
إسرائيل" فكانت آية وأعظم آية، وقبل بنو إسرائيل بقيادة طالوت، وباسم الله تعالى قادهم في الآية التالية (٢٤٩) بيان السير إلى ساحات القتال.
﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي١ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ٢ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) ﴾
شرح الكلمات:
﴿فَصَلَ طَالُوتُ﴾ ٣: انفصل من الديار وخرج يريد العدو.
﴿بِالْجُنُودِ﴾ ٤: العسكر وتعداده –كما قيل: سبعون ألف مقاتل.
﴿مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ : مختبركم بنهر جار لعل هو نهر الأردن الآن.
﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ : لم يشرب منه.
﴿غُرْفَةً﴾ ٥: الغرفة بالفتح المرة، وبالضم الاسم من الاغتراف.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ : هم الذين لم يشربوا من النهر، أما من شرب فقد كفر وأشرك.
٢ الظن هنا: بمعنى اليقين، أو يكون الظن على بابه وليس هو في لقاء الله تعالى وإنما هو في الموت في هذه الحرب هل يقتلون فيلاقون الله أو لم يقتلوا.
٣ هل كان طالوت نبياً؟ يستدل على نبوته بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ وبقوله: ﴿إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ والله أعلم وعلى كل فهو عبد صالح.
٤ لفظ الجند وجمعه: جنود وأجناد، مشتق من الجند الذي هو غليظ الأرض، إذ الجنود يعتصم بعضهم ببعض فيقوون ويغلظون على عدوهم.
٥ الغرفة بالضمة: اسم لا يعرف كالأكلة، اسم لما يؤكل، والغرفة أيضاً: البناء العالي، والجمع: غرف.

﴿أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ﴾ : أي: يوم القيامة فهم يؤمنون بالبعث الآخر.
﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ﴾ : كم للتكثير، والفئة: الجماعة يفيء بعضها إلى بعض.
﴿وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ : يسددهم ويعينهم وينصرهم.
معنى الآية:
إنه لما خرج طالوت بالجيش أخبرهم أن الله تعالى مختبرهم في سيرهم هذا إلى قتال عدوهم بنهر ينتهون إليه وهم في حر شديد وعطش شديد، ولم يأذن لهم في الشرب منه إلا ما كان من غرفة واحدة، فمن أطاع ولم يشرب فهو المؤمن، ومن عصى وشرب بغير المأذون به فهو الكافر ولما وصلوا إلى النهر شربوا منه يكرعون؛ كالبهائم إلا قليلاً منهم. وواصل طالوت السير فجاوز النهر وهو ومن معه، ولما كانوا على مقربة من جيش العدو وكان قرابة مائة ألف قال الكافرون والمنافقون: ﴿لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ فأعلنوا انهزامهم، وانصرفوا فارين، وقال المؤمنون الصادقون وهم الذين قال الله فيهم: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ كانت هذه الآية في بيان سير طالوت إلى العدو، وفي الآيتين التاليتين (٢٥٠و٢٥١) بيان المعركة وما انتهت إليه من نصر حاسم للمؤمنين الصادقين قال تعالى:
{وَلَمَّا بَرَزُوا١ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا٢ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ٣ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ
٢ فيه مشروعية الدعاء في مثل هذا الموقف، وقد دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بدر حتى سقط ردائه، وكان إذا لاقى العدو قال: "اللهم بك أصول وبك أجول" ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم". وعلم أصحابه ذلك.
٣ الهزم: الكسر، ومنه قولهم: سقاء متهزم، إذا أثنى بعضه على بعض مع الجفاف، وقيل في زمزم: هزمه جبريل، أي: هزمها جبريل برجله، فتكسرت الأرض وخرج الماء.