
زعم - أبو الحسن الأخفش أنَ " أنْ " ههنا زائدة - قال: المعنى وما لنا
لا نقاتل في سبيل اللَّه، وقال غيره، وَمَا لَنَا فِي ألا نُقاتل في سبيل اللَّه.
وأسقط " في " وقَال بعْضُ النحويين إنما دخلت " أن" لأنَّ " ما " معناه ما يمنعنا
فلذلك دخلت " أن " لأن الكلام ما لك تفعل كذا وكذا.
والقول الصحيح عندي أنَّ " أن " لا تلغى ههنا، وأن المعنى وأي شي
لنا في أنْ لا نقاتل في سبيلِ اللَّه، أي أي شيء لنا في ترك القتال.
(وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)
ومعني (وَأَبْنَائِنَا)، أي سُبِيَتْ ذرارينا.
ولَكِنَّ " في " سقطت مع " أن " لأن الفعلَ مُستَعمل مع أن دالا على وقت
معلوم، فيجوز مع " أن " يحذف حرف الجر كما تقول: هربت أن أقول لك
كذا وكذا، تريد هربت أن أقول لك كذا وكذا.
وقوله عزَّ وجلّ؛ (تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ).
(قليلاً) منصموب على الاستثناءِ، فأما - من روى " تَولوْا إِلا قليلٌ منهم " فلا أعرف هذه القراءَة، ولا لها عندي وجه، لأن المصحف على النصب والنحو يوجبها، لأن الاستثناء - إِذا كان أولُ الكلام إِيجاباً - نحو قولك جاءَني القوم إلا زيداً - فليس في زيد المستثنى إِلا النصب - والمعنى تولوا أسْتَثْنِي قَليلاً مِنْهم - وإِنما ذكرت هذه لأن بعضهم روى " فشربوا منه إِلا قليلٌ منهم " وهذا عندي ما لا وجه له.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)

أي قد أجابكم إلى ما سألتم. من بعث ملك يقاتل، وتقاتلون معه
وطالُوت وجالُوت وداوُد. لا تنصرف لأنها أسماء أعجمية، وهي معارف فاجتمع فيها شيئان - التعريف والعجمة، وأما جاموس فلو سميت به رجلًا لانصرف، وإن كان عجمياً لأنه قدتمكن في العربية لأنك تدخل عليه الألف واللام، فتقول الجاموس والراقُودُ.
فعلى هذا (قيَاسُ جميع) الباب.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا).
أي من أي جهة يكون ذلك.
(وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ) أي لم يؤت ما تَتَمَلَّكُ به الملوك.
فأعلمهم اللَّه أنه (اصطفاه) ومعناه اختاره، وهو " افتعل " من الصفوة.
والأصل اصتفاه فالتاءُ إذا وقعت بعد الصاد أبدلت طاء لأن التاء من مخرج
الطاء، والطاء مطبقة، كما أن الصادَ مطبقة، فأبدلوا الطاء من التاء، ليسهل النطق بما بعد الصاد، وكذلك افتعل من الضرب: اضطرب، ومن الظلم اظطلم، ويجوز في اظطلم وجهان آخران، يجوز اطَّلم بطاء مشددة غير
معجمة واظَّلم بظاء مشددة قال زهير:
هو الجواد الذي يعطيك نائلَهُ... عفواً ويُظْلم أحياناً فيظطلم
و" فيطَّلم " و " فيظَّلِم ".
أعلمهم الله أنه اختاره، وأنه قد زِيدَ في العلم والجسم بسطة، وأعلمهم
أن العلم أهو، الذي به يجب أن يقع الاختيار ليس أن اللَّه - جلَّ وعزَّ -: