
وقرأ حمزة والكسائي (١): (قال اعلمْ) موصولًا مجزومًا على لفظ الأمر، وذلك أنه لما تبين له ما تبين نَزَّلَ نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطِبُ سِواها، وهذا مما تفعله العرب، يُنزّل أحدهم نفسه منزلة الأجنبي، فيخاطبها كما يخاطبه، ويجري التخاطب بينهما كما يجري بين الأجنبيين، قال الأعشى:
وَدِّع هُرَيْرَةَ إنّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ (٢)
خاطب نفسه كما يخاطب غيره، كذلك (٣) قوله لنفسه: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ نزله منزلة الأجنبي المنفصل منه؛ لينبهه على ما تبين له (٤) (٥).
ويجوز أن يكون الله تعالى قال له: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، يدل على صحة هذا التأويل قراءة عبد الله والأعمش: قيل: اعلم (٦).
٢٦٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ الآية. العامل في (إذ) عند الزجاج اذكر، كأنه قيل: واذكر هذه القصة (٧)، وعند غيره: كأنه قيل: ألم تر إذ قال إبراهيم، عطف على {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي
(٢) عجزالبيت:
وهل تطيق وداعًا أيُها الرَّجُلُ
وهو في "ديوانه" ص١٥٥، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٣٨٤ "لسان العرب" ٢/ ٧١٥ "جهم".
(٣) في (ي): (وكذلك).
(٤) سقطت من (ي).
(٥) من "الحجة" ٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤ بتصرف.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢٧، "التبيان" ص ١٥٧، "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٦.
(٧) "معاني القرآن" ١/ ٣٤٥، وينظر "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٨، "التبيان" ص ١٥٧.

حَاجَّ} (١).
واختلفوا في سبب سؤاله إحياء الميت، والأكثرون على أنه رأى جيفة بساحل البحر، يتناوله السباع والطير ودوابّ البحر، ففكر كيف يجتمع ما قد تفرّق من تلك (٢) الجيفة، وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه، ولم يكن شاكًّا في إحياء الله تعالى الموتى، ولا دافعًا له، ولكنه أحب أن يرى ذلك كما أن المؤمنين يحبون أن يروا محمدًا - ﷺ - والجنة، ويحبون رؤية الله تعالى، مع الإيمان بذلك وزوال الشك، فكذلك أحب إبراهيم أن يصير الخبر له عيانًا (٣)، وهذا معنى قول الحسن (٤) والضحاك (٥) وقتادة (٦).
وقال ابن عباس (٧) والسدي (٨) وسعيد بن جبير (٩): إن ملك الموت
(٢) سقطت من (م).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٤٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٣١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٤١٦.
(٤) قول الحسن، عزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٦١٧ إلى عبد بن حميد، وعزاه السيوطي في الدر ١/ ٥٩٤ إلى البيهقي في "الشعب"، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٣١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٢، وابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ٣١٣.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٤٧، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٧، وينظر "زاد المسير" ١/ ٣١٣.
(٦) رواه عنه الطبري ٣/ ٤٧، وذكره الثعلبى ٢/ ١٥٣٠، والبغوي ١/ ٣٢٢، وابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ٣١٣.
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٤٩، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٩، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٤٨٧.
(٨) رواه عنه الطبري ٣/ ٤٨، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ١/ ٥٠٨، وينظر "زاد المسير" ١/ ٣١٣.
(٩) رواه سعيد بن منصور ٣/ ٩٧٣، والطبري فى "تفسيره" ٣/ ٤٩ بمعناه، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٥١٠.

استأذن ربه أن يأتي إبراهيم فيبشره أن الله تعالى اتخذه خليلا، فأذن له فأتاه وبشَّره بذلك، فحمد الله عز وجل، وقال: ما علامة ذلك؟ قال: أن يجيب الله دعاك وتحيي الموتى بسؤالك، فقال إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾. قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾. والألف فيه ألف إيجاب، كقول جرير:
ألَسْتُم خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا (١)
يعني: أنتم كذلك (٢).
﴿قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ بأن أنال ما قد تَمَنَّيْتُه، وأحببت رؤيته، واشتهيت مشاهدته. وقال الحسن (٣) وقتادة (٤)، أي: بزيادة اليقين والحجة، وعلى قول ابن عباس بحقيقة الخلة وإجابة الدعوة، ويدل على هذا: ما روى الضحاك عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ قال معناه: لكن لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني (٥) (٦).
وروى الوالبي عنه: لكن لأعلم أنك تُجِيبُني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك (٧).
وعن سعيد بن جبير قال معناه: ولكن ليزداد قلبي إيمانًا (٨).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٤٠.
(٣) ذكره عنه ابن أبي حاتم ٢/ ٥١٠، وابن الجوزي ١/ ٣١٣.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٠، وينظر "المحرر الوجيز" ٢/ ٤٢٠.
(٥) في (ش) و (م): (أحببتني).
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٠٩.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٣١٣.
(٨) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٠ - ٥١، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٣١٣.

وقال الأزهري: أي: يسكن إلى المعاينة بعد الإيمان بالغيب. ويقال: طامن ظهره: إذا حنى ظهره، بغير همزة، والهمزة التي في (اطمأن) ليست بأصلية أدخلت فيها حذار الجمع بين الساكنين (١).
قال الله تعالى: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ قال ابن عباس: أخذ طاوسًا ونَسْرًا وغرابًا وديكًا (٢)، وفي قول مجاهد (٣) وابن إسحاق (٤) وابن زيد (٥): حمامةً بدل النسر (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ قال أكثر أهل اللغة والتفسير (٧): معناه: مِلْهُنَّ إليك، يعني: وَجِّهْهُنَّ إليك وادْعُهُنَّ واضممهن، قاله عطاء (٨) وابن زيد (٩).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٤١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٣، "زاد المسير" ١/ ٣١٤.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥١٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٤١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٣.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره في "المحرر الوجيز" ٢/ ٤٢٠.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٤١.
(٦) ذكر ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٣٣٨ بأنه لا طائل تحت تعيينها؛ إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن.
(٧) ينظر: "غريب القرآن" ص ٨٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦، وعزاه لأكثر أهل اللغة. "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٠٢ - ٢٠٥٤ (مادة: طمن)، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٤٤، "المفردات" ٢٩٢ - ٢٩٣.
(٨) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٦، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥١٢، وذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٣٥.
(٩) رواه عنه الطبري ٥/ ٥٦، وذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٣٥.

يقال: صُرْتُهُ أَصُورُه، إذا أملته (١)، وأنشدوا على الإمالة:
على أنني في كل سَيْرٍ أسِيرُه | وفي نظري من نَحْوِ أرضِكَ أَصْوَر (٢) |
وقول آخر:
الله يَعْلَمُ أَنّا في تَلَفُّتِنا | يومَ الوَدَاعِ إلى أحْبَابِنا صُورُ (٥) |
عفائف إلا ذاك أو أن يَصُورَهَا | هوًى والهَوَى للعَاشِقِينَ صَرُوعُ (٧) |
يَصُور عنُوقَها أحْوَى زَنِيمٌ | له ظَابٌ كما صَحِبَ الغَرِيمُ (٨) |
(٢) البيت لذي الرمة، في "ديوانه" ص ٢٢٠.
(٣) في (ي): (فقال).
(٤) من "الحجة" ٢/ ٣٨٩ بمعناه.
(٥) البيت بلا نسبة في "تهذيب الألفاظ" لابن السكيت ٢/ ٥٥٢، "تفسير الطبري" ٣/ ٥٢، " لسان العرب" ٤/ ٢٥٢٤ (مادة: صور)، و٤/ ٢٢٥٤ (مادة: شرى)، "تاج العروس" ٧/ ١١١ (مادة: صور)، "المخصص" ١٢/ ١٠٣. "المعجم المفصل" ٣/ ٣٣٦.
(٦) هو الطرماح بن حكيم بن الحكم، تقدمت ترجمته ٢/ ١٣٣ [البقرة: ٩].
(٧) البيت في "ديوانه" ص ١٨٠.
(٨) البيت لأوس بن حجر من ملحق "ديوانه" ص ١٤٠، "لسان العرب" ٥/ ٢٧٤١ (مادة: ظأب)، وهو ملفق من بيتين.

اجعل على كل جبل منهن جزءًا، فحذف الجملة التي هي قَطِّعْهُن، لدلالة الكلام عليها، كقوله: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣] على معنى: فضرب فانفلق؛ لأن قوله: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ يدل على التقطيع (١).
وقال أبو عبيدة (٢) وابن الأنباري (٣) وجماعة: صرهن، معناه: قطعهن (٤). وهو قول ابن عباس (٥) وسعيد بن جبير (٦) والحسن (٧) ومجاهد (٨).
يقال: صار الشيء يَصُورُه صَوْرًا: إذا قطعه، قال رؤبة يصف خصمًا ألد:
صُرْنَاه بالحُكم ويعي الحُكَّما (٩)
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٨١.
(٣) "الأضداد" لابن الأنباري ص ٣٦.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٣، "مجاز القرآن" ١/ ٨١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٥٩ (مادة: صار)، "المفردات" ص ٢٩٢.
(٥) رواه عنه الطبري ٣/ ٥٥، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٥١٢.
(٦) انظر المصدرين السابقين.
(٧) ذكره في "زاد المسير" ١/ ٣١٥.
(٨) انظر التخريج السابق.
(٩) في حاشية (أ) تصحيح للبيت هكذا:
صرنا به الحُكم وأَعْيا الحكَمَا
وقد ورد البيت في "الحجة" ٢/ ٣١٩ معزوًّا لذي الرُّمَّة بلفظ (صُرْنا به الحكم وعيًا الحُكّمَا) وليس في "ديوان ذي الرمة"، ونسبه في "اللسان" ٤/ ٢٥٢٤ (صور) =

أي: قطعناه، ومنه قول الخنساء:
ولو يلدغني الذي لاقيته حَضَنٌ | لَظَلَّت الشُّمُّ منه وهي تَنْصَارُ (١) |
فمن فسر صُرْهُن بمعنى قَطِّعْهُن لا يحتاج إلى إضمار، كما ذكرنا في الإمالة، ويكون قوله: ﴿إِلَيْكَ﴾ من صلة الأخذ، كأنه قيل: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهن (٣).
وقرأ حمزة (فصِرهن) بكسر الصاد (وقد فسر هذا الحرف على قراءة حمزة بالإمالة والتقطيع، كما ذكرنا في قراءة من ضم الصاد) (٤) (٥).
فمن الإمالة: ما أنشده الكسائي هذا (٦):
وفَرْعٍ يصيرُ الجِيدَ وَحْفٍ كأنّه | على اللِّيتِ قِنوانُ الكُرومِ الدَّوَالِحِ (٧). |
(١) ورواية صدر البيت
فلو يلاقي الذي لاقيته حضن
ورد في "لسان العرب" ٤/ ٢٥٢٤ مادة: (صور)، بلفظ: لظلت الشهب، ولم يرد في "ديوان الخنساء"، وهو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٨١ وفي الأضداد للأصمعي وابن السكيت ص ٣٣ - ١٨٧، "البحر المحيط" ٢/ ٣٠٠ وقوله: الشم، أي: الجبال، تنصار: تقطع، وحِضنُ الجبل: ما يُطِيف به.
(٢) في (ش): (تتضرع).
(٣) "الحجة" ٢/ ٣٩٣، وينظر "تفسير الطبري" ٣/ ٥٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٥٢.
(٤) ساقط من (أ) و (م).
(٥) ينظر "الحجة" ٢/ ٣٩٢.
(٦) ليست في (ي) ولا (ش).
(٧) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٧٤، قال: وأنشدني عن بعض سليم، وذكره =

معناه: يميل الجيد من كثرته.
قال الفراء: وهذه لغة هذيل (١).
وسليم (٢)، يقولون: صاره يصيره: إذا ماله (٣).
وقال الأخفش وغيره: صِرهن، بكسر الصاد: قطعهن، يقال: صاره يصيره: إذا قطعه (٤).
قال الفراء: وأرى أن ذلك مقلوبٌ من صَرَى يَصْري إذا قطع (٥)، قال ذو الرمة:
وودَّعْنَ مُشْتَاقًا أصبْنَ فُؤَادَه | هَوَاهُنّ إن لم يَصره اللهُ قَاتِلُه (٦) |
(١) هذيل بن مدركة، بطن من مدركة بن إلياس، من العدنانية، كانت ديارهم بالسروات، وكان لهم أماكن ومياه في أسفلها من جهات نجد. ينظر "معجم قبائل العرب" ٣/ ١٢١٣.
(٢) سليم بن منصور، قبيلة عظيمة من قيس غيلان، من العدنانية، وكانت منازلهم في عالية نجد بالقرب من خيبر. ينظر "معجم قبائل العرب" ٢/ ٥٤٣.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٣ - ١٨٤، وعبارته: أي قطعهن، وتقول منها: صار يصور، وقال بعضهم: فصرهن، فجعلها من صار يصير.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤.
(٦) ورد البيت: فودعن، وهو في "ديوانه" ص ٣٩٦.
(٧) ينظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤، وعثى: لغة أهل الحجاز، وعاث: لغة تميم، وهما بمعنى: أفسد.

صَرَتْ نظرهٌ لو صَادَفَتْ جَوْزَ (١) دَارعٍ | عَدَا والعَوَاصِي من دَمٍ الجَوْفِ (٢) تَنْعَرُ (٣) |
يقولون:
إنَّ الشَّأمَ يَقْتُلُ أهلَهُ | فمَنْ لِيَ إن لَم آتِهِ بِخُلُودِ |
تَعَرَّب آبائي فما إن صَرَاهُم | عن الموت إذ لم يَذْهَبُوا وجُدُودِي (٤) |
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ قال المفسرون: إن الله تعالى أمره أن يذبح تلك الطيور، وينتف ريشها، ويقطعها، ويفرق أجزاءها، ويخلط ريشها ودماءها ولحومها، بعضها ببعض، ففعل ذلك، ثم
(٢) في (ش): (القوم).
(٣) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ٧/ ٤٤٧٢ (مادة: نعر)، ٥/ ٢٩٨١ (مادة: عصا).
(٤) البيت بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٥٠، وفي "لسان العرب" ٤/ ٢١٧٧ مادة: شأم، وورد البيت الثاني في "معاني القرآن" هكذا:
تَعَرَّب آبائي فَهَلَّا صَرَاهم | من الموت إن لم يذهبوا وجُدوُدي |
(٥) ينظر: "الحجة" ٢/ ٣٩١ - ٣٩٣.

أمر بأن يجعلها على أربعة أجبُل، فجعل أجزاء تلك الطيور أربعة أقسام، وجعل على كل جبل رُبعًا منها (١). وقال ابن جريج (٢) والسدي (٣): جعلها سبعة أجزاء، ووضعها على سبعة أجبل.
وقال مجاهد (٤) والضحاك (٥): كل جبل بحسب الإمكان، كأنه قيل: فرقه على كل جبل يمكنك التفرقة عليه، قالوا: ففعل ذلك إبراهيم، وأمسك رؤوسهن عنده، ثم دعاهن: تعالين بإذن الله سبحانه، فجعلت أجزاء الطيور يطير بعضها إلى بعض، حتى لقيت كل جثة بعضها بعضًا، وتكاملت أجزاؤها، ثم أقبلن إلى رؤوسهن، فكلما جاء طائر أشار بعنقه إلى رأسه، فكان إبراهيم إذا أشار إلى واحد منها بغير رأسه امتنع الطائر وتباعد، حتى يشير إليه برأسه، فتلقى كل طائر رأسه، فذلك قوله: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ (٦).
وهو نصبٌ على المصدر، أي: سَعَيْنَ سعيًا، ويجوز أن يكون في موضع الحال (٧).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٨.
(٣) السابق.
(٤) السابق.
(٥) ينظر: الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٩.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٥٥ - ٥٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٥١١ - ٥١٢، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٥٤ - ١٥٥٥.
(٧) ينظر في الإعراب: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٩، "التبيان" ص ١٥٨، "البحر=