
قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾؛ أي الشيطانُ يَعِدُكُمْ بالفقرِ فحذفَ الباءَ كقولِ الشاعرِ: أمَرْتُكَ الْخَيْرَ لَكِنْ مَا ائْتَمَرْتَ بهِ فَقَدْ تَرَكْتَ ذا مَالٍ وَذا نَشَبٍويقال: وَعَدْتُهُ خَيْراً؛ وَوَعَدْتُهُ شَرّاً، وقالَ اللهُ تعالى في الخيرِ:﴿ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً ﴾[الفتح: ٢٠] وقال في الشَّرِّ:﴿ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾[الحج: ٧٢] وإذا لم تَذْكُرِ الخيرَ والشرَّ؛ قُلْتَ في الخيرِ: وَعَدْتُهُ؛ وفي الشرِّ: أوْعَدْتُهُ. قال الشاعرُ: وَإنِّي إذا أوْعَدْتُهُ أوْ وَعَدْتُهُ لَمُخْلِفٌ مِيْعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِيومعنى: ﴿ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ ﴾ أي يخوِّفُكم الفقرَ بالنفقةِ في وجوهِ البرِّ وإنفاقِ الجيِّد من المالِ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾ أي بالبخلِ ومنعِ الزكاة، وزَعَمَ الكلبيُّ أن كلَّ فَحشاءٍ في القرآن فهو زنَا إلا في هذه الآيةِ، وإنما سُمي منعُ الزكاة فحشاءً؛ لأن العربَ تسمي البخيلَ فاحشاً؛ والبخلَ فحشاءً. والفقرُ: سُوءُ الحالِ وقلةُ ذاتِ اليد، وفيه لغتان: الْفَقْرُ وَالْفَقُرُ، كالضَّعفِ والضُّعفِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً ﴾؛ أي ﴿ مَّغْفِرَةً ﴾ لذنوبكم بالإنفاقِ من خِيَار الأموالِ.
﴿ وَفَضْلاً ﴾ أي خلفاً في الدُّنيا والآخرةِ.
﴿ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾؛ يوسِعُ الرزقَ والخلفَ والمثوبةَ، ويعلمُ حيث ينبغي أن تكونَ السَّعَةُ، قال ابنُ عباس وابن مسعودٍ: (ثِنْتَانِ مِنَ اللهِ وَثِنْتَانِ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فَمِنَ اللهِ الْمَغْفِرَةُ وَالْفَضْلُ، وَمِنَ الشَّيْطَانِ الْفَقْرُ وَالْفَحْشَاءُ). ووعدُ الشيطانِ وَسَاوسُ وتَخَيُّلٌ؛ أي يُخَيِّلُ إلَيْكَ أنَّكَ إنْ أمْسَكْتَ مالَكَ استغنيتَ، وإن تصدقتَ به افتقرتَ.