
﴿وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم﴾ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْي الْمَوْتَى﴾ اختلفوا لِمَ سأله عن ذلك؟ على قولين: أحدهما: أنه رأى جيفة تمزقها السباع فقال ذلك، وهذا قول الحسن، وقتادة، والضحاك. والثاني: لمنازعة النمرود له في الإحياء، قاله ابن إسحاق. ولأي الأمرين كان، فإنه أحب أن يعلم ذلك علم عيان بعد علم الاستدلال. ولذلك قال الله تعالى له: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِن؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فيه ثلاثة أوجه:
صفحة رقم 333
أحدها: يعني ليزداد يقيناً إلى يقينه، هكذا قال الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، والربيع، ولا يجوز ليطمئن قلبي بالعلم بعد الشك، لأن الشك في ذلك كفر لا يجوز على نبي. والثاني: أراد ليطمئن قلبي أنك أجبت مسألتي، واتخذتني خليلاً كما وعدتني، وهذا قول ابن السائب. والثالث: أنه لم يرد رؤية القلب، وإنما أراد رؤية العين، قاله الأخفش. ونفر بعض من قال بغوامض المعاني من هذا الالتزام وقال: إنما أراد إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب بالإيمان، وهذا التأويل فاسد بما يعقبه من البيان. وليست الألف في قوله: ﴿أَوَ لَمْ تُؤْمِن﴾ ألف استفهام وإنما هي ألف إيجاب كقول جرير:
(ألستم خير من ركب المطايا | وأندى العالمين بطون راح) |

والثالث: اضْمُمْهُن إليك، قاله عطاء، وابن زيد. والرابع: أَمِلْهُن إليك، والصور: الميل، ومنه قول الشاعر في وصف إبل:
(تظَلُّ مُعقّلات السوق خرساً | تصور أنوفها ريح الجنوب) |

والثاني: أن الأحوال تختلف، فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة، وفي بعض وقت آخر المنع فيما لم يتقدم فيه إذن. قال ابن عباس: أمر الله إبراهيم بهذا قبل أن يولد له، وقبل أن يُنَزِّلَ عليه الصُّحُف. وحُكِيَ: أن إبراهيم ذبح الأربعة من الطير، ودق أجسامهن في الهاون لا روحهن، وجعل المختلط من لحومهن عشرة أجزاء على عشرة جبال، ثم جعل مناقيرها بين أصابعه، ثم دعاهن فأتين سعياً، تطاير اللحم إلى اللحم، والجلد إلى الجلد، والريش إلى الريش، فذهب بعض من يتفقه من المفسرين إلى من وصّى بجزء من ماله لرجل أنها وصية بالعُشْر، لأن إبراهيم وضع أجزاء الطير على عشرة جبال.
صفحة رقم 336