
بالسبي والقتل. ومعنى الآية: أنهم أجابوا نبيَّهم بأن قالوا: إنما كنا نزهد في الجهاد إذ كنا ممنوعين في بلادنا لا (١) يظهر علينا عدو، فأما (٢) إذْ (٣) بَلَغَ ذلك منا فلابُدَّ من الجهاد، فنطيع ربنا في الغزو ونمنع نساءنا وأولادنا (٤).
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ وهم الذين عبروا النهر، ويأتي (٥) ذكرهم بعد هذا (٦).
قال عطاء: وفي هذا تحريض للمهاجرين والأنصار، ووعيدٌ لمن تَخلَّفَ عن النبي - ﷺ - في القتال (٧)، فقال: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ يريد: المشركين والمنافقين (٨).
٢٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ أي: قد أجابكم إلى ما سألتم، من بَعْثِ الملكِ يُقَاتِل وتُقَاتلون معه، وكان طالوتُ رجلًا دبَّاغًا، يعمل الأدم، وكان من أدنى بيوت بني إسرائيل، وكان من سبط بنيامن، ولم يكن من سبط النبوة، ولا من سبط المملكة، ولذلك أنكروا مُلكه (٩)، و {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ
(٢) في (م): (فلما).
(٣) في (ي) و (ش): (إذا).
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٢ - ١٣٤٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٧.
(٥) في (ي) (وسيأتي).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٧.
(٧) لعله من الرواية التي تقدم ذكرها في قسم الدراسة.
(٨) في (ي): (بالمشركين والمنافقين).
(٩) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٧، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٠٢ - ٦٠٤، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٦٥، "تفسير عبد الرزاق" ١/ ٩٧.

بِالْمُلْكِ مِنْهُ} لأنا من سبط الملوك ﴿وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾ أي: لم يؤت ما يتملك به الملوك ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ اختصه بالملك ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ (١).
قال ابن عباس: كان طالوتُ يومئذ أعلمَ رجلٍ في بنى إسرائيل وأجمله وأتمه (٢).
والبسطة: الزيادة في كل شيء، ويسمى طول القامة: بَسْطَةً. والزيادة في المال والعلم وفي كل شيء: بسطة (٣).
وقال الكلبي: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ بالحرب (٤) ﴿وَالْجِسْمِ﴾ يعني: بالطول.
وكان يفوقُ الناسَ برأسه ومنكبه (٥)، وإنما سمي طالوت لطوله (٦). قال الزجاج: أعلمَ اللهُ عز وجل أن الذي يجب أن يقع به الاختيارُ العلمُ، ليس أن الله عز وجل لا يُملِّكُ إلا ذا مالٍ، وأعلمَهم أنَّ الزيادة في الجسم مما يهيب به العدو ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ (٧) يريد: أن الملك ليس
(٢) ينظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٦٦.
(٣) ينظر في بسطة: "تهذيب اللغة" ١/ ٣٣٤، "المفردات" ص٥٦ - ٥٧، "اللسان" ١/ ٢٨٣.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٨، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٨، وقال القرطبي: وهذا تخصيص للعموم بغير دليل.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٦٦ عن ابن عباس، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٨.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٣٤٨.
(٧) كذا في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٨ - ٣٢٩.