آيات من القرآن الكريم

الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ

عازب أيضا: معناه ولستم بآخذيه لو أهدي إليكم إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا أي تستحيي من المهدوي أن تقبل منه ما لا حاجة لك فيه، ولا قدر له في نفسه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يشبه كون الآية في التطوع، وقال ابن زيد معنى الآية: ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا في مكروهه، وقرأ جمهور الناس «إلا أن تغمضوا» بضم التاء وسكون الغين وكسر الميم. وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا، وروي عنه أيضا «تغمّضوا» بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشددة، وحكى مكي عن الحسن البصري «تغمّضوا» مشددة الميم مفتوحة وبفتح التاء. وقرأ قتادة بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففا قال أبو عمرو معناه: إلا أن يغمض لكم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: هذه اللفظة تنتزع إما من قول العرب أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز، فمن ذلك قول الطرماح بن حكيم: [الخفيف]

لم يفتنا بالوتر قوم وللذ لّ أناس يرضون بالإغماض
وإما أن تنتزع من تغميض العين لأن الذي يريد الصبر على مكروه يغمض عنه عينيه ومنه قول الشاعر:
إلى كم وكم أشياء منكم تريبني أغمض عنها لست عنها بذي عمى
وهذا كالإغضاء عند المكروه، وقد ذكر النقاش هذا المعنى في هذه الآية وأشار إليه مكي، وإما من قول العرب أغمض الرجل إذا أتى غامضا من الأمر كما تقول: أعمن إذا أتى عمان، وأعرق إذا أتى العراق، وأنجد، وأغور، إذا أتى نجدا والغور الذي هو تهامة، ومنه قول الجارية: وإن دسر أغمض فقراءة الجمهور تخرج على التجاوز وعلى تغميض العين لأن أغمض بمنزلة غمض وعلى أنها بمعنى حتى تأتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك إما لكونه حراما على قول ابن زيد، وإما لكونه مهديا أو مأخوذا في دين على قول غيره، وأما قراءة الزهري الأولى فمعناها تهضموا سومها من البائع منكم فيحطكم، قال أبو عمرو معنى قراءتي الزهري حتى تأخذوا بنقصان.
قال القاضي أبو محمد: وأما قراءته الثانية فهذا مذهب أبي عمرو الداني فيها. ويحتمل أن تكون من تغميض العين. وأما قراءة قتادة فقد ذكرت تفسير أبي عمرو لها. وقال ابن جني: معناها توجدوا قد غمضتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم وجريتم على غير السابق إلى النفوس، وهذا كما تقول: أحمدت الرجل وجدته محمودا إلى غير ذلك من الأمثلة، ثم نبه تعالى على صفة الغنى أي لا حاجة به إلى صدقاتكم، فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر، وحَمِيدٌ معناه محمود في كل حال، وهي صفة ذات.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٨ الى ٢٦٩]
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)

صفحة رقم 363

هذه الآية وما بعدها وإن لم تكن أمرا بالصدقة فهي جالبة للنفوس إلى الصدقة، بين عز وجل فيها نزغات الشيطان ووسوسته وعداوته، وذكر بثوابه هو لا رب غيره. وذكر بتفضله بالحكمة وأثنى عليها، ونبه أن أهل العقول هم المتذكرون الذين يقيمون بالحكمة قدر الإنفاق في طاعة الله عز وجل وغير ذلك، ثم ذكر علمه بكل نفقة ونذر. وفي ذلك وعد ووعيد. ثم بين الحكم في الإعلان والإخفاء وكذلك إلى آخر المعنى. والوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير وإذا قيد بالموعود ما هو فقد يقيد بالخير وبالشر كالبشارة. فهذه الآية مما قيد الوعد فيها بمكروه وهو الْفَقْرَ و «الفحشاء» كل ما فحش وفحش ذكره، ومعاصي الله كلها فحشاء، وروى حيوة عن رجل من أهل الرباط أنه قرأ «الفقر» بضم الفاء، وهي لغة، وقال ابن عباس: في الآية اثنتان من الشيطان، واثنتان من الله تعالى، وروى ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: إن للشيطان لمة من ابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجد ذلك فليتعوذ، وأما لمة الملك فوعد بالحق وتصديق بالخير فمن وجد ذلك فليحمد الله، ثم قرأ عليه السلام الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ الآية، والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة، والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه والتنعيم في الآخرة، وبكل قد وعد الله تعالى، وذكر النقاش أن بعض الناس تأنس بهذه الآية في أن الفقر أفضل من الغنى، لأن الشيطان إنما يبعد العبد من الخير وهو بتخويفه الفقر يبعد منه.
قال القاضي أبو محمد: وليس في الآية حجة قاطعة أما إن المعارضة بها قوية وروي أن في التوراة «عبدي أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي، فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة» وفي القرآن مصداقه:
وهو وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: ٣٩] وواسِعٌ لأنه وسع كل شيء رحمة وعلما، ثم أخبر تعالى عن نفسه أنه يُؤْتِي الْحِكْمَةَ أي يعطيها لمن يشاء من عباده، واختلف المتأولون في الْحِكْمَةَ في هذا الموضع فقال السدي: الْحِكْمَةَ النبوءة، وقال ابن عباس: هي المعرفة بالقرآن فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وعربيته. وقال قتادة: الْحِكْمَةَ الفقه في القرآن، وقاله مجاهد:
وقال مجاهد أيضا: الْحِكْمَةَ الإصابة في القول والفعل، وقال ابن زيد وأبوه زيد بن أسلم: الْحِكْمَةَ العقل في الدين، وقال مالك: الْحِكْمَةَ المعرفة في الدين والفقه فيه والاتباع له، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: الْحِكْمَةَ التفكر في أمر الله والاتباع له، وقال أيضا الْحِكْمَةَ طاعة الله والفقه في الدين والعمل به، وقال الربيع: الْحِكْمَةَ الخشية، ومنه قول النبي عليه السلام: «رأس كل شيء خشية الله تعالى»، وقال إبراهيم: الْحِكْمَةَ الفهم وقاله زيد بن أسلم، وقال الحسن: الْحِكْمَةَ الورع، وهذه الأقوال كلها ما عدا قول السدي قريب بعضها من بعض لأن الحكمة مصدر من الإحكام وهو الإتقان في عمل أو قول. وكتاب الله حكمة، وسنة نبيه حكمة. وكل ما ذكر فهو جزء من الحكمة التي هي الجنس.
وقرأ الجمهور «من يؤت الحكمة» على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الزهري ويعقوب «ومن يؤت» بكسر التاء على معنى ومن يؤت الله الحكمة ف مَنْ مفعول أول مقدم والْحِكْمَةَ مفعول ثان، وقرأ الأخفش: «ومن

صفحة رقم 364
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية