
ثم أحياه ثم بعث حماره وهو ينظر إليه، فازداد يقينا على يقين. وسؤال اليقين من الله، والحيلة فى ردّ الخواطر المشكلة، ديدن المتعرفين، ولذلك (.....) «١» الله سبحانه عزيرا فى هذه المقالة حتى قدّر عليه ما طلب من زيادة اليقين فيه. ثم قال «واعلم أن الله على كل شىء قدير» من الإحياء والإماتة أي ازددت معرفة بذلك، وأرانى من عظيم الآيات ما ازداد به يقينا فإنّ طعامه وشرابه لم يتغيرا فى طول تلك المدة، وحماره مات بلا عظام.
والطعام والشراب بالتغيير أولى.
قوله جل ذكره:
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٠]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)
قيل كان فى طلب فى زيادة اليقين، فأراد أن يقرن حق اليقين بما كان له حاصلا من عين اليقين «٢».
وقيل استجلب خطابه بهذه المقالة إلى قوله سبحانه: «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى» كنت أومن ولكنى اشتقت إلى قولك لى أو لم تؤمن، فإن بقولك لى «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ» تطمينا لقلبى.
والمحبّ أبدا يجتهد فى أن يجد خطاب حبيبه على أي وجه أمكنه.
(٢) من أقوال القشيري التي تتناثر فى كتبه نجد أنه ينظر للمعرفة على أنها ثلاث درجات.
١- عقلية ونورها البرهان أو علم اليقين.
٢- قلبية ونورها البيان أو عين اليقين:
٣- كشفية ونورها العرفان أو حق اليقين، ويقول: (علم اليقين كالنجوم يطلع عليها بدر عين اليقين، ولكن كل الأنوار تتبدد أمام شمس حق اليقين).
اللطائف- التحبير فى التذكير ص ٧٠- الرسالة ص ٤٣، ٤٤ والواقع أن القشيري التزم بهذا الترتيب التزاما دقيقا ولم يتخل عنه فى كل ما كتب.

وقيل إنه طلب رؤية الحق سبحانه ولكن بالرمز والإشارة فمنع منها بالإشارة بقوله «وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». وإن موسى- عليه السّلام- لما سأل الرؤية جهرا وقال:
«رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» فردّ بالجهر صريحا وقيل له «لن ترانى».
وقيل إنما طلب حياة قلبه فأشير إليه بأن ذلك بذبح هذه الطيور، وفى الطيور الأربعة طاووس، والإشارة إلى ذبحه تعنى زينة الدنيا، وزهرتها، والغراب لحرصه، والديك لمشيته، والبط لطلبه لرزقه.
ولما قال إبراهيم عليه السّلام: أرنى كيف تحيى الموتى؟ قيل له: وأرنى كيف تذبح الحي؟
يعنى إسماعيل، مطالبة بمطالبة. فلمّا وفّى بما طولب به وفّى الحق سبحانه بحكم ما طلب.
وقيل كان تحت ميعاد من الحق- سبحانه- أن يتخذه خليلا، وأمارة ذلك إحياء الموتى على يده، فجرى ما جرى.
ووصل بين «١» قصة الخليل صلّى الله عليه وسلّم فيما أراه وأظهره على يده من إحياء الموتى وبين عزير إذ أراه فى نفسه لأن الخليل يرجح على عزير فى السؤال وفى الحال، فإن إبراهيم- عليه السّلام- لم يردّ عليه فى شىء ولكنه تلطّف فى السؤال، وعزير كلمه كلام من يشبه قوله قول المستبعد، فأراد الحق أن يظهر له أقوى معجزة وأتمّ دلالة حيث أظهر إحياء الموتى على يده حين التبس على نمرود ما قال إبراهيم- عليه السّلام- ربى الذي يحيى ويميت، فقال «أنا أحيى وأميت» أراد إبراهيم أن يريه الله سبحانه إحياء الموتى ليعلم أنه ليس هو الذي ادّعى.
وفى هاتين الآيتين رخصة لمن طلب زيادة اليقين من الله سبحانه وتعالى فى حال النظر «٢».
ويقال إن إبراهيم أراد إحياء القلب بنور الوصلة بحكم التمام، فقيل له: «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ» يعنى أما تذكر حال طلبك إيانا حين كنت تقول لكل شىء رأيته «هذا ربى» فلم تدر كيف بلّغناك إلى هذه الغاية، فكذلك يوصلك إلى ما سمعت إليه همّتك.
(٢) خصوصا فى مرحلة البداية من أجل تصحيح الإيمان.