
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم تَرَ إِلَى الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه﴾ مَعْنَاهُ: هَل انْتهى إِلَيْك خبر الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم وَهُوَ نمروذ؟ قَالَه قَتَادَة.
وَهُوَ أول من تجبر فِي الأَرْض وَادّعى الربوبية. والمحاجة: المجادلة، ثمَّ بَين المحاجة فِي سِيَاق الْآيَة.
قَوْله: ﴿أَن آتَاهُ الله الْملك﴾ أَي: كَانَت تِلْكَ المحاجة فِي الربوبية من نظر الْملك وطغيانه.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يحي وَيُمِيت﴾ وَفِي الْقَصَص: أَن النَّاس قحطوا على عهد نمروذ، وَكَانُوا يتمارون من عِنْده الطَّعَام، وَكَانَ إِذا أَتَاهُ الرجل فِي طلب الطَّعَام يسْأَله من رَبك؟ فَإِذا قَالَ: أَنْت، بَاعَ مِنْهُ الطَّعَام، فجَاء إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم فِيمَن جَاءَ يمتار الطَّعَام، فَقَالَ لَهُ نمروذ: من رَبك؟ قَالَ: رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت، فأشغل بالمحاجة وَلم يُعْطه شَيْئا، فَانْصَرف عَنهُ إِبْرَاهِيم، وَمر بكثيب من الرمل، فَمَلَأ مِنْهُ الجواليق تطييبا لقلوب أَهله، فَلَمَّا بلغ منزله فَإِذا فِيهِ الدَّقِيق.

﴿إِبْرَاهِيم فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب فبهت الَّذِي كفر وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين (٢٥٨) أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية على﴾
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَالَ أَنا أحيي وأميت﴾ هَذَا قَول نمروذ حِين قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: ربى الَّذِي يحيى وَيُمِيت.
قَالَ سُفْيَان: إِنَّه دَعَا برجلَيْن وَجب الْقَتْل عَلَيْهِمَا، فَقتل أَحدهمَا وَلم يقتل الآخر، فَهَذَا إحياؤه وإماتته.
وَقَوله: ﴿قَالَ إِبْرَاهِيم فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: لم انْتقل إِبْرَاهِيم من حجَّة إِلَى حجَّة، وَهَذَا يكون عَجزا؟ قيل: كَانَت الْحجَّة الأولى لَازِمَة، ومعارضة نمروذ إِيَّاه كَانَت فَاسِدَة؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت اختراعا، وَلم يُعَارضهُ بِمثلِهِ لكنه خَافَ أَن يشْتَبه على السامعين، فَأتى بِحجَّة أوضح من الأولى؛ مُبَالغَة فِي الْإِلْزَام، وقطعا لشغب.
وَقَوله: ﴿فبهت الَّذِي كفر﴾ أَي: تحير بِغَلَبَة الْحجَّة عَلَيْهِ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
(وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فَجْأَة | فأبهت حَتَّى مَا أكاد أُجِيب) |
وَالصَّحِيح أَن الله صرفه عَن تِلْكَ الْمُعَارضَة إِظْهَار للحجة عَلَيْهِ، ولتكون معْجزَة لإِبْرَاهِيم.
وَقَوله: ﴿وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين﴾ ظَاهر الْمَعْنى. صفحة رقم 262