آيات من القرآن الكريم

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ

عكرمة عن ابن عباس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد يسمع أهل الجمع: أين الذين يعبدون الناس قوموا وخذوا أجوركم ممن عملتم له فإنّي لا أقبل عملا خالطه شيء من الدنيا» [١٩١] «١».
عبد الله المدني قال: بلغني أنّ رجلا دخل على معاوية قال: مررت بالمدينة فإذا أبو هريرة جالس في المسجد، حوله حلقة يحدّثهم فقال: حدّثني أبو القاسم ثم استعبر فبكى فقال: حدّثني خليلي أبو القاسم ثم استعبر فبكى فقال: حدّثني خليلي أبو القاسم ثم بادره الرجل فقال: إنّي رجل غريب لست من أهل البلد وقد أردت أن تحدّث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كل ذلك تخنقك العبرة فأخبرني هذا الذي أردت أن تحدّث به، قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا كان يوم القيامة يؤتى برجل قد كان خوّله مالا فيقال كيف صنعت فيما خوّلناك؟
فقال: أنفقت وأعطيت، فقال: أردت أن يقال فلان سخي فقد قيل لك فماذا يغني عنك.
ثم يؤتى برجل شجاع فيقال له: ألم أشجّع قلبك؟
قال: بلى، فيقال: كيف صنعت؟ قال: قاتلت حتّى أحرقت مهجتي، فيقال له: أردت أن يقال فلان شجاع وقد قيل فماذا يغني عنك، ثم يؤتى برجل قد أوتي علما فيقال له: ألم أستحفظك العلم؟
قال: بلى، فيقال: كيف صنعت، فيقول: تعلّمت وعلّمت، فيقال: أردت أن يقال فلان عالم وقد قيل فماذا يغني عنك، ثم قال: أذهبوا بهم إلى النار»
.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٥ الى ٢٦٧]
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ طلب رضا الله وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ قال الشعبي والكلبي والضحاك: يعني تصديقا من أنفسهم يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم يعلمون أن ما أخرجوا خيرا لهم ممّا تركوا.
السدي وأبو صالح وأبو روق وابن زيد والمفضّل: على يقين إخلاف الله عليهم. قتادة:

(١) كنز العمال: ٣/ ٤٨٥ ح ٧٥٤٢. [.....]

صفحة رقم 263

احتسابا بإيمان من أنفسهم، عطاء ومجاهد: مثبّتون أي لا يضيّعون أموالهم، وكذلك قرأ مجاهد: وتثبيتا لأنفسهم.
قال الحسن: كان الرجل إذا همّ بصدقة تثبّت إن كان لله أعطى وإن خالطه شيء أمسك، وعلى هذا القول يكون التثبيت بمعنى التثبت كقوله عزّ وجلّ: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا «١» أي تبتّلا.
سعيد بن جبير وأبو مالك: تخفيفا في ذنبهم. ابن كيسان: إخلاصا وتوطينا لأنفسهم على طاعة الله عزّ وجلّ في نفقاتهم، الزجاج: ينفقونها مقرّين بأن الله عزّ وجلّ رقيب عليهم.
وأصل هذه الكلمة من قول السائل: ثبت فلان في هذا الأمر إذا حققه وثبت عليه وعزمه وقوي عليه بذاته.

فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا «٢»
كَمَثَلِ جَنَّةٍ أي بستان. قال الفراء: إذا كان في البستان نخل فهو جنّة، وإذا كان كرم فهو فردوس.
وقول مجاهد: كمثل حبّة بالحاء والباء بِرَبْوَةٍ قرأ السليمي والعطاردي والحسن وعاصم وابن عامر: بِرَبْوَةٍ بفتح الراء هاهنا وفي سورة المؤمنين وهي لغة بني تميم.
وقال أبو جعفر وشيبة ونافع وابن كثير والأعمش وحمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو ويعقوب وأيوب بضم الراء فيهما. واختاره أبو حاتم وأبو عبيد لأنّها أكمل اللغات وأشهرها، وقول ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي وابن أبي إسحاق: بربوة، وقرأ أشهب العقيلي: برباوة بالألف وكسر الراء فيها. وهي جميعا المكان المرتفع المستوي الذي تجري فيه الأنهار ولا يخلو من الماء. وإنّما سمّيت ربوة لأنّها ربت [وطابت] وعلت، من قولهم ربا الشيء يربو إذا انتفخ وعظم، وإنّما جعلها بربوة لأن النبات عليها أحسن وأزكى.
أَصابَها وابِلٌ مطر شديد كثير فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو:
أُكُلَها بالتخفيف والباقون بالتشديد وهو الثمر.
قال المفضّل: الأكل: كثرة ما في الشيء ممّا يجود ويقوى به، يقال: ثوب كثير الأكل، أي كثير الغزل. ومعناه: وأعطت ثمرها ضعفين والضعف في الحمل.
قال عطاء: حملت في سنة من الريع ما تحمل غيرها في سنتين. قال عكرمة: حملت في السنة مرّتين.
فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ أي فطشّ وهو أضعف المطر وألينه.
(١) سورة المزمل: ٨.
(٢) البداية والنهاية: ٤/ ٢٧٦.

صفحة رقم 264

قال السدي: هو الندى.
أبو سلام عبد الملك بن سلام عن زيد بن أسلم في قوله فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ قال:
هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت وإن أصابها مطر ضعفت، وهذا مثل ضربه الله عزّ وجلّ لعمل المؤمن المخلص، يقول: كما أن هذه الجنّة تريع في كلّ حال ولا تخلف ولا تخيّب صاحبها سواء قلّ المطر أو كثر، كذلك يضاعف الله عزّ وجلّ ثواب صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمنّ ولا يوذي سواء قلّت نفقته وصدقته أو كثرت فلا تخيب بحال.
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ هذه الآية متصلة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى. الآية أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وإنّما قال: أَصابَهُ فردّ الماضي على المستقبل لأن العرب تلفظ توددت مرّة مع (لو) وهي الماضي فتقول: وددت لو ذهبت عنّا، ومرّة مع (أن) وهي للمستقبل فتقول: وددت أن تذهب عنّا، و (لو) و (أن) مضارعان في معنى الجزاء، ألا ترى أنّ العرب فيما جمعت بين (لو) و (أن) قال الله تعالى:
وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ «١». الآية كما تجمع بين (ما) و (أن) وهما جحد.
قال الشاعر

ما أن رأيت ولا سمعت بمثله كاليوم طالي أينق جرب «٢»
فلما جاز ذلك صلح أن يقال: فعل بتأويل يفعل ويفعل بتأويل فعل، وان ينطق ب (لو) عنها ما كان (أن) وب (أن) مكان (لو).
فمعنى الآية: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ لو كان لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ أولاد صغار ضُعَفاءُ عجزة فَأَصابَها إِعْصارٌ وهي الريح العاصف التي تهب من الأرض إلى السماء كأنّها عمود.
قال الكميت:
[تسدي الرياح بها ذيلا وتلحمه ذا معتو من دقيق الترب موّار
في منخل جاء من هيف يمانيه بالسافيات وفي غربال إعصار]
وجمعه أعاصير.
(١) سورة آل عمران: ٣٠.
(٢) تفسير الطبري: ٢٦/ ٢٦٧ وفيه: سمعت به، بدل: سمعت بمثله.

صفحة رقم 265

قال يزيد بن المقرّع الحميري.

أناس أجارونا وكان جوارهم أعاصير من فسو «١» العراق المبذر «٢»
وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفقة المنافق المرائي، يقول: عمل هذا المرائي لي حسنة لحين الجنّة فينتفع بها كما ينتفع صاحب الجنّة بها وإذا كبر وضعف وصار له أولاد صغار أصاب جنته إعصار فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ أخرج ما كان إليها وضعف عن إصلاحها لكبره وضعف أولاده عن إصلاحها لصغرهم ولم يجد هو ما يعود على أولاده به، ولا أولاده ما يعودون به على أبيهم فينتفي هو وأولاده فقرا عجزه متحيّرين لا يقدرون على حيلة، فكذلك يبطل الله على هذا المنافق والمرائي حين لا مستعتب له ولا توبة ولا إقالة من عبرتهما وديونهما.
قال عبيد بن عمير: [ضربت مثلا للعمل يبدأ فيعمل عملا صالحا فيكون مثلا للجنة التي من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات، ثم يسيء في آخر عمره]، فيتمادى في الإساءة حتّى يموت على ذلك، فيكون الأعصار الذي فيه نار التي أحرقت الجنة مثلا لإساءته التي مات [وهو] عليها «٣».
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا تصدّقوا مِنْ طَيِّباتِ خيار وجياد نظير قوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ «٤». ابن مسعود ومجاهد: حلالات، دليله قوله: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ «٥».
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ «٦».
قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قسّم بينكم أخلاقكم كما قسّم بينكم أرزاقكم وإن الله طيّب لا يقبل إلّا طيبا، لا يكسب عبد مالا من حرام فيتصدّق منه، فيقبل منه ولا ينفق منه، فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره إلّا كان زاده إلى النار، وأن لا يمحو السيء بالسيء ولكنّه يمحو السيء بالحسن والخبيث لا يمحو به الخبيث» «٧».
ما كَسَبْتُمْ بالتجارة والصناعة من الذهب والفضّة.
قال عبيد بن رفاعة: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر التجّار أنتم فجّار إلا من
(١) فسو حي من عبد قيس، وفي الأغاني: قسو.
(٢) معجم البلدان: ٥/ ١٣٤، وتاريخ الطبري: ٤/ ٢٣٦.
(٣) تفسير الدر المنثور: ١/ ٣٤٠ وتفسير الطبري: ٣/ ١٠٦، وما بين معكوفين منه.
(٤) آل عمران: ٩٢.
(٥) سورة المؤمنون: ٥١.
(٦) سورة البقرة: ١٧٢.
(٧) مسند أحمد: ١/ ٣٨٧ ومجمع الزوائد: ١/ ٥٣ بتفاوت.

صفحة رقم 266

أتقى وبرّ وصدّق وقال هكذا وهكذا وهكذا» «١».
وقال قيس بن عروة الغفاري: كنّا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة نسمّي أنفسنا السماسرة فسمّانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باسم هو أحسن من اسمنا فقال: «يا معشر التجّار، إنّ هذا البيع يحضره اللهو والكذب واليمين فشوبوه بالصدقة» «٢».
مكحول عن أبي إمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخير عشرة أجزاء أفضلها التجارة إذا أخذ الحق وأعطاه»
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تسعة أعشار الرزق في التجارة والجزء الباقي في السابياء «٣» » «٤».
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر قريش لا يغلبنّكم هذه الموالي على التجارة وإنّ البركة في التجارة وصاحبها لا يفتقر إلّا تاجر حلّاف مهين».
عاصم ابن أبي النجود عن أبي وائل قال: درهم من تجارة أحب إليّ من عشرة من عطائي.
الأعمش عن أبي إبراهيم عن عائشة قالت: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» [١٩٢] «٥».
وقال سعيد بن عمير: سئل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أي كسب الرجل أطيب؟
قال: «عمل الرجل بيده وكلّ بيع مبرور».
محمد بن الراضبي قال: مرّ إبراهيم النخعي على امرأة من مزاد وهي تغزل على بابها فقال: يا أم بكر أما كبرت أما آن لك أن تلقي هذا، قالت: كيف ألقيه وقد سمعت عليّا (رضي الله عنه) يقول: إنّه من طيّبات الرزق.
وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني الحبوب والثمار التي تقتات وتدخر مما يجب فيه الزكاة.
عمر بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أم معبد حائطا، فقال: «يا أم معبد من غرس هذا، أمسلم أم كافر؟» قالت: بل مسلم، قال: «فلا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طائر إلّا كانت له صدقة إلى يوم القيام» «٦».
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قال التمسوا «٧» الرزق في خبايا الأرض».

(١) تفسير مجمع البيان: ٢/ ١٩١.
(٢) مسند أحمد: ٤/ ٦.
(٣) السابياء: النتاج، وقيل: هو الماء الذي يجري على رأس الولد الذي ولد، وقيل بل الجلدة التي يكون بها، راجع غريب الحديث ١/ ٢٩٩. [.....]
(٤) النهاية: ٢/ ٣٤١.
(٥) مسند أحمد: ٦/ ٤٢.
(٦) صحيح مسلم: ٥/ ٢٨.
(٧) في المصدر: اطلبوا.

صفحة رقم 267

قال مالك بن دينار: قرأت في التوراة: طوبى لمن أكل من ثمرة يديه.
وَلا تَيَمَّمُوا قرأ ابن مسعود: ولا تأمموا بالهمز. وقرأ ابن عباس: وَلا تُيَمِّمُوا مضمومة التاء مكسورة الميم الأولى يعني لا توجّهوا.
وقرأ ابن كثير: (وَلا تَيَّمَّمُوا) بتشديد الياء وفتحها فيها وفي أخواتها وهي أحدى وثلاثون موضعا في القرآن رد الساقط وأدغم لأن في الأصل تاءان تاء المخاطبة وتاء الأمر فحذفت تاء الفعل.
وقرأ الباقون: وَلا تَيَمَّمُوا مفتوحة مخففة.
وهي كلّها لغات بمعنى واحد، يقال: أممت فلانا وتيممته وتأممته، إذا قصدته وعمدته.
قال الأعشى ميمون بن قيس:

تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمه ذي شزن «١»
السدي عن علي بن ثابت عن الفراء قال: نزلت هذه الآية في الأنصار كانت تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر والبسر فيعلقونه على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيأكل منه فقراء المهاجرين، وكان الرجل يعمد فيخرج قنو الحشف «٢» وهو يظن أنّه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء فنزل فيمن فعل ذلك.
وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ يعني القنو الذي فيه الحشف ولو كان أهدى لكم ما قبلتموه «٣».
عن باذان عن ابن عباس في هذه الآية قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: «إنّ لله في أموالكم حقّا فإذا بلغ حق الله في أموالكم فأعطوا منه» وكان الناس يأتون أهل الصدقة بصدقاتهم ويضعونها في المسجد فإذا اجتمعت قسّمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهم.
قال: فجاء رجل ذات يوم. بعد ما رقّ أهل المسجد وتفرّق هامهم. بعذق حشف فوضعه في الصدقة، فلما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبصره فقال: «من جاء بهذا العذق الحشف» قالوا: لا ندري يا رسول الله.
قال: «بئسما صنع صاحب هذا الحشف» فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عليّ بن أبي طالب والحسن ومجاهد والضحاك: كانوا يتصدّقون بشرار ثمارهم
(١) المهمه: المغازة البعيدة، وذو شزن: ذو خشونة، والبيت في لسان العرب: ١٢/ ٢٣.
(٢) الحشف: أردأ التمر.
(٣) أسباب النزول للواحدي: ٥٦.

صفحة رقم 268

ورذالة أموالهم فيعزلون الجيّد ناحية لأنفسهم، فأنزل الله تعالى وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ يعني الردي من أموالكم، والخشف من التمر، والعفن والزوان من الحبوب، والزيوف من الدراهم والدنانير.
وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ محل أن نصب بنزع حرف الصفة، يعني: بأن تغمضوا فيه.
وقرأ الزهري: تَغْمُضُوا بفتح التاء وضم الميم. وقرأ الحسن بفتح التاء وكسر الميم، وهما لغتان غمض يغمض ويغمض. وقرأ قتادة تغمضّوا فيه من التفعيل وقرأ أبو مجلن: تُغمَضوا بفتح الميم وضم التاء يعني إلّا أن تغمض لكم. وقرأ الباقون: تُغْمِضُوا.
والإغماض: غض البصر وإطباق جفن على جفن. قال روبة:

أرق عينيّ عن الإغماض برق سرى في عارض نهّاض «١»
وأراد هاهنا التجويز والترخص والمساهلة، وذلك إن الرجل إذا رأى ما يكره أغمض عينه لئلّا يرى جميع ما يفعل، ثم كثر ذلك حتّى جعل كلّ تجاوز ومساهلة في البيع إغماضا.
قال الطرمّاح:
لم يفتنا بالوتر قوم وللضيم رجال يرضون بالإغماض «٢»
قال علي والبراء بن عازب: معناه: لو كان لأحدكم على رجل حقّ فجاءه بهذا، لم يأخذه إلّا وهو يرى أنّه قد أغمض عن بعض حقّه
. وهي رواية العوفي عن ابن عباس.
وروى الوالبي عنه: ولستم بآخذي هذا الردي لو كان لأحدكم على الآخر حقّ بحساب الجيّد حتّى تنقصوه.
الحسن وقتادة: لو وجدتموه بياعا في السوق ما أخذتموه بسعر الجيّد حتّى يغمّض لكم من ثمنه.
وروي عن الفراء أيضا قال: لو أهدي ذلك لكم ما أخذتموه إلّا على استحياء من صاحبه وغيظ أنّه بعث إليك بما لم يكن فيه حاجة، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟! أخبر الله تعالى أن أهل السهمان شركاء ربّ المال في ماله فإذا كان ماله كلّه جيّدا فهم
(١) أراقه: أسهره، عارض نهاض: سحاب مرتفع، والبيت في لسان العرب: ٧/ ١٩٩٥ وفيه: عينيك عن الغماض، وكذا في تاج العروس: ٥/ ٦٣.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ١١٦.

صفحة رقم 269
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية