آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

استطراد إلى الفرار من الوباء
لقد استطرد ابن كثير في سياق تفسير الآية الأولى إلى موضوع الفرار من الوباء وأورد حادثا في زمن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وحديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم رواه الشيخان عن ابن عباس جاء فيه: أن عمر خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أهل الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، فقال عمر لابن عباس: ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم فاستشارهم فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن نرجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي الأنصار. فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين في الاختلاف فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في الناس: إني مصبّح على ظهر فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، وكان عمر يكره خلافه. نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا لها عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله. وجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيّبا في بعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه، فحمد الله عمر بن الخطاب ثم انصرف» «١». وفي الحديث تعليم صحيح نبوي بليغ يجب الالتزام به.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٦ الى ٢٥٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢).

(١) التاج ج ٣ ص ١٧٢- ١٧٣.

صفحة رقم 458

(١) طالوت: تعريب شاؤول المذكور في سفر صموئيل.
(٢) بسطة في العلم والجسم: إشارة إلى ما كان عليه طالوت من جسامة حيث روى سفر صموئيل أنه كان أطول الناس قامة.
(٣) التابوت: هنا هو صندوق كان بنو إسرائيل يحفظون فيه الذخائر

صفحة رقم 459

الدينية المقدسة منذ عهد موسى وهرون.
(٤) سكينة من ربكم: طمأنينة تطمئن بها نفوسكم يبعثها إليكم ربكم.
(٥) فصل: بمعنى سار.
(٦) من لم يطعمه: من لم يذقه ويشرب منه.
(٧) الذين يظنون أنهم ملاقو الله: الذين يتيقنون من لقاء ربهم.
تعليق على الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى... إلخ والآيات التالية لها من [٢٤٦- ٢٥٢]
الآيات فصل جديد، وفيها قصة من تاريخ بني إسرائيل القديم من بعد موسى (عليه السلام)، وعبارتها واضحة، والآيتان الأخيرتان منها جاءتا بمثابة تعقيب على القصة احتوت أولاهما تسويغا للحروب الدفاعية وتقريرا لضرورتها، فلو لم يلهم الله المعتدى عليهم بالوقوف موقف الدفاع فيدفع بذلك بعض الناس ببعض لعمّ الفساد وساد الأشرار البغاة. وهذا من فضل الله على خلقه ومن آثار حكمته في توجيه الناس والفطرة التي فطرهم عليها، واحتوت الثانية توكيدا وجه الخطاب فيه للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه من رسل الله وبأن الله قد أنزل آياته عليه بالحق حسب ما رآه من مقتضيات الحكمة والمصلحة.
ولم نطلع على رواية خاصة في سبب نزول الآيات، والمتبادر منها أنها جاءت كما قلنا قبل للتدعيم استطرادا للأمر الموجه إلى المسلمين بالقتال والإنفاق في سبيل الله الذي احتوته الآيات السابقة لها ومن المحتمل أن تكون نزلت مع الآيات الثلاث. وإلا فتكون نزلت بعدها فورا وبدء المجموعتين بجملة أَلَمْ تَرَ مما يؤيد ذلك. ويؤيد في الوقت نفسه أن المسلمين أو بعضهم كانوا يعرفون ما فيهما من قصص والله أعلم. وقد انطوت على تلقينات جليلة ومعالجة روحية قوية في صدد الجهاد في سبيل الله والثبات فيه. وفي النعي على المترددين والمتمردين

صفحة رقم 460

والجبناء، وفي التنويه بالمخلصين الصابرين وتأييد الله لهم، وفي صدد بيان كون المهم في مثل هذه المواقف هو الإخلاص والصبر واليقين بالله ونصره ولقائه لا الكثرة، فالصابرون المخلصون الموقنون منتصرون بإذن الله مهما كان عددهم قليلا.
وفي الآيات نقاط بارزة نعتقد أنها من الجوهري في التذكير والعظة والتدعيم والتلقين الذي انطوى فيها، مثل إبداء الإسرائيليين الرغبة في القتال بسبب ما حل فيهم من عدوان الغير عليهم ومثل ما كان من شك نبيهم في صدق رغبتهم. ومثل ما وقع من تمردهم على اختيار الله وعلى أوامر الملك ومطالبتهم بالآيات للتدليل على صدق الاختيار. ومثل تهيبهم العدو وارتدادهم عن لقائه وما ظهر منهم من الانحراف والمخالفة في الامتحان الذي امتحنهم الله به حيث منعهم من الشرب من ماء النهر عبّا، ومثل ثياب المخلصين المؤمنين وصبرهم وانتصارهم أخيرا.
وهذه النقاط تقوي التوجيه الذي وجهناه في سياق الآيات السابقة من تهيب بعض المسلمين وترددهم في الاستجابة إلى دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم في موقف جهادي، وما قلناه من أن هذا الفصل قد سيق بسبيل التذكير والتمثيل والعظة والتنويه والتنديد معا.
ومما يزيد في قوة العظة والتدعيم ما بين محتويات الفصل وبين ظروف المسلمين وبخاصة المهاجرين الذين كان الانتداب إلى القتال قبل وقعة بدر قاصرا عليهم على ما ذكرناه في مناسبة سابقة حين نزوله من تماثل أو تقارب. فاليهود نالهم الأذى والعدوان بعد موسى فدفعهم هذا إلى طلب القتال ثم نكص أكثرهم، والمهاجرون نالهم مثل ذلك فحري بهم أن يعتبروا ويتعظوا ولا يكونوا مثل أكثر اليهود.
والآيتان الأخيرتان التعقيبيتان متصلتان بهذا المعنى اتصالا وثيقا، فالجهاد الذي دعى إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وفرضه القرآن ضرورة لا بد منها لأن البغي والعدوان إذا لم يدفعا استشرى الشر والفساد. وهذا مما لا يرضاه الله تعالى لعباده المؤمنين

صفحة رقم 461

ولذلك سوغ الجهاد في سبيل دفع البغي والظلم. وفي هذا ما فيه من حكمة اجتماعية بليغة وتلقين جليل مستمر المدى.
وفي المحاورة بين بني إسرائيل ونبيهم التي شاءت حكمة التنزيل أن تحكيها عظة بالغة حيث تضمنت تقرير كون بسطة العلم والجسم تؤهل صاحبها للملك والقيادة أكثر من بسطة المال.
وظاهر مما تقدم أن القصة لم تكن مرادة لذاتها ولذلك اقتصرت حكمة التنزيل على الخلاصة التي احتوتها الآيات والتي استهدف بها العبرة والعظة والتمثيل.
ولقد فصلت القصة في أسفار القضاة وصموئيل الأول وصموئيل الثاني من أسفار العهد القديم المتداولة اليوم. والخلاصة القرآنية متفقة بعض الاتفاق مع ما جاء في هذه الأسفار ومتغايرة بعض التغاير أيضا. والذي نرجحه أن ما كان يتداوله اليهود ويعرفه العرب عن طريقهم هو المتسق مع الخلاصة القرآنية. وفي الأسفار التاريخية العائدة لما بعد موسى، والمتداولة اليوم أخبار متناقضة كما يظهر من مقارنة أسفار أخبار الأيام وأسفار الملوك. فليس من مانع من أن يكون هناك أسفار ضاعت فيها ما هو المتفق مع الخلاصة القرآنية وهو ما نعتقده ونبهنا عليه في مناسبات سابقة.
وخلاصة ما ورد في الأسفار المتداولة اليوم المذكورة آنفا عن القصة أن بني إسرائيل تعرضوا بعد موسى ويوشع لعدوان من الفلسطينيين في جنوب فلسطين، ومن الكنعانيين في شمالها، ومن الآشوريين في العراق، والآراميين في الشام، والمصريين ومن دول شرق الأردن وتناحروا معهم ردحا، وتداولت الأيام بينهم.
ثم كان للفلسطينيين عليهم غلبة شديدة حتى لقد احتلوا كثيرا من بلادهم ومدنهم وأخذوا تابوتهم الذي فيه الألواح والمدونات التشريعية الربانية التي كتبها موسى على ما شرحناه في سورة الأعراف. وكانوا من قبل يقاتلون بقيادة قواد يظهرون من آن لآخر باسم قضاة فطلبوا من نبيهم صموئيل أن يقيم عليهم ملكا فأقام عليهم

صفحة رقم 462
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية