٣) انظر: "التهذيب" (عهد) ٣/ ٢٦٠٧، "مفردات الراغب" ص ٣٥٠.
(٤) في (ب): (العهد).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٣، ٧٢، وقد ذكر ثلاثة أوجه، وجهان ذكرهما المؤلف هنا، والثالث حين قال: وقال قوم: إن عهد الله: هو الاستدلال على توحيده، وأن كل مميز يعلم أن الله خالق، فعليه الإيمان به، ثم قال: والقولان الأولان في القرآن ما يصدق تفسيرهما. وذكر "الطبري" هذِه الوجوه وغيرها.
(٦) هذا هو الوجه الثاني.
(٧) في (أ)، (ج): (لأنه) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.
(٨) وبهذا يستدرك الواحدي على كلامه السابق عن العهد الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرج ذرية آدم من ظهره، فهذا العهد ثابت بالخبر الصحيح، أخرجه "الطبري" في (تفسيره)، وجمع محمود شاكر طرقه وانتهى إلى الأخذ بما قرره =

صفحة رقم 284

وهذا (١) الوجه هو قول ابن عباس ذكره في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [الرعد: ٢٥] في سورة الرعد، قال: يريد الذي (٢) عهد إليهم في صلب آدم ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ (٣).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾. (من) صلة لأجل التأكيد (٤). والميثاق: ما وقع التوثيق (٥) به، كما أن الميقات ما وقع التوقيت به، ومواقيت الحج من ذلك، لأنه وقع توقيت الإحرام ببلوغها. والكتاب أو

= أحمد شاكر من تصحيح الحديث انظر: "الطبري" ١٣/ ٢٢٣، ٢٢٢. قال ابن الجوزي: (ونحن وإن لم نذكر ذلك العهد، فقد ثبت بخبر الصادق فيجب الإيمان به) "زاد المسير" ١/ ٥٦. ويبقى السؤال هل الميثاق المأخوذ عليهم هو العهد المراد بهذِه الآية أم لا؟ رجح ابن جرير: أن المراد بالعهد في هذِه الآية العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل في التوراة من الإقرار بمحمد - ﷺ - بما جاء به وتبيين نبوته. انظر: "الطبري" ١/ ١٨٢ - ١٨٣. ورجح القرطبي وغيره. أنها عامة والعهد هو وصية الله تعالى إلى خلقه وأمره إياهم بطاعته وطاعة رسله، ونقضهم للعهد ترك ذلك. انظر: "القرطبي" ١/ ٢١٠، ابن كثير ١/ ٧٠.
(١) في (أ)، (ج): (هذِه) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.
(٢) في (ب): (الذين).
(٣) سورة الأعراف: ١٧٢. الأثر عن ابن عباس ذكره الواحدي في "الوسيط" قال (وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء) "الوسيط" ١/ ٦٨. ولم أجد الأثر عن ابن عباس في هذا المعنى في آية (البقرة) ولا في آية (الرعد) وقد وردت آثار عن ابن عباس من طريق عطاء في الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم أوردها "الطبري" في تفسير قوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] وليس في الآثار ذكر أنه هو العهد المراد بآية البقرة أو الرعد. انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ١١٠ - ١١٨.
(٤) وقيل: لابتداء الغاية، انظر: "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٧، "زاد المسير" ١/ ٥٦، "البحر" ١/ ١٢٧، قال أبو حيان: إن القول إنها زائدة بعيد.
(٥) في (ب): (للتوثيق).

صفحة رقم 285

الكلام الذي يستوثق به: ميثاق، الوقت الذي يعقد به الوعد: ميعاد (١)، وكذلك المصداق (٢) ما انعقد الصدق به (٣).
و (الياء) في الميثاق منقلبة عن الواو (٤).
وقال الفراء: يقال في جمع الميثاق: مياثق ومواثق، قال (٥):

حِمىً لاَ يُحَلُّ الدَّهْرَ إلَّا بِإذْنِنَا وَلَا نَسْأَلُ الأَقْواَمَ عَقْدَ المَيَاثِقِ (٦)
والكناية في الميثاق يجوز أن تكون (٧) عائدة على الله، [أي: من بعد ميثاق الله ذلك العهد، بما أكد من إيجابه عليهم. ويجوز أن تعود على العهد] (٨)، أي: من بعد ميثاق العهد وتوكده (٩).
(١) في (ج): (من معاد).
(٢) في (ب): (الصداق).
(٣) انظر. "الوسيط" ١/ ٦٩، و"الطبري" ١/ ١٨٤، "تهذيب اللغة" (وثق) ٤/ ٣٨٣٤، "الكشاف" ٢/ ٢٦٨، "البحر" ١/ ١٢٧، "القرطبي" ١/ ٢١١.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ ب، "القرطبي" ١/ ٢١١.
(٥) قول الفراء أورده الأزهري في "تهذيب اللغة"، قال: وأنشد في لغة (الياء)، أي (مياثق) "التهذيب" (وثق) ٤/ ٣٨٣٤، وانظر "اللسان" (وثق) ٨/ ٤٧٦٤.
(٦) البيت لعياض بن درة الطائي، وقيل: عياض بن أم درة، يصف قومه بالمنعة والقوة يقول: لنا حمى لا يحله احد إلا بإذننا، ولا نسأل أحدا عقد ميثاق حماية. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (وثق) ٤/ ٣٨٣٤، "إصلاح المنطق" ص ١٣٨، "الخصائص" ٣/ ١٧٥، "اللسان" (وثق) ٨/ ٤٧٦٤، "شرح المفصل" ٥/ ٢٢١، وأورد أبو زيد البيت على رواية (المواثق) وقال عن راوية المياثق: إنها شاذة: انظر "النوادر" ص ٢٧١.
(٧) في (أ)، (ج): (يكون) واخترت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج) والزيادة في (ب) يقتضيها السياق وقد وردت في "الوسيط" ١/ ٦٩.
(٩) انظر "الطبري" ١/ ١٨٤، وابن عطية ١/ ٢١٨، "زاد المسير" ١/ ٥٦، "الإملاء" ١/ ٢٧، "الكشاف" ١/ ٢٦٨.

صفحة رقم 286

وقوله تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: ٢٥] يعني الأرحام (١)، وذلك أنّ قريشاً قطعوا رحم النبي - ﷺ - بالمعاداة معه (٢).
وقيل: هو الإيمان بجميع الرسل والكتب، وهو نوع من الصلة، لأنهم قالوا: ﴿نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَكفُرُ بِبَعضٍ﴾ [النساء: ١٥٠] فقطعوا. وهذا الوجه هو قول ابن عباس ذكره في الآية التي في (الرعد) (٣)، وقال: المؤمن لا يفرق [بين أحد من رسله فوصلوا (٤).
قال الزجاج: وموضع ﴿أَنْ يُوصَلَ﴾ خفض على، (٥) البدل من (الهاء) المعنى: ما أمر الله أن يوصل (٦).
﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ بالمعاصي، وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد ﷺ (٧).
وقوله تعالى: ﴿أُوْلئِكَ هُمُ الخاَسِرُونَ﴾. أصل الخسران في التجارة

(١) رجح "الطبري" هذا القول ١/ ١٨٥، وانظر الثعلبي ١/ ٥٥٥ ب، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٥، "زاد المسير" ١/ ٥٧، وابن كثير ١/ ٧٠.
(٢) وهي عامة لكل قاطع لما أمر الله بوصله، انظر: "الطبري" ١/ ١٨٥.
(٣) وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.
(٤) وصلوا بينهم الإيمان بجميع الرسل. انظر: "الوسيط" ١/ ٦٩. والرواية عن ابن عباس ذكرها أبو الليث من طريق الضحاك وعطاء، في آية (البقرة) ولم أجد أحدًا - فيما اطلعت عليه- ذكرها في الرعد، الظر: "الطبري" ١٣/ ١٣٩ - ١٤٠، وقد ذكر الثعلبي١/ ٥٩ ب، والبغوي ١/ ٧٧، كلام ابن عباس بمعناه ولم ينسباه.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) انتهي كلام الزجاج، "معاني القرآن" ١/ ٧٣، وفيه (بأن يوصل).
(٧) انظر: "الطبري" ١/ ١٨٥، والثعلبي ١/ ٥٩ ب.

صفحة رقم 287
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية